
رد: تجارة الرقيق في اوائل القرن التاسع عشر في الحجاز
- الثلاثينات الميلادية .. انقلاب في الوعي وتبدل قيمي:
وتشير احصائات لجوء العبيد لدار الاعتماد البريطاني في جدة الى تناقصها الحاد بعد حصار جدة وصعود الفترة السعودية في الحجاز. ومن لجوء اربعين رجلاً وامرأة في عام 1926م الى دار القنصلية، لم يلجأ سوى سبع عشر رجلاً وامرأة في عام 1931م، بقي منهم خمسة في الحجاز بعد تحريرهم. وان لم تنتفي تجارة العبيد بعد، فإنها خفتت بشكل ملحوظ. [78]
وحملت الثلاثينات للحجاز – والتي سبقها عقدان دراميّان شهد فيهما الحجاز؛ انقلابين في دار الخلافة وثورة كبرى في مكة وحرباً عالمية وأخرى حدودية وفترتيّ حصار وجوائح وبائية وتمردات قبائلية شتّى – حملت، عكس كل ذلك، استقراراً مطلقاً، انتعش فيه الميناء، وتماسك فيه موسم الحج، فانفتح الأهليون بشكل هائل على العالم وروح العصر.
يقول بوند، السفير البريطاني في جدة في رسالة للخارجية البريطانية في السادس من مارس 1930م: “لقد تقلّصت نسبة العبيد في جدة في السنوات الأخيرة بشكل مطرد، هذا يعود الى كون كثير من التجار المعروفين انفتحوا على روح العصر وباتوا يمارسون أشكال تجارة اكثر عصرية وملائمة قانونيا وقطعوا مع الاشكال التقليدية”. [79]
وضعف ارسال العبيد المهربين الى الحجاز عبر ميناء جدة وموانئها القريبة كما سبق.. مقابل ازدياد نشاط التهريب عن طريق البر من بلاد الشحر والمكلا في اليمن.. او من يجري اختطافه او بيعه أصالة في موسم الحج. [80]
وسجّل شيخ الدلالّين، القيّم على دكة الرقيق بأطراف سوق سويقة، في مكة ألف عملية بيع في عام 1930م، لكنه عاد وسجّل مائة عملية بيع فقط بعد ثلاث سنوات في عام 1933م. وفي المدينة المنورة اُغلقت الدكّة، وخرجت عن الخدمة، حيث لم تسجّل سوى عشر عمليات بيع في عام 1933م. [81]
وشهدت الثلاثينات، اقتحاماً مُفاجئاً للتقنيات الحديثة (التكنولوجيا) – ما ادى الى انقلاب في الوعي وتبدل قيّمي حاد خصوصاً في ذهنيّة وعادات البادية الحجازية.
ان احد الاسباب الجوهرية لتقلّص استهلاك العبيد بشكل كاسح في البادية الحجازية، هو إدخال النقل بالسيارات في موسم الحج والغاء نظام “الكوشان” – وهي رسوم الطريق التي كان يدفعها الجمّالة للشريف كنوع من الضريبة المحليّة (ويدفع الأهليون، مُمثلون في طبقات المطوفين ضريبة مماثلة).
لقد ضرب ذلك التحوّل، الهيكل الاقتصادي للبادية الحجازية، خصوصاً لدى قبيلتيّ الحوازم والأحامدة، في صميمه وقوّض مراكز قوته وشبكة علاقاته القديمة.
وأدى انخفاض الطلب في النقل التقليدي على الجمال والشقادف الى تقليص الطلب بين شيوخ الجمّالة والمخرّجين للعبيد الذين كانوا يستعينون بهم سابقاً في اعباء وتجهيزات قوافل الحجيج وتسييرها.