ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 11-02-2010, 05:35 PM
  #1
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

خطبتنا في هذه الجمعة عن الرحمة



الخطبة الأولى
الحمد لله المتوحد في الجلال بكمال الجمال تعظيماً وتكبيراً، والمتفرد بتصريف الأحوال على التفصيل والإجمال تقديراً وتدبيراً، المتعالي بعظمته ومجده، {تَبَارَكَ ٱلَّذِى نَزَّلَ ٱلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَـٰلَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:1]. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (التوبة: من الآية128).
اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمة مهداة من الله لأممهم، أنقذ الله بهم من شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دركات الجحيم إلى درجات الجنان، ومن يضلل الله فما له من هاد، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
فأما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين امتثالاً لأمر الله ووحيه:
قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (الزمر:10).
أيها المسلمون: والرحمة كلمة ندية، رخية في لفظها، وهي ذات مفاهيم ومدلولات كبيرة في معناها، بها ينتشر الود، ويتحقق الإخاء، ويسود القسط. وبالرحمة ترعى كرامة بني الإنسان، وينتشر العدل، بها تستعلي النفوس إلى أصل فطرتها، وبفقدها يهوي الإنسان وترتكس فطرته إلى منازل الجماد الذي لا يعي ولا يهتز.
أجل إن الرحمة كمال في الطبيعة، وجمال في الخلق، يرق صاحبا لآلام الخلق ويسعى لإزالتها، ويأسى لأخطائهم وجنوحهم، فيترحم عليهم ويتمنى لهم الهداية والرحمة.
أما القسوة فتبلد في الحس، وارتكاس في الخلق، وغلظة في الطبع، وغرور وكبرياء، لا يكاد تفكير أصحاب هذا الطبع أن يتجاوز دوائرهم الضيقة، وذواتهم المريضة. بالرحمة أو خلافها يتميز الناس إلى رحماء يرحمهم الرحمان، وقساة قلوب لهم الويل في الحياة وبعد الممات.
إخوة الإسلام: ويطيب الحديث عن الرحمة في كل آن، ولكنه يجمل ويتأكد حين يستعلي الكبراء، ويتغطرس الأقوياء، حين تبقى فئة من البشر تتحكم في الموارد والأرزاق، فتعطي وتشترط، وتمنع وتحاصر، تهدد بالحصار العسكري تارة، وبالحصار الاقتصادي أخرى، وبين هذا وذاك تعمل بكل ما أوتيت من قوة في سبيل الحصار الفكري والتعبير الثقافي في المجتمع العالمي.

وحين تفقد الرحمة تموت آلاف من الأطفال حتف نفسها جوعاً أو عرياً – وتشرد آلاف أخرى من البشر عن ديارها وتباح لغيرها ظلماً وعدواناً، ويعتدي على النساء بغياً، بل وتبقر بطون الحوامل لاستخراج ما في أرحامها همجية وحقداً.
أين هذا من شرع السماء وهدي الأنبياء عليهم السلام؟ والرحمة في أفقها الأعلى صفة من صفات الرب تبارك وتعالى، وملائكة السماء تشهد بذلك وتتضرع إلى خالقها: رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (غافر: من الآية7).
بل الله أرحم الراحمين، ويشهد برحمته كل من قرأ: "الرحمن الرحيم" أو يقرأ: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء (لأعراف: من الآية156).
إنها رحمة من يقتدر على الأخذ بقوة: فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (الأنعام: من الآية147).
وهي رحمة لا يستطيع كائن إمساكاً لها أو إرسالاً: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (فاطر:2).
أيها المسلمون: ورحمة ربي شاملة للحياة والأحياء لبني الإنسان والجن والحيوان، للمتقين والفجار، للأولين والآخرين، وفي الدنيا والآخرة.
وظواهر هذه الرحمة يدركها من يتأمل كتاب الله أو ينظر في ملكوت الله.
من مظاهرها: تسخير الكائنات: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (القصص:73). رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً (الاسراء:66).
ويمتد التسخير للمركوب والمأكول، ويربط ذلك برحمة الله كما قال تعالى: وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ (النحل: من الآية 5-7)
ومن مظاهر الرحمة: رفع البلاء، وإن جحد المبتلون: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا (يونس: من الآية21). وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ (يّـس: من الآية 43-44).
وفرق بين من يقال عنهم: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (المؤمنون:75)، وبين من قيل عنه: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (الانبياء: من الآية 83-84).
أجل إنها رحمة وذكرى كما قال ربنا، ولكنها لمن؟ للعابدين.
عباد الله: ومن مظاهر رحمة الله رفع الحرج لمن به علة أو حاجة: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة:91)، فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (البقرة: من الآية173).
ومن مظاهرها: قبول التوبة للمذنبين: فتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة:37)، وليست قصراً على آدم وحده، بل تشمل غيره: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (المائدة:74)، قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (يوسف:92).
يا أخا الإسلام: وهل علمت أن هبة الله الأهل، والذرية الصالحة من رحمة الله فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلّاً جَعَلْنَا نَبِيّاً * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً (مريم: من الآية 49-50)، ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (مريم:2)، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (صّ:43).
وأن إنزال الغيث رحمة من الله: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ (الشورى: من الآية28)، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ (الروم: من الآية46).
ترى أي حد لرحمة الله، وتقديرها أزلي في كتاب عنده فوق العرش كما قال عليه الصلاة والسلام: "لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي" رواه البخاري ومسلم.
وأثرها يمتد من الدنيا إلى الآخرة، وهو في الآخرة أعظم، والحاجة إليها أكبر فقد صح عنه عليه الصلاة والسلام : "إن لله مئة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وفيها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة". رواه مسلم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (يونس:58).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين صاحب الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شمل بفضله ورحمته الإنس والجان والمتقين والفجار، وشهد جوده وآلاءه أولو الألباب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ناله من رحمة ربه ما ألان قلبه لمن حوله فاجتمعوا إليه، ولو كان فظاً غليظاً لانفضوا من حوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
أيها المسلمون: وإذا كانت الرحمة بمفهومها العام شامة للخلق حتى تقوم الحياة ويبتلى الأحياء، ويتميز الشاكرون المؤمنون عن الكافرين الجاحدين، فثمة نوع من الرحمة رجح ابن القيم أن المقصود بها النعمة، فرحمته: نعمته. ثم قال: فالهدى والفضل، والنعمة والرحمة متلازمان، لا ينفك بعضها عن بعض.
ونقل القرطبي عن السلف تفسير فضل الله بالقرآن، والرحمة بالإسلام. عن أبي سعيد الخدري وابن عباس: فضل الله: القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة: فضل الله: الإيمان، ورحمته: القرآن .
هذه الرحمة ينالها طائفة من عباد الله بعمل الصالحات والمجاهدة والإحسان، والمتتبع لآيات القرآن يجد بيان ذلك واضحاً… فبم تنال هذه الرحمة؟ إن مما تنال به الرحمة المجاهدة في سبيل الله، قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (التوبة: من الآية 20-21).
ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (النحل:110).
كما تنال الرحمة بالصبر: الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة: من الآية 156-157).
وتنال بالإحسان كما قال تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (لأعراف: من الآية56)، إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (النمل:11).
وتنال الرحمة بالإيمان والتقى والطاعة لله والرسول وأداء الواجبات: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (آل عمران:132)، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ (النساء: من الآية175)، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ (الحديد: من الآية28).
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ (لأعراف: من الآية 156-157).
كما أن للقانتين آناء الليل كفلاً من رحمته: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (الزمر:9).
عباد الله: ومن علائم السعادة أن تسود الرحمة مجتمعالمسلمين إذا شقي غيرهم بالغلظة والأنانية والجفاء، ورحمة الخلق سبب لرحمة الخالق، قال عليه الصلاة والسلام: "الراحمون يرحمهم الرحمان، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.." رواه أبو داود والترمذي وهو صحيح بشواهده .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما: "لا يرحم الله من لا يرحم الناس".
إن نزع الرحمة من علائم الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود.
وإذا كانت القسوة في خلق الأفراد دليل نقص كبير، فهي في تاريخ الأمم دليل فساد خطير، وهي علة الفسوق والفجور كما قال تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد:16).
أيها الناس: إن أحدنا قد يهش لأصدقائه حين يلقاهم، وبكل تأكيد يرق لأولاده وأحبائه حين يراهم،وتلك جوانب من الرحمة، بيد أن المفروض في المؤمن أن تكون دائرة رحمته أوسع، فهو يبدي بشاشته، ويظهر مودته واحترامه لعامة المسلمين.
فالمؤمنون إخوة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة، وأقرب الناس منزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم أحاسنهم أخلاقاً، الذين يألفون ويؤلفون، ولا خير في من لا يؤلف.
بل شملت الرحمة في الإسلام الحيوان فضلاً عن الإنسان، فقد شكرا الله وغر للرجل أو المرأة البغي الذي سقى الكلب الذي كان يأكل الثرى من العطش. متفق عليه .
ودخلت النار امرأة بسبب هرة ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض. متفق عليه.
وإذا انتكست الفطر سحق الإنسان، وبات يحوم حول المزابل بحثاً عن طعام أو شراب، أو شلت أعضاؤه من ويلات الحروب وقنابل الدمار، هذا إن كان في عداد الأحياء. وباتت القطط والكلام مدللة إلى حد الترف في المطعم والمشرب والمسكن، وملازمة لأصحابها في الحل أو الترحال، وأين هذا والرحمة في شريعة الإسلام؟
أيها المؤمنون: وليس من الرحمة في الإسلام ترك الأدب لمن به حاجة إليه، حتى وإن بدا فيه قسوة على المؤدب ظاهراً.
فقسا ليزدجروا ومن يك راحماً فليقس أحياناً على من يرحم
وليس من الرحمة تعطيل حدود الله على من يقترف محظوراً يستحق العقاب: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ (النور: من الآية2).
ومن بلاغة القرآن أن عبر عن قتل القصاص بالحياة لما في ذلك صيانة الأحياء واستمرار الحياة: وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة:179).
إن الرحمة يا عباد الله – في الإسلام – ليست حناناً لا عقل معه، أو شفقة تتنكر للعدل والنظام، كلا إنها عاطفة متزنة ترعى الحقوق كلها وتقيم وزناً لمصلحة الفرد والمجتمع والأمة… وبهذه وتلك فاقت رحمة الإسلام كل رحمة، وانتشر صيت رحمة المسلمين في الآفاق، ودخلت أمم في الإسلام لم يقهرها السيف، ولم يستهوها الدرهم والدينار – لكنها القناعة بشريعة الإسلام والإعجاب بأخلاق المسلمين… على حين أفلست الحضارة المادية المعاصرة رغم تشدقها بالعبارات الخادعة، لم يشفع لها بريق الهيئات والمنظمات الكاذبة… فحقوق الإنسان. ومنظمات العدل الدولية، وهيئات الأمم… وما شاكلها، كل هذه وتلك عند واقع الحال وحين يتعلق الأمر بالمسلمين بالذاب، ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد؟
وما أحوج الدنيا إلى شرع السماء وهدي الأنبياء، وتلك مسؤولية المسلمين شعوباً وحكومات: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ (الرعد: من الآية17).
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك رداً جميلاً.
اللهم هب لنا من رحمتك ما تصلح به أحوالنا في الدنيا، وترحمنا يوم العرض عليك في الآخرة؛ فأنت أرحم الراحمين.




__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 17-02-2010, 08:49 AM
  #2
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

خطبة الجمعة بعنوان بر الأبناء ووفاء الآباء
الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد فأوصيكم ونفسي المقصرة المذنبة بتقوى الله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران:102).

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما (الأحزاب: من الآية 70-71).
أيها المسلمون الذرية في شريعة الإسلام نعمة وهبة، وزينة ومفخرة، وفي الوقت نفسه هم فتنة وعدو، وهم مجنة مبخلة.
يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (الشورى: من الآية 49-50).
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (الكهف: من الآية46).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ .التغابن: من الآية 14-15.
وما فتئ الصالحون يدعون لأبنائهم ويرفعون أكف الضراعة لهدايتهم، ويبذلون ما في وسعهم لاستقامتهم كيف لا؟ وهم زينتهم وقرة ما داموا أحياء والوارثون لهم والداعون لهم إذا كانوا أجداثاً رمماً (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (ابراهيم:37). إلى قوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (ابراهيم:40).
كذا قال أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وقال زكريا عليه السلام: وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (مريم: من الآية 5-6).
ويصدق الداعون ويستجيب الله الدعاء، والدعوة ذات هدف ومعنى: هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ * فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ (آل عمران: من الآية 38-39).
وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ(صّ:30).
وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ (النمل: من الآية16).
لذا تتجه أنظار الأنبياء بالدعوات الصادقة للأبناء وهدفهم من الذرية تحقيق العبودية لله، يقيمون الصلاة، ويشكرون أنعم الله، فليست دعواتهم لذرية مطلقة كلا بل مقيدة بالصلاح "ذرية طيبة"، ومن أولياء الله "فهب لي من لدنك وليا".
أو ابين له (وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (صّ:30).
ويستمر الآباء في الدعوة والدعاء للأبناء وإن أحسوا منهم جنوحاً عن سبيل الهدى، وانحيازاً عن ركب المؤمنين ولكن الهداية بيد الله وحده لا يملكها الأنبياء المرسلون، ولا الملائكة المقربون.
وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (هود: من الآية 42-43).
وحين ألح نوح في الدعاء ونادى ربه فقال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ(هود: من الآية45).
قال الله له: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (هود: من الآية46).
ترى هل يتخذ الآباء من سلوك الأنبياء منهجاً وقدوة؟
إخوة الإيمان.. من الأبوة إلى البنوة لنقف على نماذج عالية في الدعوة والطاعة والرضا والتسليم طاعة للوالدين وإحساناً إليهما..
وتأملوا هذا الأدب الرفيع والحوار المعبر والدعوة الحانية للخير بلطف في العبادة ولهف للاستجابة: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً . (مريم: من الآية 41-45).
وإذا كان هذا خطاب الابن المسلم لأبيه الكافر فماذا ينبغي أن يكون خطاب الابن المسلم لأبويه المسلمين؟
والبر لا يبلى، فقد وهب الله إبراهيم عليه السلام ذرية صالحة وجعل فيهم النبوة والكتاب، وحين امتحن أحدهم، وكان البلاء المبين وفي الابن لأبيه، واستسلم الأب والابن لأمر الله طائعين، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (الصافات: من الآية 103-106).
أجل لقد بقيت كلمات إسماعيل – عليه السلام – برهانا للصدق والوفاء والطاعة والاستسلام بوعي، والصبر عن يقين ورضا..، وما من شك أن الموقف حرج، وأن المطلوب صعب.. لكنه بر الأبناء.. والوفاء للآباء (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102)
ويظل يوسف عليه السلام يذكر آباءه بخير وهو في غياب السجن: ]وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (يوسف:38).
ولا ينسيه الملك أو يطغيه الجاه والسلطان عن طلب والديه وأهله وحين دخلوا عليه مصر آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ * وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْش . يوسف: من الآية 99-100.
أيها الأبناء تأدبوا غاية الأدب مع والديكم وقولوا لهما قولاً كريماً، وقدورهما حق قدرهما.
أورد النووي يرحمه الله في كتاب الأذكار في باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه فقال: روينا في كتاب ابن السني عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً معه غلام، فقال للغلام: من هذا؟ قال: أبي، قال: "فلا تمش أمامه، ولا تستسب له، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه قلت (النووي): معنى لا تستسب له: أي لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك زجراً لك وتأديباً على فعلك القبيح.
أيها الآباء أدبوا أولادكم بآداب الإسلام واسألوا الله لهم الهداية والصلاح فالله هو الهادي والمصلح.
روى البخاري في الأدب المفرد عن الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول كانوا يقولون: الصلاح من الله والأدب من الآباء .
أعوذ بالله من الشيطان: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُن الفرقان: من الآية74).


الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين وقائد الغر المحجلين، واللهم صل وسلم عليه وعلى سائر المرسلين.
أيها المسلمون: من مقامات الأنبياء إلى وصايا الحكماء يقص القرآن علينا نموذجاً لتربية الآباء ووصاياهم للأبناء، وفضل الله يؤتيه من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، ولو كان الحكيم عبداً حبشياً، قصيراً، أفطس الأنف، ذا مشافر عظيم الشفتين، مشقق الرجلين. وكذا كان لقمان الحكيم.. ولكن الله رفع ذكره بالإيمان والتقى والصدق واليقين، فقد كان عبداً صالحاً وآتاه الحكمة ولم يكن نبياً .
وبدت حكمته لسيده حين أمره قائلاً: اذبح لي شاة وائتني بأطيبها مضغتين فأتاه باللسان والقلب فقال له: ما كان فيها شيء أطيب من هذين؟
فسكت، ثم أمره بذبح شاة أخرى ثم قال له: ألق أخبث مضغتين فيها فألقى اللسان والقلب فقال له: أمرتك أن تأتيني بأطيب مضغتين فأتيتني باللسان والقلب وأمرتك أن تلقى أخبثها فألقيت اللسان والقلب! قال لقمان: إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ولا أخبث منهما إذا خبثا .
إخوة الإيمان كم يمر بنا ذكر لقمان ووصاياه العظام فلا تلفت أنظارنا كثيراً، وربما لم تحرك عند البعض منا ساكناً، وفي وصايا لقمان لابنه وهو يعظه دروس للآباء والأبناء، وفي مواعظه ما يحيي به الله القلوب الغافلة ذكراناً كانوا أم إناثاً إن أول ما تتجه له عاطفة الأب الناصح لابنه أن يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً: وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان:13).
فالعبودية لله وحده هدف الوجود.. وهي أساس دعوة الرسل، والشرك محبط للأعمال موجب للخسران (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (الزمر: من الآية 65-66).
ولئن قيل إن ابن لقمان، وامرأته كانا كافرين فما زال يعظهما حتى أسلما .
فحري بالآباء أن يحذروا الأبناء من طرائق الشرك ووسائله وإن كانوا في الأصل مسلمين، وكذلك نزل القرآن محذراً المؤمنين عن الشرك بقوله: ]الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ (الأنعام:82).
قد شقت هذه الآية على الصحابة حين نزلت، وقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : وأينا لا يظلم نفسه، فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه ]يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (لقمان: من الآية13).
ويلفت لقمان نظر ابنه إلى عظيم قدرة الله فالحبة وإن كان قدرها صغيراً، والحس لا يدرك لها ثقلاً، ولا ترجح ميزاناً لخردلة، فالله يعلم وجودها، ولو كانت محصنة محجبة داخل صخيرة صماء، أو غائبة ذاهبة في أرجاء السموات والأرض فإن الله يأتي بها فلا تخفى عليه خافية يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (لقمان:16.
قيل إن لقمان هنا وعظ ابنه ألا يشغله الرزق عن أداء فرائض الله فلو كان رزق الإنسان مثقال حبة خردل في هذه المواضع جاء بها الله حتى يسوقها إلى من هي رزقه.
وقيل المعنى تخويف عن اقتراف المعاصي وتنبيه لرقابة الله ولو ظن العاصي أنه لا يرى.
فقد روي أن ابن لقمان قال لأبيه: يا أبت إن عملت الخطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله؟ فقال له لقمان: يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله. فما زال ابنه يضطرب حتى مات ذكره مقاتل، ونقله القرطبي .
أيها المسلمون لا يزال لقمان يوصي ابنه، وينقله من موعظة إلى أخرى.. وتحتاج بقية الوصايا إلى خطبة ولكني أقف في النهاية مستخلصاً أعظم ما ينبغي أن يمنحه الآباء للأبناء، ومن الاستعراض الموجز لسلوكيات الأنبياء أو الحكماء نعلم حاجة الآباء إلى تخصيص أبنائهم بالدعوة والدعاء، وأن يمنحوهم الأدب، ويمحضوهم النصح، ويخصوهم بالوصايا والعظات النافعة فما نحل والد ولداً من نحلٍ أفضل من أدب حسن.
وعلى الأبناء أن يخلصوا الطاعة لله، وأن يكونوا مثالاً للطاعة بالمعروف والبر والإحسان إلى والديهم، والشكر لهم، كيف لا وقد قرن شكر الله بشكرهما قال تعالى :أن اشكر لي ولوالديك . قيل: الشكر لله على نعمة الإيمان وللوالدين على نعمة التربية، وقال سفيان بن عيينة: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى، ومن دعا لوالديه في أدبار الصلوات فقد شكرهما"
ما أحوج الأبناء للقول الكريم للآباء والله يقول: وقل لهما قولاً كريماً.
أورد القرطبي في أدب الخطاب مع الوالدين عن أبي البداح التجيبي قال: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: "وقل لهما قولاً كريماً" ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ"
اللهم وفق الآباء وأصلح الأبناء، واجعلنا جميعاً ممن ينتفع بمواعظ القرآن وطرائق الأنبياء ووصايا الحكماء.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 25-02-2010, 09:06 PM
  #3
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

عنوان الخطبةبشرى لنا إن تبنا وبشرى للتائبين


إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثم أما بعد فأوصيكم ونفسي المقصرة المذنبة بتقوى الله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (آل عمران:102).

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (النساء:1).
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما (الأحزاب: من الآية 70-71).


أما بعد:

فإن البشر تعتريهم صفات النقص ويجري عليهم من الغفلة والزلل والوقوع في المعاصي وليس لهم الكمال والعصمة فهم عرضة للخطأ والنسيان والسهو والهفوة.
دلَّ على ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم.
وقوله عليه الصلاة والسلام من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك ذلك لا محالة فالعينان زناهما النظر والأذنان زناهما الاستماع واللسان زناه الكلام واليد زناها البطش والرِّجل زناها الخطاء والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج ويكذبه.
فهذه النصوص الصريحة من السنة تدل دلالة واضحة على أن الإنسان معرض للوقوع في المعصية لأنه عبد ضعيف تغلبه الأمارة بالسوء وهواه وشيطانه، ولكن المسلم الفطن العاقل اللبيب يتدارك ذلك بالتوبة والاستغفار والإقلاع المباشر قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمآل عمران: 135
قال ابن كثير: "أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار"

فكان الجزاء:
أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَآل عمران: 136
وقوله عليه الصلاة والسلام: كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.
فالله جل وعلا يتوب على التائبين الصادقين، وأنه لا أحد يحول بينك وبين التوبة وبينك وبين الله عز وجل فهو سبحانه يقول: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ . البقرة: 186
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.
وأن الله جل وعلا يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه مع غناه وكماله سبحانه وتعالى.
قال ابن القيم رحمه الله: "وهذه فرحة إحسان وبر ولطف لا فرحة محتاج إلى توبة عبده منتفع بها؛ فهو سبحانه لا يتكثر من قلَّة ولا يعتز به من ذلة ولا ينتصر به من غلبة ولا يعده لنائبة ولا يستعين به في أمر".
ويصور لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الفرحة بمثال فيقول: الله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلت عنه وعليها طعامه وشرابه فاضطجع في ظلها قد أيِِس من راحلته فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح.
وتأمل كيف كانت فرحته بهذه الراحلة التي عليها طعامه وشرابه وهو في هذه الأرض الخالية التي لا يوجد عليها سبب من أسباب الحياة وإلا هذه الراحلة وعلى هذه الراحلة الطعام والشراب فذهب الجمل بما حمل، وتأمل فرحته حينما أخذ بخطامها لم يقل رآها بعيدة أو سمع صوتا بل قال قائمة عنده وهذا يجعله يدهش ويتمسك بها بكل ما أوتي من قوة.
دل ذلك خطأه حينما قال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" ومع هذه الفرحة الشديدة بهذه الراحلة وعودة الحياة إليه من جديد، فالله أشد فرحاً منه بعودته إليه تائباً نادماً مخبتاً من عودة دابة عليه، فعودة الراحلة إليه من أسباب الحياة المؤقتة في الدنيا الزائلة، ولكن عودة العبد إلى ربه ومولاه تائباً مؤمناً منكسر القلب من أسباب الحياة الحقيقية وهي حياة قلبه بنور الإيمان المبشر بالحياة السرمدية الأبدية في جناته جنات النعيم.
فهو سبحانه أرحم من أنفسنا وآبائنا وأمهاتنا.

وهذا موضع الحكاية المشهورة أنه كان أحدهم يسير في إحدى السكك، فرأى باباً قد فتح وخرج منه صبي يستغيث ويبكي وأمه خلفه تطرده حتى خرج فأغلقت الباب في وجهه ودخلت فذهب الصبي غير بعيد ثم وقف مفكراً فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته فرجع مكسور القلب حزيناً فوجد الباب مرتجاً فتوسده ووضع خده على عتبة الباب ونام فخرجت أمه فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: "يا ولدي أين تذهب عني ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك لا تخالفني ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك والشفقة عليك وإرادتي الخير لك؟" ثم أخذته ودخلت.

فتأمل قول الأم: "لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة"
وتأمل قول صلى الله عليه وسلم: الله أرحم بعباده من هذه بولدها.
وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟
فمن هذا شأنه ورحمته التي وسعت كل شيء لا ينبغي اليأس والقنوط من رحمته وعفوه.
كذلك أنه سبحانه يتفضل على عبده التائب العائد إليه ويكرمه بأن يجعل تلك السيئات حسنات إذا أتبع التوبة بعمل صالح.
قال تعالى: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً الفرقان: 68-70
وتأمل قوله سبحانه وتعالى: فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ . تبين لك فضل الله العظيم وسعة عطائه وكثرة جوده.

قال أهل العلم: التبديل هنا نوعان:
الأول: تبديل الصفات السيئة بصفات حسنة كإبدالهم بالشرك إيمان وبالزنا عفة وإحصاناً وبالكذب صدقاً وبالخيانة أمانة وهكذا.
الثاني: تبديل السيئات التي عملوها بحسنات يوم القيامة.
وانظر إلى شرح هذا الكرم الإلهي في هذا الحديث: جاء شيخ كبير هرم قد سقط حاجباه على عينيه وهو يدعم على عصا حتى قام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة -أي: لا صغيرة ولا كبيرة- إلا أتاها" وفي رواية "إلا اقتطفها بيمينه" لو قسمت خطيئته بين أهل الأرض لأبقتهم -أي: أهلكتهم- فهل له من توبة"، فتخيل بعد هذا العمر الطويل والكم الهائل من المعاصي يسأل ويقول: هل لي من توبة؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل أسلمت؟
قال: "أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله"
قال: تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهن الله لك خيرات كلهن.
قال: وغدراتي وفجراتي؟
قال: نعم
قال: "الله أكبر"، فما زال يكبر حتى توارى. قال الهيثمي: رواه الطبراني والبزار، وقال المنذري في الترغيب: إسناده جيد قوي.
وآيات الفرقان الآنفة الذكر تدل له وتشهد له.
وهكذا ينبغي للتائب الصادق في توبته ترك السيئات وفعل الخيرات حتى يبدل الله سيئاته حسنات.
وإليك أخي هذا النداء من ملك الملوك عز وجل:
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزمر: 53
أي: قل لعبادي يا محمد الذين أكثروا من المعاصي لا يقنطوا من رحمتي وعفوي فأنا أغفر الذنوب كلها صغيرها وكبيرها، وإني أنا الغفور الرحيم.

وتأمل أخي رقة العبارة ولطف العتاب بقوله: يَا عِبَادِيَ تندرج تحتها الآمال والرجاء والمبشرات وحسن الظن بالله، ففيها أمل ورحمة ورأفة وإحسان وجود وكرم وعطاء من ملك الملوك الذي لا يتعاظمه شيء فمهما بلغت الذنوب فعفو الله أعظم.

قال الإمام الشافعي رحمه الله عند موته:
ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي *** جعلت الرجاء مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته *** بعفوك ربي كان عفوك أعظم

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وسنة نبيه اقول ماتسمعون واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه.


الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين صاحب الفضل والإحسان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شمل بفضله ورحمته الإنس والجان والمتقين والفجار، وشهد جوده وآلاءه أولو الألباب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ناله من رحمة ربه ما ألان قلبه لمن حوله فاجتمعوا إليه، ولو كان فظاً غليظاً لانفضوا من حوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
عباد الله يقول ربنا عز وجل في الحديث القدسي
( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة.)
قال تعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ النساء18
فهذه توبته غير مقبولة لأنها ليست في زمن التوبة المقبولة.
وقد قال عليه الصلاة والسلام: إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
والغرغرة: هي بلوغ الروح الحلقوم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.

فبادر أخي قبل أن تبادر فما هي إلا أيام أو ساعات أو لحظات وإذا بك في عداد الأموات فأصبح الغيب لديك علانية، فعد قبل أن تقول: رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ المؤمنون: 99-100فيقال لك: كَلَّا
أو تقول: يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ الزمر56
أو تقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي الفجر: 24
تدري أي حياة هذه؟ إنها الحياة الأخروية الأبدية التي ليس فيها موت، ففي صحيح الإمام مسلم: عن عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا صار أهل الجنة إلى الجنة وصار أهل النار إلى النار أتى بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد "يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت"، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم.
فهؤلاء في الجنة مكرمون: وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ الأنبياء102
وهؤلاء في النار والعذاب المهين: لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا فاطر: 36
قدم لنفسك توبة مرجوة *** قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلق النفوس فإنها *** ذخر وغنم للمنيب المحسن

عباد الله ان الله امركم بأمر فقال سبحانه : عن الله وملائكته يصلون على النبي يا ايها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما
الدعاء
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 8 ( الأعضاء 0 والزوار 8)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 05:06 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود