بسم الله الرحمن الرحيم
يشيع مصطلح " الاستنارة " في الحوار الثقافي العربي الجديد بدرجة ملحوظة ، ويكاد هذا المصطلح يقترن بالحديث عن الإسلام وقضايا الفكر الإسلامي ، وقد تفرعت عنه أوصاف لنفر من المفكرين فيقال مثلاً : " هذا مفكر مستنير " ، وقد يقترن بوصف الدين فيقال : " المفكر الديني المستنير " ، على الرغم من أن هذا التركيب الأخير بالغ السوء ، ويحمل إيحاءات مشينة للإسلام ، لأنه يوحي بأن وصف " الإسلامي " لم يعد كافياً بذاته لإفادته وصف " الاستنارة " ومن ثم ن كان على " الإسلامي " أن يستنير ، ولا شك أن " المستنار به هو غير الإسلام بالضرورة والتلازم ".
والمصطلح يتركز على رنين عربي جميل وجذاب – أيضاً – وهو من اشتقاق " النور " مما يجعل له مدخله السهل الرشيق إلى نفوس الشباب ، ولكن المصطلحات – مع الأسف – لا تعبأ بالدلالة الأصلية للاشتقاق اللغوي ، وإنما هي أقرب إلى الرموز الفكرية التي تختزل معاني ودلالات وإيحاءات متعددة ، لها تاريخها وتحولاتها ن وارتباطها بمذهبيات فكرية وأدبية ، وهكذا فمصطلح التنوير " أو " الاستنارة " معبأ - في عصرنا الحالي – بتاريخ الصراع بين العلم والدين / وما انتهى إليه الصراع من انتصار حاسم على الدين / المسيحية ، حققه العلم ، ليولد طوفاناً من الأفكار والمذاهب والمعارف والآداب والقيم ، بعيداً عن الدين بل ومعادياً للدين أصلاً ، وكلما ابتعد عن الدين اقترب من " التنوير ".
والقصة بتمامها – قصة تنوير – هي أوربية صرفة ، ولكنها نقلت إلى الفكر العربي الحديث ضمن ما نقل مع " تجار الشنطة الثقافية " ، والذين نجحوا في صياغة فكرنا الحديث ، في القوالب المستورة في حملة التغريب القاسية ، والتي حملت في بلادنا - أيضاً - وصف " التنوير ".
والصحوة الإسلامية الجديدة إنما قامت لكي تعلن سقوط ما يُسمى " بفكر التنوير " وهو الفكر العلماني الذي نما في ديارنا بعيداً عن هدي الله " ونوره " مقلداً الحضارة الغربية ، وبعد أن نجحت الصحوة في تحجيم هذه التيارات الفكرية المغتربة ، راحوا يشنون عليها " حرب المصطلحات " فيمجدون كل مفكر يعبث فساداً في الإسلام ، فيصفونه بالاستنارة ، ويُعلون من قدر كل مفكر إسلامي يقدم تنازلات لصالح العلمانية على أي صعيد ، فيصفونه " بالفكر الإسلامي المستنير " .
وكلما ابتعد المفكر بفكره عن الإسلام كان أكثر " استنارة" والعكس عندهم صحيح!.
لسنا نبالغ إذا قلنا أن الاستنارة – في واقعنا الفكري المعاصر – أصبحت تعني " الظلامية العلمانية " ، وأخطر من ذلك ، أنها تحولت إلى " فخٍّ " ينصب لبعض مفكرينا ، ابتغاء سحبهم إلى بذل مزيد من التنازلات الفكرية والقيمية لصالح ثقافة الاغتراب ، وبضاعتها الفاسدة.