
في الابتلاءات .. دروس .. وعبر
مرحبا ألف بمن تصفح وقرأ ثم اتعظ ووعظ
أهلا بك ومع هذه السلسلة التي عشنا معها وقفات
وها نحن الآن على مقربة من الانتهاء منها وقبل الرحيل
في الابتلاءات دروس وعبر:
لا يمكن أن نأخذها من غير الابتلاء وهي من حكم الابتلاء وفوائده , ومن أهمها ما يلي:
أولا : أن البلاء درس يتبين من خلاله للعبد حقيقة التوحيد وصدق الإيمان وقوة التوكل على الله فالابتلاء
يطلعك عمليا وواقعيا على حقيقة نفسك , وماذا تعني عندك كلمة التوحيد والإيمان والتوكل
عند نزول البلاء تتبين حقيقة ما في القلب , وحقيقة العلاقة مع الله والاستجابة له
ولرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن نحن بغير الله؟َ لا شيء والله ، أنتم الفقراء إلى الله ، فلا حول لنا
ولا قوة إلا به ـ سبحانه ـ حينها يسقط الجاه والمنصب والمال والتفاخر والخيلاء والعجب والغرور , في تلك
اللحظة يعلم الواحد منا أن ناصيته بيد من خلقها ، فبالبلاء يعود العبد الضعيف إلى القوي العزيز.
ثانيا: البلاء يكشف لك حقيقة الدنيا وزيفها وزخرفها , وأنها متاع الغرور وأن الحياة الصحيحة الكاملة
وراء هذه الدنيا في جنة عرضها السموات والأرض , قال الله عنها وعن حال أهلها
{ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين لا يمسهم فيها نصب وما هم منها معجزين }
وقال سبحانه { وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون }
أما هذه الدنيا فهي دار التحصيل للآخرة { لقد خلقنا الإنسان في كبد } { يا أيها الإنسان إنك كادح }
فبينما نحن في كبد وكدح , إذ بالدنيا تغر بمتاعها حتى وقع في شراكها من يتنافسون فيها
فإذا هي مقبلة إذ بها مدبرة , وبينما هي ضاحكة إذ بها عابسة , فما أسرع العبوس من ابتسامتها
وما أسرع البلاء من نعمائها , هذه طبيعتها , ترانا ننسى فيأتي البلاء فيذكرنا بحقيقتها فنستعد للآخرة
والآخرة خير وأبقى .
ثالثا: أن البلاء يذكرك بفضل الله ونعمه عليك بالعافية والستر والأمن , فإذا وقع البلاء أو المصيبة فإذا
هي تشرح لك أبلغ بيان وأصرح برهان معنى العافية و إسدال النعم التي كنت تمتعت بها سنين مع زوجك
و أقاربك وأولادك وزملائك , فكم من إجازة تذوقت حلاوتها , وكم من رحله سعدت بها , وكم من نزهه
استأنست بها , وبعض الناس لا يعرف ما هو فيه من النعمة والعافية فـتراه لا يقدرها حق قدرها
وصدق من قال: " الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى " ومن غير المبتلى يعرف أن
الدنيا كلمة ليس لها معنى إلا العافية في الدين والأهل.
رابعا: أن البلاء يذكرنا بعيوب أنفسنا لنتوب منها , وأن القضية قضية مراجعة للحال الذي نحن عليه
أهو على إقامة الدين حيث أمر الله { أن أقيموا الدين } أم أننا نسير وراء أهواء الذين لا يعلمون
إن البلاء ـ يا أخي المسلم ـ إذا وقع فلا شك أننا نحن السبب في وقوعه فهو من عند أنفسنا
ولذا يقول تعالى { أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا }؟؟
لقد جاء الجواب مباشرة بقوله ـ عز وجل ـ { قل هو من عند أنفسكم }
وقال تعالى { وما أصابك من سيئة فمن نفسك }
بسبب عملك السيئ ، فيا سبحان الله !! ما بال أقوام يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون
ولا هم يذكرون؟
ما بالهم لا يعظهم البلاء؟
ما بالهم لا تردهم الفتنة؟
إنك عندما تنظر لهؤلاء وتتساءل عن حالهم تتذكر إن كنت من أهل القرآن قول الله ـ عز وجل ـ
{ أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله }
تأمل في قوله تعالى { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم }
فهل نراجع أنفسنا؟
وهل نتأمل في أحوالنا قبل الابتلاء وبعده والسعيد من وعظ بغيره.
هذا وإلى لقاءأخير في هذه السلسلة بإذن الله تعالى.