بسم الله الرحمن الرحيم
تعتبر الترجمة من الركائز الأساسية في كل نهضة ثقافية ، فهي الوسيلة المثالية لبلوغ ما نصبو إليه من أهداف في سعينا المتواصل نحو تحقيق التنمية الشاملة. والترجمة قديمة قدم الشعوب والحضارات فهي وسيلة التفاهم والاتصال بين هذه الشعوب التي تختلف ألسنتها ولغاتها. فالإنسان مفطور على حب الاستطلاع والرغبة في التواصل وارتياد المجهول، كما أن لديه حب عميق للمعرفة يجعله يتطلع وينظر إلى خارج حدود بيئته وجماعته لمعرفة ما لدى الآخرين.
وما من شك أن أهمية الترجمة لا تقتصر على تعدد اللغات واختلافها في الزمن الماضي. فقد زادت أهمية الترجمة والحاجة إليها في الوقت الحاضر الذي اتسع فيه دور الهيئات والمؤسسات والمنظمات الإقليمية والدولية في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية مما يتطلب تكثيف الجهود وتركيزها للوقوف على النتاج الفكري والثقافي للحضارات الأخرى والإفادة منه بنقله إلى لغتنا العربية وهذا غير مستغرب إذ أن الدول المتقدمة حضارياً في هذا العصر قد سلكت هذا السبيل.
ولنا في أسلافنا أسوة حسنة حيث بدأ الاهتمام بنشاط النقل والترجمة أيام الأمويين ، وتطور في العهد العباسي حتى إن الخليفة المنصور أنشأ ديواناً خاصاً للترجمة، ثم جاء المأمون وأنشأ ""بيت الحكمة"" الشهير الذي كان بحق مصدر إشعاع فكري وثقافي في ذلك العصر وعين فيه الأكفاء من المترجمين وأجزل لهم العطاء .
ونحن نعلم جميعاً بأن الفضل (بعد مشيئة الله) في التقدم العلمي والطبي والتقني الذي تنعم به الدول المتقدمة يرجع في أساسه إلى الصحوة العلمية في الترجمة التي عاشتها خلال القرون الوسطى، حيث كانت المراجع الكبرى في العلوم الطبية والعلمية والاجتماعية هي الكتب المترجمة عن العربية لابن سيناء وابن الهيثم والفارابي وابن خلدون وغيرهم من العلماء العرب والمسلمين . وقد أقر بذلك المستشرقون المنصفون أمثال جورج ساتورن وغيره .
ومع أهمية الترجمة ودورها في فتح آفاق جديدة أمام القارئ العربي ، فإن لغة الأرقام تشير إلى ضعفها في الدول العربية كما ذكر ذلك مدير مركز الترجمة في جامعة الملك سعود بالرياض في كلمة له ، حيث أفاد بأن بعض الإحصائيات الصادرة من الأمم المتحدة تشير إلى أن المعدل السنوي لإنتاج الكتب تأليفاً وترجمة يبلغ 400 كتاب لكل مليون نسمة في الدول المتقدمة ، و 37 كتاب لكل مليون نسمة في الوطن العربي ،
كما توضح نفس الإحصائيات أن ما ترجم إلى اليابانية في عام 1975م يصل إلى ما يقرب من مئة وسبعون ألف كتاب ، بينما ما ترجم إلى اللغة العربية على امتداد عشرين عاماً وبالتحديد ما بين عامي 1948م – 1968م لا يزيد على أربعة ألاف كتاب .
إذن فإنه من الواضح بأن هنالك خللاً ما في نشاط التعريب والترجمة في الوطن العربين ويحتاج إلى المزيد من الدعم الحكومي والخاص ، وسوف أترك الموضوع مفتوحاً بدون خاتمة ترضي القارئ الكريم لأن النقاشات لا زالت مستمرة في أروقة الجامعات والجهات المختصة ولم تصل حتى الآن إلى حلول جذرية (كعادة العرب دائماً) ...
تحيتي وتقديري للجميع
أبو أحمد العبيدي