
بـــيـــن الـــمـــخــذل والــــمـــخـــالـــف والــمـــعـــادي
أخي المسلم
أهلا وسهلا بك أخ حبيب
وفي مجلس مبارك ، نلتقي فيه على ما يزيد الإيمان
ويشرح الصدر ويجدد العهد وذلك على صفحة من صفحاته
لا أريد أن أطيل عليك ولكن قبل الدخول في الموضوع لعلي أستفتح بما
روى البخاري في قصة نزول الوحي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" أن ورقة بن نوفل لمّا أخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خبر ما رأى قال:
ليتني أكون حياً إذ يُخرجك قومك ، فقال رسول الله: أومُخرجي هم؟
قال: نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي ".
عجيب والله أمر المصلح.. تجده يواجه كل أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء ، ومع
صابر محتسب ..!!
عجيب والله أمره .. يخرج وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام أسرته أو أمام قبيلته أو أمام
حيه أو أمام مدرسته أو في مسجده وجامعه أو أمام جامعته أو أينما كان .. فلا يضره
من خذله ولا من خالفه ، يتألب على المصلح الخاصة وينفر منه العامة ، يصفونه بأقذر
الصفات ويتهمونه بأبشع الأخلاق ، بل ويصلون إلى النيات والتصنيف ثم الاتهامات ، ومع
ذلك فهو رافع الرأس ، عالي الهمة ، صادق العزيمة ..! ينظر المصلح إلى الناس من حوله
فيجد الانحراف والضلال والبعد عن شرع الله والمخالف لسنة رسوله ، فيتحرك قلبه ، ويهتز
ضميره ، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم من حوله ومن له علاقة بهم وبأحوالهم ، يظل
قلق النفس حائر اللب ، لا يهدأ باله بنوم أو راحة ، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب ..
وكيف يقوى على ذلك أو يرضى به وهو يرى من يسير إلى الهاوية ، وفصول الهزيمة
والاستكانة تتوالى تباعاً .. !!
إنّ المصلح صادق مع نفسه ومع الآخرين ، يجهر بالحق في وقته يحسب حساب المفسدة
قبل المصلحة ، يُسمي الأشياء بأسمائها ، ويكره التدليس والخداع وتزوير الحقائق ، ولا
يرضى بالمداهنة أو المداورة على حساب الثوابت والمسلمات ، وهذا ما لا يرضي العامة ا
لذين ألهتهم شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله ، كما لا يرضى به بعض الذين يسمون أنفسهم
بالمتدينين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من غفلة العامة وانشغالهم . ينطلق المصلح
مستعيناً بالله ـ تعالى ـ يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد الخالص لا يعتريه فتور ولا
خور ، ولا يقعده عن أمانة البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف ، لأن القلب العامر بنور الإيمان يكتسب
قوة وثباتاً يستعلي بها على زخرف الدنيا وشهواتها . إن عظمة المصلح تتجلى في ثباته
ورباطة جأشه وقدرته على مواجهة الناس، بدون كلل أو ملل ، فالحق يمكن أن يصل إليه
الكثيرون ، ولكن الصدع به والثبات عليه والصبر على الأذى فيه منزلة شامخة لا يصل إليها
إلا المصلحون الأفذاذ ، والذين تعلقت قلوبهم بالذكر والعبادة إن عظمة المصلح تتجلى في
رعايته لهموم ذريته ودعوته وما وكل إليه من واجب ومسؤولية كبيرة أو صغيرة ، دينية أو
دنيوية ، فهو يعيش ليذب عن البلاد والعباد ، ولا يتعلق قلبه بشكر الناس أو حمدهم ، أو ترهب
نفسه من غضبهم أو ظلمهم ، يقولها صادقاً
{ يا قوم لا أسألكم عليه أجراْ إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون }
إنّ المصلح هو صانع الحياة ، وباعث الأمل في الناس ، وهو الداعي إلى كل خير وذلك في
زمن عزّ فيه الدين وغربت فيه السنة وندر فيه الصادقون .. !
دعواه في ذلك كما قال شعيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ
{ وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي
إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب }
يا رب اجعلنا لصالحين مصلحين.
__________________
عــــش مـــع الـــقــرآن .... تــعــش الــــحــيــاة