ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 06-07-2009, 09:47 PM
  #1
ابو سعد القحطاني
مشرف سابق
تاريخ التسجيل: Jul 2005
المشاركات: 1,381
ابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond reputeابو سعد القحطاني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الحبيب المناضل

جزاك الله الفردوس الآعلى واسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما كتبته في ميزان حسناتك وأن ينفع بها .







فداك نفسي وأبي وأمي وقبيلتي والناس أجمعين يا رسول الله .




أخوك أبو مصعب

يحبكم في الله
__________________
فداك نفسي وابي وامي وقبيلتي والناس اجمعين يارسول الله

" ولو طوى بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وُأهمل علمه وعمله لتعطلت الشريعة وإضمحلت الديانة وعمت الغفلة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وإستشرى الفساد ، وإتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ، وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد ." (الشيخ صالح بن حميد)

"أضع رأسي في آخر اليوم على الوسادة دون أن يكون في قلبي حقد أوغل أو حسد أو ضغينة ضد أحد من المسلمين مهما فعل بي وأدعوا الله لمن أخطأ في حقي بأن يغفر الله له ويسامحه "
ابو سعد القحطاني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-07-2009, 04:53 AM
  #2
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

ابو سعد القحطاني

ولو أنني أوتيت كل بلاغة ****** وأفنيت بحر النطق في النظم والنثر
لما كنت بعد القول إلا مقصرا ***** ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر

مشكور على مرورك ودعواتك

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------


الخطبة عن السِّحْرُ وَالشَّعْوَذَةُ

الْحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُرْشِداً، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَتَحَ اللهُ بِهِ أَعْيُناً عُمْياً وَآذَاناً صُمّاً وَقُلُوباً غُلْفاً، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اقْتَفَى أَثَرَهُ وَاهْتَدَى بِهَدْيِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ - وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ، وَاحْذَرُوا أَنْ تَكُونُوا مِـمَّنِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ: )أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ( [المجادلة:19].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:

الْحَدِيثُ عَنِ السِّحْرِ ذُو شُجُونٍ، ذَلِكُمُ الْبَلاَءُ الْمُسْتَشْرِي وَالدَّاءُ الْقَدِيمُ الْمُهْلِكُ، فَهُو مُشْكِلَةٌ كُبْرَى مِنْ مُشْكِلاَتِ هَذَا الزَّمَانِ وَكُلِّ زَمَانٍ، وَفِي عَصْرِ الْحَضَارَةِ الْمَادِّيَّةِ تَزْدَادُ ظَاهِرَةُ السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ نُفُوذاً وَانْتِشَاراً، وَتَتَنَامَى طُقُوسُهُ فِي أَكْثِرَ شُعُوبِ الْعَالَمِ تَقَدُّماً، وَرُبَّمَا أُقِيمَتْ لَهُ الْجَمْعِيَّاتُ وَالْمَعَاهِدُ، أَوْ نُظِّمَتْ لَهُ الْمُؤْتَمَرَاتُ وَالنَّدَوَاتُ. إِنَّ السِّحْرَ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، وَهُوَ يُنَاقِضُ الإِسْلاَمَ وَيُضَادُّ التَّوْحِيدَ، وَمَكْمَنُ الْخَطَرِ مِنْهُ: مَا فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللهِ وَالإِشْرَاكِ بِهِ مِنْ جَانِبٍ، وَإِلْحَاقِ الأَذَى وَالضَّرَرِ بِعِبَادِ اللهِ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى: )وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ([البقرة:102].

وَوَجْهُ الْعَلاَقَةِ بَيْنَ السَّحْرِ وَالْكُفْرِ بِاللهِ الْعَظِيمِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ: أَنَّ السِّحْرَ يَدْخُلُ فِي الشَّرْكِ مِنْ جِهَتَيْنِ: مِنْ جِهَةِ مَا فِيهِ مِنِ اسْتِخْدَامِ الشَّيَاطِينِ، وَمِنَ التَّعَلُّقِ بِهِمْ، وَرُبَّمَا تَقَرَّبَ إِلَيْهِمُ السَّاحِرُ بِمَا يُحِبُّونَ، لِيَقُومُوا بِخِدْمَتِهِ وَمَطْلُوبِهِ، وَمِنْ جِهَةِ مَا فِيهِ مِنْ دَعْوَى عِلْمِ الْغَيْبِ، وَدَعْوَى مُشَارَكَةِ اللهِ تَعَالَى فِي عِلْمِهِ؛ وَلِهَذَا أَكَّدَ الْمُصْطَفَى صلوات ربي وسلامه عليه التَّحْذِيرَ مِنَ السِّحْرِ وَشَدَّدَ عَلَيْهِ، وَجَاءَ حُكْمُ الشَّرِيعَةِ فِي السَّحَرَةِ صَارِماً عَادِلاً؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ] فَجَعَل السِّحْرَ بَعْدَ الشَّرْكِ بِاللهِ لِشَنَاعَتِهِ، وَسُوءِ أَثَرِهِ، وَوَخِيمِ عَاقِبَتِهِ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:

أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ السَّاحِرَ مُفْسِدٌ فِي الأَرْضِ، يَقْتُلُهُ وَلِيُّ الأَمْرِ، وَلَيْسَ الْقَتْلُ إِلاَّ لِوَلِيِّ الأَمْرِ، وَقَدْ ثَبَتَ قَتْلُ السَّاحِرِ عَنْ عَدَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ رضي الله عنهم كَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، وَجُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللهِ؛ عَنْ بَجَالَةَ بْنِ عَبْدَةَ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t كَتَبَ: «أَنِ اقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ» [رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ]. وَإِنَّمَا جَاءَ حُكْمُ الشَّرِيعَةِ بِقَتْلِ السَّاحِرِ؛ لأَنَّهُ مُفْسِدٌ فِي الأَرْضِ؛ يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَيُؤُذِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَيَزْرَعُ الْبَغْضَاءَ وَالشَّحْنَاءَ، وَيُشِيعُ الرُّعْبَ وَالشَّكَّ، وَيَقْطَعُ عَلَى الْمُتَوَادِّينَ حُبَّهُمْ وَصَفَاءَهُمْ، فَفِي قَتْلِ السَّاحِرِ قَطْعٌ لِمَادَّةِ فَسَادِهِ، وَرَاحَةٌ لِلْبِلاَدِ وَالْعِبَادِ مِنْ خُبْثِهِ وَبَلاَئِهِ، وَاللهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، وَلاَ يُصْلِحُ عَمَلَهُمْ؛ فَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ وَلاَّهُ اللهُ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُنَفِّذَوا هَذَا الْحُكْمَ فِي كُلِّ مَنْ ثَبَتَ عَنْهُ مُمَارَسَةُ السِّحْرِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَحْفَظَ جَنَابَ الدِّينِ، ولِكَيْ تَقَرَّ عُيُونُ أَقْوَامٍ يَتَألَّمُونَ بِسَبَبِ مَكْرِ السَّحَرَةِ وَفَسَادِهِمْ.

عِبَادَ اللهِ:

يَرُوجُ السِّحْرُ وَيَكْثُرُ الْمُشَعْوِِذُونَ فِي بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ لأَسْبَابٍ، مِنْهَا: ضَعْفُ الإِيمَانِ فِي النُّفُوسِ، إِذِ الإِيمَانُ دِعَامَةٌ كُبْرَى، وَوِقَايَةٌ عُظْمَى مِنْ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ وَمَكْرُوهٍوَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن:11]؛ فَحِينَ يَضْعُفُ الرَّجَاءُ فِي اللهِ، وَيَقِلُّ الْخَوْفُ مِنْهُ، وَيَهْتَزُّ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ، وَيَتَضَعْضَعُ الرِّضَى بِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، وَيرِقُّ الْيَقِينُ بِمَا قَسَّمَهُ لِلْعَبْدِ وَأَعْطَاهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَتَسَارَعُ ضَعَفَةُ الإِيمَانِ فِي الذَّهَابِ إِلَى السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ فَيَزِيدُهُمْ ذَلِكَ وَهْناً عَلَى وَهْنِهِمْ، بَعْدَ أَنْ تُسْتَلَبَ أَمْوَالُهُمْ وَعُقُولُهُمْ، وَيُثْلَمَ إِيمَانُهُمْ، وَمِنْ ذَلِكَ: الْجَهْلُ بِأَحْكِامِ الشَّرِيعَةِ، وَمَا جَاءَ فِيهَا مِنْ زَوَاجِرَ عَنِ الذَّهَابِ إِلَى هَؤُلاَءِ السَّحَرَةِ وَالْعَرَّافِينَ، وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنْ ضَرَرٍ عَلَى الْمُعْتَقَدِ وَالدِّينِ، وَهَلْ يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ مَنْ عَرَفَ وَقَدَّرَ قَوْلَ الْمُصْطَفَى r؛ الَّذِي رَوَتْهُ صَفِيَّةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ r عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّفْظُ لَهُ]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَرضي الله عنهt قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَتَى عَرَّافاً أَوْ كَاهِناً فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ». [أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ.

وَمِنَ الأَسْبَابِ كَذَلِكَ – أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ-: طُغْيَانُ الْحَيَاةِ الْمَادِّيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ الَّتِي أَقْسَتِ الْقُلُوبَ، وَجَفَّفَتْ يَنَابِيعَ الْخَيْرِ فِي أَرْوَاحِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، حَتَّى نَتَجَ مِنْ ذَلِكَ كَمٌّ هَائِلٌ مِنَ العُقَدِ النَّفْسِيَّةِ، وَالْمُشِكْلاَتِ الْوَهْمِيَّةِ؛ فَظَنَّ بَعْضُ الْمَرْضَى أَنَّ شِفَاءَهُمْ فِي السِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ؛ فَرَاحُوا يَطْرُقُونَ أَبْوَابَ السَّحَرَةِ، وَيَدْفَعُونَ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ، وَيَنْتَظِرُونَ الشِّفَاءَ عَلَى أَيْدِيهِمْ؛ فَكَانُوا كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ.
وَلأَنَّ بَعْضَ بُيُوتِ الْمُسْلِمِينَ أَضْحَتْ مَرْتَعاً لِلشَّيَاطِينِ؛ يَقِلُّ فِيهَا ذِكْرُ اللهِ، وَقَلَّ أَنْ يُقْرَأَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ، أَوْ تُرَدَّدَ فِيهَا التَّعَاوِيذُ وَالأَوْرَادُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي لاَ يَسْتَقِرُّ مَعَهَا الشَّيَاطِينُ، وَفِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ تَجِدُهَا مَلأَى بِأَنْوَاعِ الْمُنْكَرَاتِ؛ فَهَذِهِ الْبُيُوتُ الْخَرِبَةُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْجَمَالَ وَالْعُمْرَانَ؛ تُصْبِحُ مَأْوَىَ لِلشَّيَاطِينِ، وَتَصْطَادُ أَهْلَهَا وَتُصِيبُهُمْ بِالأَدْوَاءِ، فَلاَ يَجِدُونَ فِي ظَنِّهِمْ سَبِيلاً لِلْخَلاَصِ إِلاَّ بِالسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ، وَهَكَذَا يَسْرِي الدَّاءُ، وَكُلَّمَا ابْتَعَدَ النَّاسُ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ عَظُمَتْ حَيْرَتُهُمْ، وَاسْتَعْصَى عَلَى الْعِلاَجِ بَلاَؤُهُمْ.
وَإِنَّ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ انْتِشَارِ هَذِهِ الْـمُوبِقَةِ الْمُدَمِّرَةِ ضَعْفَ دَوْرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُفَكِّرِينَ وَالدُّعَاةِ وَالْمُرَبِّينَ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ السَّحَرَةِ وَأَعْوَانِهِمْ، وَبَيَانِ الأَضْرَارِ النَّاجِمَةِ مِنَ الذَّهَابِ إِلَيْهِمْ.

وَإِنَّ تِلْكَ الدِّعَايَةَ الإِعْلاَمِيَّةَ الْخَبِيثَةَ لِلسِّحْرِ وَالشَّعْوَذَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا بَعْضُ الْقَنَوَاتِ الْفَاسِدَةِ الْمُفْسِدَةِ، مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْتِشَارِ هَذَا الدَّاءِ الْوَبِيلِ الْمَاحِقِ فَإِنَّهَا تَعْرِضُ السَّاحِرَ الْـمُمَخْرِقَ الْكَذَّابَ فِي صُورَةِ الطَّبِيبِ الْحَاذِقِ الَّذِي يَعْلَمُ الْغَيْبَ، وَيَطَّلِعُ عَلَى الأَسْرَارِ، وَيَشْفِي مِنْ جَمِيعِ الْبَلاَيَا وَالأَمْرَاضِ!!. فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِهِمْ، وَنَجْعَلُهُ فِي نُحُورِهِمْ. وَمِنْ بَابِ شُكْرِ اللهِ تَعَالَى فَإِنَّنَا نَشْكُرُ الْجِهَاتِ الَّتِي كَانَ لَهَا بَعْدَ اللهِ تَعَالَى الْفَضْلُ الْكَبِيرُ فِي غَلْقِ بَعْضِ الْقَنَوَاتِ الفَاسِدَةِ الَّتِي اسْتَشْرَى عَلَى يَدِهَا فَسَادُ السَّحَرَةِ وَالْمُشَعْوِذِينَ، وَلَقَدْ قَطَعَ اللهُ دَابِرَهُمْ وَأَرَاحَ الأُمَّةَ مِنْ شَرِّهِمْ، فَجَزَى اللهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ سَاهَمَ فِي ذَلِكَ خَيْرَ الْجَزَاءِ وَأَوْفَاهُ.

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:

إِنَّ لِلسَّاحِرِ عَلاَمَاتٌ يُعْرَفُ بِهَا؛ فَمِنْهَا: أَنَّهُ يَسْأَلُ الدَّاخِلَ عَلَيْهِ عَنِ اسْمِ أُمِّهِ، وَقَدْ يَأْمُرُ الْمُلْتَجِئَ إِلَيْهِ بِأَلاَّ يَذْكُرَ اللهَ تَعَالَى وَأَلاَّ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ عِنْدَ عِلاَجِهِ لَهُ، وَلَعَلَّهُ يُخْبِرُ زَائِرَهُ بِالأَمْرِ الْغَيْبِيِّ عَنْهُ كَمَكَانِ السُّكْنَى أَوْ مَقَرِّ الْعَمَلِ وَنَحْوِهِ وهذه الغيبيات يطلبها إما احد الجن الذين يعملون معه من الجني المتلبس بالمريض أو احد شياطينه من القرين ويظن المسكين انه يعلم الغيب، وَقَدْ يُعْطِي لِلْمَرِيضِ وَرَقَةً مَكْتُوباً فِيهَا بَعْضُ الآيَاتِ وَفِي أَسْفَلِهَا يَرسُمُ مُرَبَّعَاتِ وَمُثَلَّثَاتٍ يَكْتُبُ فِيهَا حُرُوفاً مُقَطَّعَةً أَوْ أَرْقَاماً، وَرُبَّمَا أَعْطَى الْمَرِيضَ أَوْرَاقاً يَحْرِقُهَا وَيَتَبَخَّرُ بِهَا، وَفِي الْغَالِبِ لاَ يَرْفَعُ السَّاحِرُ صَوْتَهُ بِمَا يَقُولُ حَتَّى لَوْ طَلَبَ زَائِرُهُ مِنْهُ ذَلِكَ، وَرُبَّمَا مَوَّهَ عَلَيْهِ فَقَرَأَ بَعْضَ الآيَاتِ بِصَوْتٍ عَالٍ، ثُّمَ يَخْفِضُ صَوْتَهُ فِي الْبَاقِي، وَفِيهَا يُطَلْسِمُ بِكَلِمَاتٍ وَعَزَائِمَ غَيْرِ مَفْهُومَةٍ؛ حَيْثُ يُتَمْتِمُ بِكَلاَمٍ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَأَحْيَاناً يَطْلُبُ مِنَ الْمَرِيضِ أَلاَّ يَمَسَّ مَاءً لِفَتْرَةٍ مِنَ الزَّمَنِ )إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ( [ق:37]. جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْتَمِعُ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُ أَحْسَنَهُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.


الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، عِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْقَائِلُ: )وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( [يونس: 17]، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَمُصْطَفَاهُ، تَضَرَّعَ إِلَى رَبِّهِ حِينَ نَالَهُ الأَشْرَارُ بِسُوءٍ فَكَشَفَ الضُّرَّ عَنْهُ وَعَافَاهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالاَهُ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَالاِلْتِجَاءِ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ النَّافِعُ الضَّارُّ، وَاعْلَمُوا -عِبَادَ اللهِ-

أَنَّهُ عَلَى الرَّغْمِ مِنِ انْتِشَارِ السِّحْرِ فِي بَعْضِ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوُجُودِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ إِلاَّ أَنَّ ثَمَّةَ فِئَاتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ صَانُوا أَنْفُسَهُمْ وَمَنْ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ عَنِ الذَّهَابِ لِهَؤُلاَءِ الدَّجَّالِينَ مِنَ السَّحَرَةِ وَالْكَهَنَةِ وَالْعَرَّافِينَ وَالْمُشَعْوِذِينَ؛ حَمَاهُمْ دِينُهُمْ، وَحَفِظَهُمْ تَوَكُّلُهُمْ وَيَقِينُهُمْ، وَبَصَّرَتْهُمْ عُقُولُهُمْ، وَهِيَ نَمَاذِجُ كَثِيرَةٌ وَللهِ الْحَمْدُ فِي بِلَدِنَا هَذَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ كَثَّرَ اللهُ مِنْ أَمْثَالِهِمِ، وَجَعَلَنَا اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْهُمْ.

وَاعْلَمُوا -أَيُّهَا الإخوة- أَنَّهُ لاَ يَجْرِي شَيْءٌ فِي الْكَوْنِ إِلاَّ بِقَدَرٍ مِنَ اللهِ تَعَالَىمَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) [الحديد:22]، وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51].

وَاعْلَمُوا -رَحَمِكُمُ اللهُ- أَنَّ لِلسِّحْرِ دَوَاءَيْنِ: دَوَاءَ وِقَايَةٍ، وَدَوَاءَ عِلاَجٍ؛ فَدَوَاءُ الْوِقَايَةِ مَعْنَاهُ: الأَخَذُ بِالأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَلَمُّسُ الْوَسَائِلِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالنَّبَوِيَّةِ لِـمَنْعِ وُقُوعِ السِّحْرِ، وَأَعْظَمُ وَقَايَةٍ الإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وَبِخَاصَّةٍ أَذْكَارُ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ، وَثَانِي هَذِهِ الأَسْبَابِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الْوُضُوءِ؛ فَإِنَّهُ لاَ يُحافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلاَّ مُؤْمِنٌ, وَثَالِثُهَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي مَوَاقِيتِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ، وَالإِكْثَارُ مِنْ قِرَاءَةِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فَإِنَّهُ لاَ يَزَالُ عَلَى قَارِئِهَا مِنَ اللهِ حَفِيظٌ حَتَّى يُصْبِحَ وَحَتَّى يُمْسِيَ قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) [الإسراء:82]. وأكل سبع تمرات في الصباح من عجوة المدينة وقد قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز من اي تمر
ثُمَّ إِذَا قَدَّرَ اللهُ تَعَالَى وَوَقَعَ السِّحْرُ، فَلاَ تَلْتَمِسْ -أَيُّهَا الْمُسْلِمُ- عِلاَجاً عِنْدَ السَّاحِرِ فَإِنَّهُ لاَ تُزَالُ نَجَاسَةٌ بِنَجَاسَةٍ، وَلاَ يُمْحَى خَبِيثٌ بِخَبِيثٍ، وَلَكِنَّ الطَّيَّبَ هُوَ الَّذِي يَمْحُو الْخَبِيثَ، وَعِلاَجُ السِّحْرِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ كَلاَمَ اللهِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، وَتَعْوِيذَاتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْرُ دَوَاءٍ وَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ أَنْ تَلْتَمِسَ الْعِلاَجَ فِيهِمَا.

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَصَحَابَتِهِ الْغُرِّ الْمَيَامِينِ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ الرَّاشِدِينَ؛ وَالأَئِمَّةِ الْمَهْدَيِّينَ.

اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا, وَنُورَ صُدُورِنَا، وَذَهَابَ هُمُومِنَا، وَجَلاءَ أَحْزَانِنَا. اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا ، وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّينَا، وَارْزُقْنَا تِلاَوَتَهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ عَلَى الْوَجْهِ الذِي يُرْضِيكَ عَنَّا.. اللَّهُمَّ انْصُرِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ اصْرِفْ عَنَّا شَرَّ الأَشْرَارِ، وَكَيْدَ الفُجَّارِ, وَشَرَّ طَوَارِقِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، إِلاَّ طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ.. اللَّهُمَّ اهدنا واهد بنا واهد ولاة أمورنا، وَارْزُقْهُمَا تَحْكِيمَ شَرْعِكَ، وَالْقِيَامَ بِأَمْرِكَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 07-07-2009 الساعة 05:37 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-07-2009, 05:11 AM
  #3
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

خطر يهدد فلذات الأكباد

الْحَمْدُ للهِ الذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالذِي قَدَّرَ فَهَدَى، )هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى( [النجم:32].

أَحْمَدُهُ حَمْداً يُوَافِي فَضْلَ إِنْعَامِهِ، وَيَكَافِئُ مَزِيدَ إِكْرَامِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ أَنَابَ وَأَبْصَرَ، وَرَاقَبَ رَبَّهُ وَاسْتَغْفَرَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ، مَا أَقْبَلَ لَيْلٌ وَأَدْبَرَ، وَأَضَاءَ صُبْحٌ وَأَسْفَرَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ – وَنَفْسِي أَوَّلاً بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ؛ فَهِيَ سَبِيلُ النَّجَاحِ وَالْفَوْزِ وَالنَّجَاةِ وَالسَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ( [الطلاق:2-3].

إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:

إِنَّ أَوْلاَدَنَا نِعْمَةٌ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا؛ قَالَ سُبْحَانَهُ: )وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ([النحل:72]، وَهُمْ هِبَةٌ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَبَنَا إِيَّاهُمْ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنَّا وَلاَ قُوَّةٍ؛ قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: )لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ( [الشورى:49-50]. وَهَؤُلاَءِ الأَوْلاَدُ كَمْ تَتِمُّ بِهِمُ النِّعْمَةُ، وَتَحْلُو بِهِمُ الْحَيَاةُ، لَوْ كَانُوا صَالِحِينَ!، فَأَبُو الأَنْبِيَاءِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ كَانَ يَبْتَهِلُ إِلَى اللهِ تَعَالَى وَيَقُولُ: ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ( فَقَالَ تَعَالَى: )فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ([الصافات:100-101]، وَزَكَرِيَا عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: )رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ( [آل عمران:38]. وَهُمْ أُمْنِيَةُ عِبَادِ الرَّحْمَنِ، وَمِنْ دُعَائِهِمْ مَا ذَكَرَهُ اللهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: )وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا([الفرقان:74]، فَهَنِيئاً لِمَنْ قَرَّتْ عَيْنُهُ بِزَوْجِهِ وَوَلَدِهِ؛ فَالأَوْلاَدُ هُمْ رِجَالُ الْغَدِ، وَعُدَّةُ الْوَطَنِ، وَعِمَادُ الأُمَّةِ، عَلَيْهِمْ تَنْعَقِدُ الآمَالُ، وَتَسُودُ الْبِلاَدُ، وَيَتَحَقَّقُ الْمَجْدُ، وَتَعْلُو رَايَةُ الْوَطَنِ.

وَلَكِنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلاَمِ وَالْمُسْلِمِينَ لاَ يُرِيدُونَ لَنَا الْخَيْرَ، وَلاَ لِلإِسْلاَمِ الْبَقَاءَ، وَلاَ لِشَبَابِنَا الْعَافِيَةَ، فَهُمْ يُصْدِرُونَ إِلَيْنَا كُلَّ مَا لَدَيْهِمْ مِنْ أَسْلِحَةٍ فَتَّاكَةٍ، وَأَمْرَاضٍ خَبِيثَةٍ، وَأَخْطَرُ هَذِهِ الأَسْلِحَةِ سِلاَحُ الْمُخَدِّرَاتِ، فَالضَّرْبَةُ الْمُوَجَّهَةُ إِلَى شَبَابِنَا ضَرْبَةٌ قَاصِمَةٌ، وَالسِّهَامُ الْمُسَدَّدَةُ إِلَى صُدُورِهِمْ سِهَامٌ مَسْمُومَةٌ، لاِسْتِنْـزَافِ أَمْوَالِنَا مِنْ نَاحِيَةٍ، وَتَحْطِيمِ شَبَابِنَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى، فَيَكُونُ أَعْدَاؤُنَا قَدْ كَسَبُوا مَرَّتَيْنِ: سَلَبُوا أَمْوَالَنَا حَتَّى تَلْتَصِقَ أَيْدِينَا بِالتُّرَابِ، وَاغْتَالُوا أَوْلاَدَنَا لِتَنْخَلِعَ قُلُوبُنَا مِنَ الْخَوْفِ وَالْحُزْنِ، وَإِذَا سَقَطَ خَطُّ الدِّفَاعِ الأَوَّلُ سَقَطَتْ مَعَهُ صُرُوحُ الْحَقِّ وَالعَدْلِ؛ لأَنَّنَا نَعِيشُ فِي عَصْرٍ لاَ مَكَانَ فِيهِ لِلْضُّعَفَاءِ. فَكَيْفَ نَمُدُّ أَوْلاَدَنَا بِأَطْوَاقِ النَّجَاةِ مِنْ هَذِهِ الْهُوَّةِ السَّحِيقَةِ، هُوَّةِ الْوُقُوعِ فِي بَرَاثِنِ الْمُخَدِّرَاتِ؟.

واعْلَمُوا إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ أنَّ السَّبِيلَ لإِنْقَاذِ فَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا يَكُونُ أَوَّلاً: بِطَلَبِ الْعَوْنِ وَالْمَدَدِ مِنَ اللهِ تَعَالَى إِصْلاَحَ الْوَلَدِ؛ قَالَ تَعَالَى: )رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ([إبراهيم:40]، وَلِحَدِيثِ «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَبِتَعْمِيقِ الإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ، وَتَرْبِيَتِهِمْ تَرْبِيَةً إِسْلاَمِيَّةً صَادِقَةً مُنْذُ نُعُومَةِ أَظْفَارِهِمْ؛ كَمَا أَمَرَنَا بِذَلِكَ رَسُولُنَا r فِي قَوْلِهِ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].

ثُمَّ بِتَعْوِيدِهِمْ عَلَى الصَّلاَةِ فِي الْمَسَاجِدِ؛ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ، أَعَدَّ اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ» [رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ t]، وَبِحَثِّهِمْ عَلَى حِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَتِلاَوَتِهِ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ r: «إِنَّ الذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ» [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا]. وَأَيْضاً بِتَرْبِيَةِ قُلُوبِهِمْ عَلَى التَّقْوَى، وَتَنْمِيَةِ عُقُولِهِمْ بِالْمَعْرِفَةِ، وَتَقْوِيَةِ أَجْسَامِهِمْ بِالرِّيَاضَةِ وَبِمُلاَزَمَتِهِمْ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِمْ، وَتَقْرِيبِهِمْ، لاَ بِالْبُعْدِ عَنْهُمْ؛ فَرَسُولُنَا r يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا] وَلاَ يَجُوزُ لِلرَّاعِي أَنْ يَغْفُلَ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَلَوْ لَحْظَةً مِنْ نَهَارٍ أَوْ لَيْلٍ.

فَبَعْضُ الآبَاءِ فِي شُغْلٍ شَاغِلٍ عَنْهُمْ، وَلاَ يَرَوْنَ أَوْلاَدَهُمْ فِي الشَّهْرِ مَرَّةً، وَكَذَلِكَ الأُمَّهَاتُ يَعْهَدْنَ بِهِمْ إِلَى الْخَادِمَاتِ، فَمَنْ لِهَؤُلاَءِ يَحْفَظُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَخَاطِرِ؟!. وَإِذَا كَانَ الآبَاءُ فِي شُغْلٍ بِالْمادِّيَّاتِ، خَوْفاً مِنَ الْخَسَارَةِ، فَخَسَارَةُ الأَبْنَاءِ أَشَدُّ وَأَنْكَى، وَخَسَارَةُ الْوَطَنِ أَدْهَى وَأَمَرُّ؛ فَيَالَيْتَ الآبَاءَ يَعْلَمُونَ أَنَّ رَأْسَ الْمَالِ الْحَقِيقِيَّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ هُوَ الذُّرِّيَّةُ الصَّالِحَةُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( [الكهف:46].

أَلا وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ السُّبُلِ فِي حُسْنِ التَّرْبِيَةِ، وَإِنْشَاءِ جِيلٍ نَافِعٍ - الأُسْوَةَ الْحَسَنَةَ، وَالْقُدْوَةَ الطَّيِّبَةَ؛ قَالَ تَعَالَى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ( [الأحزاب:21]. وَرَسُولُنُا r مَثَلُنَا الأَعْلَى، وَأَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدِهِمْ، لَوْلاَهُمْ بَعْدَ اللهِ سُبْحَانَهُ، مَا وَصَلَ إِلَيْنَا الإِسْلاَمُ نَقِيًّا طَاهِراً، يَمْلأُ الدُّنْيَا عَدْلاً وَخَيْراً وَبَرَكَةً، فَوَاجِبُ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ وَالْعُلَمَاءِ وَالدُّعَاةِ، وَالْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ، وَالْمُرَبِّينَ وَالْمُرَبِّيَاتِ، وَكُلِّ مَنْ لَهُ صِلَةٌ بِالْعِلْمِ وَالْفِكْرِ وَالْخُلُقِ، أَنْ يَكُونُوا عَلَى الْمُسْتَوَى الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الأُمَّةِ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

أَمَّا الْقُدْوَةُ السَّيِّئَةُ فَلاَ يُرْجَى مِنْهَا خَيْرٌ أَبَداً، وَصَدَقَ اللهُ الْعَظِيمُ: )وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ([الأعراف:58]، وَهَلْ يَسْتَقِيمُ الظِّلُّ وَالْعُودُ أَعْوَجُ؟!.

وَإِلَى جَانِبِ ذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَخْتَارَ لأَوْلاَدِنَا الصُّحْبَةَ الصَّالِحَةَ، التِي لاَ تَجْتَمِعُ إِلاَّ عَلَى الْخَيْرِ، وَالتِي يَسْتَمْسِكُ أَفْرَادُهَا بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَالنِّيَّاتِ الطَّيِّبَةِ، وَالسِّيرَةِ الْحَسَنَةِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَإِذَا أَوَى أَحَدُ أَبْنَائِنَا إِلَيْهِمُ احْتَضَنُوهُ وَكَرَّمُوهُ، وَبَدَّلُوا خَوْفَهُ أَمْناً، يَتَفَقَّدُونَهُ إِذَا غَابَ، وَيُعَلِّمُونَهُ مَا جَهِلَ، وَيَعُودُونَهُ إِذَا مَرِضَ، وَيَصُونُونَهُ مِنْ جَمِيعِ الآفَاتِ، فَأُولَئِكَ لاَ يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ. بِخِلاَفِ رُفَقَاءِ السُّوءِ، الَّذِينَ يَنْتَشِرُونَ كَالْجَرَاثِيمِ، وَالَّذِينَ يَسْرِي شَرُّهُمْ سَرَيَانَ السُّمِّ فِي الدَّسَمِ، أَوْ سَرَيَانَ النَّارِ فِي الْهَشِيمِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الرَّيْحَانَةَ الْغَضَّةَ تَذْبُلُ بِمْجَاوَرَةِ الذَّابِلَةِ، وَالْمَاءَ وَالْهَوَاءَ يَفْسُدَانِ بِمُجَاوَرَةِ الْجِيفَةِ النَّتِنَةِ.

أَلاَ مَا أَرْوَعَ هَذِهِ الصُّورَةَ الْمُضِيئَةَ التِي نَقَلَهَا لَنَا الصَّحَابِيُّ الْجَلَيِلُ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ، وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُصَاحَبَةِ الأَشْرَارِ، فِيمَا رَوَاهُ عَنْ رَسُولِنَا r حَيْثَ قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثِيَابَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً مُنْتِنَةً» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ].

أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:

إِنَّ الْفَضَاءَ الذِي يُحِيطُ بِنَا مُزْدَحِمٌ بِآلاَفِ الصُّوَرِ، وَمَلاَيِينِ الْفِكَرِ، مِنْهَا مَا يَضُرُّ، وَمِنْهَا مَا يَنْفَعُ، وَمَا يَضُرُّ مِنْهَا أَكْثَرُ بِكَثِيرٍ مِمَّا يَنْفَعُ، فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنَ الاِقْتِرَابِ مِنَ الْمُوَاقِعِ الْفَاسِدَةِ الْمُدَمِّرَةِ، التِي تُودِي بِنَا وَبِأَوْلاَدِنَا وَبِأَهْلِينَا إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَإِلَى مُسْتَنْقَعٍ سَحِيقٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَالْمَهَانَةِ، وَضَيَاعِ الأُسَرِ، وَإِشَاعَةِ الْفُجُورِ، وَزَوَالِ الْكَرَامَةِ، وَخَرَابِ الْبُيُوتِ، وَلْنَتَّخِذْ كُلَّ الْوِقَايَةِ مِنْ كُلِّ مَا يُغْضِبُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ائْتِمَاراً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ([التحريم:6]، وَيَقُولُ الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْماً أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا].

وَلاَ بُدَّ -عِبَادَ اللهِ- مِنَ التَّذْكِيرِ بِفَضْلِ الْجِهَاتِ الرَّسْمِيَّةِ وَالْخَيْرِيَّةِ الَّتِي تَقِفُ حَاجِزًا مَنِيعاً فِي وَجْهِ هذا الداء. ونسأل الله ان يعين اخواننا رجال مكافحة المخدرات ونشكر حكومتنا الرشيدة على انشاء مستشفيات الأمل والذي انتفع به كثير من اخواننا الذين وقعوا في هذه الآفة

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحْمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلِّمْ تَسْلِيماً كَثِيراً إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:

فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ - وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَطَاعَتِهِ وَأُحَذِّرُكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَةِ أَمْرِهِ.

واعلموا أَيُّهَا الإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ أن مُشْكِلَةُ الْمُخَدِّرَاتِ تَشْغَلُ مِسَاحَةً وَاسِعَةً مِنْ هُمُومِ العَالَمِ الإِسْلاَمِيِّ وَكَوَارِثِهِ، حَتَّى أَصْبَحَتْ تُهَدِّدُ مُسْتَقْبَلَهُ وَمُسْتَقْبَلَ شَبَابِهِ، وَالشَّبَابُ الْمُسْلِمُ يَقِفُ فِي خَطِّ الدِّفَاعِ الأَوَّلِ مِنْ هَذِهِ الْحَرْبِ الضَّرُوسِ؛ فَإِنَّ الْمُؤَامَرَاتِ الصُّهْيُونِيَّةَ لاَ تُرِيدُ أَنْ تَضَعَ أَوْزَارَهَا، وَلاَ تُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنَا فُرْصَةً لاِلْتِقَاطِ الأَنْفَاسِ، أَوْ فُرَصَةً لِجَرَيَانِ الدَّمِ فِي الْعُرُوقِ، وَإِنَّمَا تُرِيدُ أَنْ يَكُونَ شَبَابُنَا أَعْوَاداً جَافَّةً، تَسْقُطُ وَحْدَهَا وَتَذْرُوهَا الرِّيَاحُ.
فَوَاجِبُنَا – كُلٌّ فِي مَوْقِعِهِ – أَنْ يَضَعَ نَفْسَهُ مَوْضِعَ الْمَسْئُولِيَّةِ، وَأَنْ يُرَاقِبَ رَبَّهُ، وَأَنْ يَحْفَظَ أَوْلاَدَهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَمَنِ ابْتُلِيَ بِهَذَا الْبَلاَءِ فَلْيَلْجَأْ إِلَى رَبِّهِ ابْتِدَاءً لِيُعَافِيَهُ، ثُمَّ لِيَسْتَعِنْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأُسْرَتِهِ وَأَصْدِقَائِهِ الصَّالِحِينَ؛ فَإِنَّ فِي التِفَافِهِمْ حَوْلَهُ شِفَاءَهُ وَذَهَابَ عِلَّتِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ.

فَاللَّهُمَّ احْرسنا بِعَيْنِكَ التِي لاَ تَنَامُ، وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ الَّذِي لاَ يُضَامُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ، غَيْرَ ضَالِّينَ وَلاَ مُضِلِّينَ، وَاجْعَلْنَا سِلْماً لأَوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، نُحِبُّ بِحُبِّكَ مَنْ أَطَاعَكَ، وَنعَادِي بِعَدَاوَتِكَ مَنْ عَصَاكَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وَلِاة امورنا وَهَيِّئْ لَهُمَا البِطَانَةَ النَّاصِحَةَ الصَّالِحَةَ التِي تَدُلُّهُمَا عَلَى الْخَيْرِ واصرف عنهم بطانة السؤ من المنافقين والعلمانيين واعداء الدين اللهم واصلح ولاة امر المسلمين اجمعين واجعلهم رحمة برعاياهم محكمين فيهم شرعك وسنة نبيك، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِناً مُطْمَئِنّاً سَخَاءً رَخَاءً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-07-2009, 05:56 AM
  #4
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

ماذا بعد الاختبارات
الخطبة عن ( السفر آدابه واحكامه)

الْحَمْدُ للهِ الذِي أَنَارَ بَصَائِرَ أَوْلِيَائِهِ بِالْحِكَمِ وَالْعِبَرِ، وَاسْتَخْلَصَ هِمَمَهُمْ لِمُشَاهَدَةِ عَجَائِبِ صُنْعِهِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ الْعَزِيزُ الْمُقْتَدِرُ الْقَائِلُ: )سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ( [فصلت:53]، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَخَلِيلُهُ النَّبِيُّ الْمُعْتَبَرُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحَابَتِهِ مَا اتَّصَلَتْ عَيْنٌ بِنَظَرٍ أَوْ سَمِعَتْ أُذْنٌ بِخَبَرٍ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ – عِبَادَ اللهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمُرَاقَبَتِهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى هِيَ جِمَاعُ كُلِّ خَيْرٍ، وَسَبِيلُ كُلِّ فَلاَحٍ؛ قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
بَعْدَ سَنَةٍ دِرَاسِيَّةٍ مَمْلُوءَةٍ بِالتَّكَالِيفِ وَالْوَاجِبَاتِ يَحْتَاجُ الإِنْسَانُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ الرَّاحَةِ وَالاسْتِجْمَامِ لِيَعُودَ بَعْدَهَا إِلَى مُوَاصَلَةِ الْعَمَلِ، وَالْمُثَابَرَةِ بِجِدٍّ وَهِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَنَفْسٍ مُقْبِلَةٍ، غَيْرِ مُدْبِرَةٍ، وَقَدْ رَاعَى دِينُنَا الْحَنِيفُ هَذَا الأَمْرَ الْفِطْرِيَّ فَأَبَاحَ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَعْمَلَ الْمُبَاحَ لِيُرَفِّهَ عَنْ نَفْسِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْهَا السَّآمَةَ وَالْمَلَلَ، وَلَقَدْ رَاعَى رَسُولُ اللهِ r هَذَا الأَمْرَ حَتَّى فِي مَوَاعِظِهِ وَخُطَبِهِ، فَكَانَ يَتَجَنَّبُ الإِطَالَةَ وَالإِكْثَارَ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِالسَّآمَةِ وَالْمَلَلِ حَيْثُ كَانَ يَتَخَوَّلُهُمْ بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا نُقِلَ ذَلِكَ عَنْ صَحَابَتِهِ الْكِرَامِ، وَمِنْ هَذِهِ الأُمُورِ الْمُبَاحَةِ التِي يَحْصُلُ بِهَا التَّرْفِيهُ وَالرَّاحَةُ: السَّفَرُ، تِلْكُمُ الْوَسِيلَةُ التِي نَبَّهَ اللهُ تَعَالَى إِلَى شَيْءٍ مِنْ مَنَافِعِهَا بِقَوْلِهِ: )وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ([الذاريات:20-21]، وَأَنْكَرَ عَلَى مَنْ سَافَرَ وَلَمْ يَعْتَبِرْ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: )وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُون ([يوسف:105] وَبِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلاَ: (وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) [الصافات:137-138].

إِنَّ سَفَرَ الْعِبْرَةِ هُوَ السَّفَرُ الذِي لاَ تَضِيقُ فِيهِ الْمَنَاهِلُ وَالْمَوَارِدُ وَلاَ يَضُرُّ فِيهِ التَّزَاحُمُ وَالتَّوَارُدُ، بِلْ تَزِيدُ بِكَثْرَةِ الْمُسَافِرِينَ فَوَائِدُهُ وَتَتَضَاعَفُ ثَمَرَاتُهُ وَعَوَائِدُهُ.

تَغَرَّبْ عَنِ الأَوْطَانِ تَكْتَسِبِ الْعُلاَ وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ
تَفَرُّجُ هَـــمٍّ، وَاكْـتِسَابُ مَعِيشَـةٍ وَعِلْــمٌ وَآدَابٌ وَصُـحْبَـــةُ مَــاجِـــــدِ

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مِمَّا يُفَرِّحُ الْمُسْلِمَ الصَّالِحَ الْمُسَافِرَ أَنَّ الأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ التِي كَانَ يَعْمَلُهَا حَالَةَ إِقَامَتِهِ وَالتِي يُمْكِنُ أَنْ تَفُوتَهُ بِسَبَبِ سَفَرِهِ أَنَّ هَذِهِ الأَعْمَالَ يَكْتُبُهَا اللهُ تَعَالَى لَهُ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ حَتَّى وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْهَا؛ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيماً صَحِيحاً». وَإِنَّ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ جَعَلَهُ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ فِي سَفَرِهِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةرضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ، لاَ شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ].

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ فِي اللهِ:
إِنَّ مِمَّا يُكَمِّلُ فَرْحَةَ الْمُسْلِمِ وَيَكُونُ سَبَباً فِي سَعَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى مَعْرِفَةِ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ، وَمَعْرِفَةِ مَا يَحِلُّ، وَمَا يَحْرُمُ، وَمَعْرِفَةِ الآدَابِ وَالأَحْكَامِ التِي تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْهَا:

الْحِرْصُ عَلَى صَلاَحِ النِّيَّةِ، بِأَنْ يَنْوِيَ بِسَفَرِهِ القُرَبَ وَالطَّاعَاتِ، وَلْيَعْلَمْ بِأَنَّ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، وَأَنَّ الْمُبَاحَاتِ إِذَا نَوَى بِهَا التَّقَوِّيَ عَلَى الطَّاعَةِ انْقَلَبَتْ إِلَى عِبَادَاتٍ يُثَابُ عَلَيْهَا.

عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنَ الأُمُورِ التِي يَنْبَغِي مُرَاعَاتُهَا فِي السَّفَرِ الْحَذَرَ مِنَ النِّيَّةِ السَّيِّئَةِ كَنِيَّةِ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ أَوْ مُقَارَفَةِ الذُّنُوبِ وَالآثَامِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَرَبَّصُ بِالإِنْسَانِ، وَيَنْتَظِرُ غَفْلَتَهُ حَتَّى يُوقِعَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَيُخْرِجَهُ عَنِ الْجَادَّةِ.

وَإِنَّنَا أَصْبَحْنَا وَلِلأَسَفِ نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْمُمَارَسَاتِ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الشَّائِنَةِ التِي تَصْدُرُ مِنْ بَعْضِ ضُعَفَاءِ النُّفُوسِ أَثْنَاءَ سَفَرِهِمْ وَكَأَنَّهُمْ بِغِيَابِهْمِ عَنْ أَهْلِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ غَابُوا عَنْ رَبَّهِمْ، وَخَالِقِهِمُ الَّذِي يَرَاهُمْ، وَيُرَاقِبُهُمْ، أَمَا يَعْلَمُ هَؤُلاَءِ أَنَّ اللهَ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِمْ عَالِمٌ بِسَرَائِرِهِمْ، وَخَبَايَا نُفُوسِهِمْ؟! أَلَمْ يَقَرَأُوا قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: )يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (؟! [غافر:19]، أَلَمْ يَسْمَعُوا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) [الحديد:4]؟!.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
يَنْبَغِي لِمَنْ عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ أَنْ يَبْدَأَ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعَاصِي، وَيَخْرُجَ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُعْطِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الدُّيُونِ التِي عَلَيْهِ، وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ، وَلاَ يَنْسَى دُعَاءَ السَّفَرِ الذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجاً إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاَثاً ثُمَّ قَالَ: «سُبْحَانَ الذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعَثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ».

أَيُّهَا الأِخْوَةُ الأَكَارِمُ:
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقاً مُوَافِقاً رَاغِباً فِي الْخَيْرِ وَلْيَحْذَرِ الْوَحْدَةَ فِي السَّفَرِ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ أَنَّ النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنَ الوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

سَافِرْ تَجِدْ عَوِضاً عَمَّنْ تُفَارِقُـهُ وَانْصَبْ؛ فَإِنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ
إِنِّي وَجَدْتُ وُقُوفَ الْمَاءِ يُفْسِدُهُ إِنْ سَالَ طَابَ، وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِـبِ

وَمِنْ أَحْكَامِ السَّفَرِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ التَّكْبِيرُ إِذَا ارْتَفَعَتْ بِهِ الأَرْضُ وَالتَّسْبِيحُ إِذَا انْخَفَضَتْ بِهِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

وَإِذَا خَافَ الْمُسَافِرُ مِنْ قَوْمٍ أَثْنَاءَ سَفَرِهِ دَعَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى t قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَافَ قَوْماً قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ»، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَخْرُجَ مُبَكِّراً؛ لِحَدِيثِ صَخْرِ بْنِ وَدَاعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا، وَكَانَ إِذَا بَعْثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشاً بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ» [رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ]. وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِراً فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ.

وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَخْرُجَ فِي سَفَرِهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ؛ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إِلاَّ فِي يَوْمِ خَمِيسٍ»، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: )لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا( [الأحزاب:21].

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قُوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الذِي جَعَلَ الطَّاعَةَ شِعَارَ الْمُفْلِحِينَ، وَجَعَلَ الْمَعْصِيَةَ عَادَةَ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِينَ وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ وَصَحَابَتِهِ الْبَرَرَةِ الْمُكَرَّمِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى هِيَ سَبِيلُ الْفَرَجِ مِنَ الضِّيقِ؛ قَالَ تَعَالَى: )وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ( [الطلاق:2-3].

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:
وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالسَّفَرِ مِنْ أَحْكَامٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الفِطْرُ فِي رَمَضَانَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: )وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ( [البقرة:185]، وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، وَالْجَمْعُ بِيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَبِيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَا دَامَ مُسَافِراً؛ فَعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ: «أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ تَبُوكَ فَكَانَ رَسُولُ اللهِ r يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، قَالَ فَأَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْماً ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعاً ثُمَّ دَخَلَ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعاً» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ]، وَتَسْقُطُ عَنِ الْمُسَافِرِ السُّنَنُ الرَّوَاتِبُ التِي كَانَ يُصَلِّيهَا مُقِيماً وَهِيَ رَاتِبَةُ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ، أَمَّا رَاتِبَةُ الْفَجْرِ وَالْوِتْرِ فَمَا كَانَ يَدَعُهُمَا رَسُولُ اللهِ r حَضَراً وَلاَ سَفَراً.

عِبَادَ اللهِ:
وَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَدَاءُ النَّوَافِلِ وَمِنْهَا الْوِتْرُ فِي الطَّائِرَةِ أَوِ السَّيَّارَةِ وَهِيَ تَسِيرُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ؛ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].فاستقبال القبلة في تكبيرة الاحرام ثم لا يستمر في صلاته ولو توجهت الطائرة او السيارة الى غير القبلة في النوافل اما الفريضة فلابد من استقبال القبلة من التحريم الى التسليم
إِخْوَةَ الإِسْلاَمِ:
إِنَّ الْمُسَافِرَ سَفِيرٌ لِبَلَدِهِ، وَصُورَةٌ عَنْ مُجْتَمَعِهِ فَلْيَحْذَرْ أَنْ يَكُونَ صُوَرَةً لاَ تَعْكِسُ الْحَقِيقَةَ وَلاَ تَدُلُّ عَلَى الْوَاقِعِ، وَلْيَحْرِصْ أَنْ يُظْهِرَ شَعَائِرَ دِينِهِ، وَمَظَاهِرَ إِسْلاَمِهِ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ عِزَّةً، وَرِفْعَةً وَفِي غَيْرِهَا ذُلُّهُ وَشَقَاؤُهُ، وَلَتْحَذَرِ الْمَرْأَةُ أَنْ تُسَافِرَ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ مَحْرَمٍ يُصَاحِبُهَا حَتَّى لاَ تَقَعَ فِي النَّهْيِ، وَتَرْتَكِبَ الْمَحْظُورَ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ» [رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ].

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيعٌ قَرِيبٌ مُجِيبُ الدَّعَوَاتِ، اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَدَمِّرِ اللَّهُمَّ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنّاً وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقِ اللَّهُمَّ وُلاَةَ أُمُورِنَا لمافيه صلاح الاسلام والمسلمين وَارْزُقْهُمْ صَلاَحَ البِطَانَةِ، وَاصرف عنهم أَهْلِ الْبَغْيِ وَالْخِيَانَةِ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا...............
__________________


التعديل الأخير تم بواسطة المناضل السليماني ; 07-07-2009 الساعة 06:01 AM
المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-07-2009, 06:31 AM
  #5
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هذه الخطبة عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله

إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله عز وجل وطاعته, قال تعالى: ) وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ) [النساء/131].

أيها المسلمون:
منذ أن كرم الله هذه الأمة ببعثة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأفواج الدعاة المصلحين يتعاقبون فيها، علماء مخلصين، ومربين ربانيون، داعين إلى الحق، حاكمين بالقسط، آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر.
وإن العناية بسير الرجال تورث الإحساس بالعزة، وتنبت الشعور بالقوة، وتهدي إلى التمسك بالحق، وتقود إلى السمو في الخلق.

إخوة الإسلام:
إمام من الأئمة، عليه أجمعت الأمة، وذكره يزيد الإيمان والهمة، نشأ في طيبة الطيبّة، ونهل من معينها، فارتفع ذكره، وملأ الأرض علمه، جلس للتدريس في جنبات المسجد النبوي الشريف، حتى إذا قيل: عالم المدينة أو إمام دار الهجرة، لم ينصرف إلا إليه, إنه الإمام مالك رحمه الله تعالى.
قال عنه الإمام الشافعي: "إذا ذكر العلماء فمالك النّجم، ومالك حجّة الله على خلقه بعد التابعين"، وقال عنه الإمام النووي: "أجمعت طوائف العلماء على إمامة مالك وجلالته، وعظيم سيادته، وتبجيله وتوقيره، والإذعان له في الحفظ، والتثبت وتعظيم حديث رسول الله صلوات الله وسلامه عليه".
ولد الإمام مالك بن أنس في مدينة رسول الله ، صلى الله عليه وسلمسنة ثلاث وتسعين للهجرة, في خلافة سليمان بن عبد الملك. نشأ محبا للعلم مغترفا منه، على الرغم من فقره وقلة حاله. أحسنت أمُّه تربيته، ووفقت في تنشأته، أتته يوما وقالت له: "اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه"، وهكذا فلتكن الأمهات، على الهدى والأدب يربّين، ولصلاح الولد يسعيْن، ولقد صبغت هذه الكلمة حياة مالك حقيقة لا قولا، وواقعا لا خيالا، فغدا مدرسة في الأدب ينهل طلابه من هيئته وسمته، وتقتبس الأمة من سيرته، قال مالك لفتى من قريش: "يا ابن أخي تعلم الأدب قبل أن تتعلم العلم".
إن العلم إذا فصل عن الأدب فمهما كان المخزون العلمي والثراء المعرفي، فإنك واجد ضعف شديدا في الأخلاق والسلوك، ولا خير في علم امرئ لم يكسبه أدبا ويُهذبه خلق.
الجفوة بين العلم والأدب تفرز أعرافا مرضيّة، منها:التهجم على العلماء، والتطاول على الفضلاء، وسوء الأخلاق، وشذوذ السلوك، وعقوق الوالدين، والتقليد الأعمى.
قرأ الإمام مالك على شيوخ كثيرين، وقد كانت المدينة وقتها تعج بالعلماء من التابعين، تحتضنهم الجامعة الكبرى، والمدرسة الأولى، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، علماء أطهار الأنفاس، بعلمهم وفضلهم سادوا الناس، تربىّ عليهم الإمام مالك رحمه الله، ونشأ في ربوعهم، مما ساعد على بناء شخصيته، وقوة نفسه، من هؤلاء الكرام: عبد الرحمن بن هرمز، وربيعة بن أبي عبد الرحمن المعروف بربيعة الراي، ونافع مولى ابن عمر, ومحمد بن شهاب الزهري، وهم من كبار الأئمة، وأعلام في هذه الأئمة.

أتباع سيد المرسلين:
جلس الإمام مالك للفتيا، ولم يجلس حتى شهد له سبعون شيخا من أهل العلم أنه موضع لذلك، وفرق بين من يزكي نفسه ويصدرها، ومن يصدره أهل العلم والفضل, يقول الإمام مالك: "وليس كل من أحب أن يجلس في المسجد للحديث والفتيا جلس، حتى يشاور أهل الصلاح والفضل، فإن رأوه أهلا لذلك جلس، وما جلست حتى شهد لي سبعون شيخا من أهل العلم أني موضع لذلك".

إخوة الإيمان:
من الخطإ احتقار أعمال الآخرين، ومن الجهل ظنُّ بعضنا أن ما يقوم به من خير أفضل من غيره، كتب إلى الإمام مالك أحد عبّاد عصره، يحضه على الانفراد والعمل، فكتب إليه مالك: "إن الله قسّم الأعمال كما قسّم الأرزاق، فربّ رجل فتح له في الصلاة، ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، وآخر فتح له في العلم، ونشر العلم من أفضل الأعمال، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".
فبالصدق والاتباع: أفراد الأمة يكمل بعضهم بعضا، لا غنى لأحدهم عن الآخر، قال تعالى: )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ( [التوبة/71]، وفي الحديث الصحيح: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" متفق عليه.
كان الإمام مالك إذا سئل عن مسألة قال للسائل:"انصرف حتى أنظر فيها" فينصرف ويتردد فيها، فقيل له في ذلك فبكى وقال: "إني أخاف أن يكون لي من السائل يوم وأي يوم".
وسأله رجل من أهل المغرب عن مسألة كلفه به أهل تلك البلاد، فكان جواب الإمام مالك: "لا أدري، ما ابتلينا بهذه المسألة في بلدنا، وما سمعنا أحدا من أشياخنا تكلم فيها، ولكن تعود "وفي اليوم التالي عاد الرجل فقال له الإمام مالك: " سألتني وما أدري ما هي" فقال الرجل: يا عبد الله تركت خلفي من يقول: ليس على وجه الأرض أعلم منك، فقال الإمام مالك: "لا أحسن".
وسأله أحدهم عن مسألة، وطلب وقتا للنظر فيها، فقال السائل: هذه مسألة خفيفة، فرد الإمام مالك: "ليس في العلم شيء خفيف" أما سمعت قول الله تعالى: "إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا"، وقال بعضهم: "لكأنما مالك – والله – إذا سئل عن مسألة واقف بين الجنّة والنار".هؤلاء العلماء الذين ملؤوا الدنيا بعلمهم وعملهم، يقول أحدهم أحيانا: "لا أدري"، وإنك لتعجب أشد العجب من أقوام ليس لهم حظ يذكر من العلم الشرعي، ثم يتقحمون حمى الشريعة، فيخوضون تحليلا وتحريما، يوجهون وينظرون، إن على الأمة أن تكل الأمر إلى أهله، ويعطوا القوس باريها، وأن لا يدخلوا فيما لا يحسنون، يقول مالك: "من أحب أن يجيب عن مسألة فليعرض نفسه قبل أن يجيب على الجنّة والنار، وكيف يكون خلاصه في الآخرة، ثم يجيب".
ومع هذا العلم الجم، والورع والزهد، كان إقباله على الله عظيما، وعبادته في السر أكثر منها في العلانية.
يقول ابن المبارك "رأيت مالكا فرأيته من الخاشعين، وإنما رفعه الله بسريرة بينه وبينه، وذلك أني كثيرا ما كنت أسمعه يقول: من أحب أن يفتح له فرجة في قلبه، وينجو من غمرات الموت، وأهوال يوم القيامة, فليكن عمله في السر أكثر منه في العلانية".
ويقول بعض معاصري الإمام مالك: "خرجت ليلة بعد أن هجع الناس هجعة، فمررت بمالك بن أنس، فإذا به قائم يصلي حتى بلغ" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "فبكى بكاء طويلا، وجعل يرددها ويبكي حتى طلع الفجر، فلما تبيّن له ركع، فصرت إلى منزلي فتوضأت ثم أتيت المسجد فإذا به في مجلسه، والناس حوله فلما أصبح نظرت فإذا أنا بوجهه قد علاه نور حسن".
وقال مطرف: "لقد رأيت مالكا وهو جالس في المجلس بعد الصبح يدعو، ووجهه يصفر ويخضر حتى أطال الدعاء"، وقال بن وهب: قيل لأخت مالك: "ما كان يشتغل به مالك في بيته؟ " قالت: "المصحف في بيته".
يقول الإمام الذهبي: "قد اتفقت لمالك مناقب ما علمتها اجتمعت لأحد غيره، أحدها: طول العمر والرواية، ثانيها: الذهن الثاقب والفهم وسعة العلم، ثالثها: اتفاق الأئمة على أنه حجة صحيح الرواية، رابعها: إجماع الأئمة على دينه وعدالته واتباعه للسنن، خامسها: تقدمه في الفقه والفتوى وصحة قواعده".
إذا ما عدّت العلماء يوما فمالك في العلوم هو الضياء
تبوّأ ذروة العلماء قوم فهم كالأرض وهو لهم سماء
بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني بهدي سيد الثقلين, أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية
الحمد لله الذي رفع قدر العلماء, واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمرنا بالاقتداء بالفضلاء, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله سيد المرسلين والأنبياء, اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار النجباء.

أما بعد:
فاتقوا الله أيها الناس، واقتدوا بالعلماء المصلحين، المتبعين لنهج سيد المرسلين، فهم أعلم الناس بشرع الله تعالى، وأشدهم خشية له، قال تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) [فاطر/28].

معاشر المسلمين:
وبعد حياة حافلة بالعلم والهدى، والخشية والتقى، مرض الإمام مالك اثنين وعشرين يوما، ثم جاءته منيته، قال بكر بن سليم الصراف: دخلنا على مالك في العشية التي قبض فيها فقلنا: يا أبا عبد الله, كيف تجدك ؟ قال: "ما أدري ما أقول لكم، ألا إنكم ستعاينون غدا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب" قال: ما برحنا حتى أغمضناه، كان ذلك سنة تسع وسبعين ومائة لعشر خلون من ربيع الأول.
مات هذا الإمام الجليل، وقد خلّف للأمة مذهبا فقهيا، وتراثا علميا، ويكفيه من الشرف أن جمع للناس سنّة النبي صلى الله عليه وسلم في موطئه، وأن قدّم للأمة تلاميذ نجباء، حملوا الراية من بعده، كالإمام الشافعي وأسد بن الفرات وعبد الله بن وهب.
رحم الله الإمام مالك رحمة واسعة، وأسكنه فسيح الجنات، جزاء ما علّم وألف ونصح.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, والمسلمين والمسلمات, الأحياء منهم والأموات, إنك سميع قريب مجيب الدعوات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين, وأذل الشرك والمشركين, ودمر اللهم أعداءك أعداء الدين, واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-07-2009, 10:48 AM
  #6
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت


الخطبة الأولى
إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:
فأوصيكم ونفسي أولا بتقوى الله عز وجل وطاعته, قال تعالى: ( وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيّاً حَمِيداً ) [النساء/131].
أيها المؤمنون، إنّ الله تعالى أوجب على عباده تكاليف الدين، وحثهم على لزومها والاستقامة عليها، وحرَّم عليهم المحرمات، ونهاهم عن اقتراف السيئات، وحذرهم من السقوط فيها، وإن الله العليم الحليم الرحيم علِم بضعف الإنسان وتقصيره وخطئه وتحكُّم هواه وشيطانه فيه، فشرع له الاستغفار محوا لما يقع فيه من ذنوب وأوزار، وتطهيرا لما يدنس روحه من أكدار، وردََّا لما يمكن أن يلحقه بسبب ذلك من مصائب وعقوبات وأضرار، فرغّب الله سبحانه عباده في الاستغفار ليتخلّصوا من ذنوبهم، ويسلَموا من تبعاتها في الدنيا والآخرة، وحتى لا يهْلكوا بسببها رحمة منه وامتنانًا وتفضلاً وإنعامًا وإحسانًا، فقال جل شأنه: وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المزمل:20]، وقال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الحجر:49]. وشوَّق إلى واسع رحمته وحذَّر من القنوط منها فقال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].

والله عز وجل أرسل رُسله جميعا إلى أقوامهم ليذكِّروهم برحمة ربهم وغفرانه، فأمروهم بالتوبة والوقوف بباب الاستغفار بين يدي ربهم متضرعين سائلين باكين، وشوقوهم في عفوه وحلمه، وأخبروهم بأن رحمته سبقت غضبه، وأن حلمه سبق انتقامه، وأنه جل وتعالى يغفر الذنوب ولا يبالي، ولو بلغت مكان السُّحب العوالي، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: ((يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي. يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عَنَان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)) رواه الترمذي عن أنس وقال: "حسن غريب". الله الله، ما أوسع رحمة الله، وما أشمل وأكمل وأجمل غفران الله.

ومن دلائل رحمة الله بالمذنب وإحسانه إليه ما نطق به فم رسول الله عندما قال: ((ما من مسلم يعمل ذنبا إلا وقف الملك ثلاث ساعات، فإن استغفر من ذنبه لم يكتبه عليه ولم يعذبه به الله يوم القيامة)) رواه الحاكم عن أم عصمة العوصية وقال: "صحيح الإسناد".

فما هذا الاستغفار الذي رغبنا المولى عز وتعالى فيه؟ وكيف يكون؟

أيها المؤمنون، الاستغفار هو طلب المغفرة والصفح، وهو دليل حساسية القلب وانتفاض شعوره بالإثم ورغبته في التوبة والإقالة من الذنب وعدم المؤاخذة عليه لنيل الرحمة الربانية في الدنيا والآخرة.

أما كيف يكون فلقد بين ذلك لنا أمير المؤمنين علي حينما قال رجل بحضرته: أستغفر الله، فقال له : ثكلتك أمك! ألا تدري ما الاستغفار؟ إن الاستغفار اسم واقع على خمسة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العودة إليه أبدا، والثالث أن تؤدّي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله وليس عليك تبعة، والرابع أن تعمِد إلى اللحم الذي نبت من السحت فتذيبه بالأحزان حتى تُلصِق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، والخامس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله.

والاستغفار ينبغي أن يكون بتذلل وتضرع وانكسار وخضوع وافتقار، وبعيون دامعة وقلوب خاشعة ونفوس إلى رحمة ربها وصفحه وفضله طامعة, وينبغي أن يكون معه حرارة الابتهال والصدق في السؤال والتضرع في الحال والشعور بالفقر إلى المغفرة في الاستقبال. ويستحب أن يكون متواصلا بالليل والنهار، وبالأخص في الأسحار، حينما ينزل الله جل جلاله بعظمته وعزته ورحمته إلى السماء الدنيا، وينادي عباده بنداء لطيف لنيل مصالحهم وغفران زلاتهم وقضاء حاجاتهم، يقول الرسول : ((ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخرُ، فيقول: من يدعوني فأستجيبَ له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفرَ له)) أخرجه البخاري عن أبي هريرة. وعلى المؤمن أن يستغفر بالصيغ الواردة في القرآن والمأثورة عن خير الأنبياء؛ فهي أنصح بيانًا وأرجح ميزانًا وأجمع للمعاني وأروع في المباني وأعظم تأثيرًا في القلوب. على أن في الاستغفار والدعاء بالمأثور أجرين: أجر الدعاء والاستغفار، وأجر الاتباع والاقتداء. ولا حرج عليه فيما يلهمه الله ويفتح له من صيغ وابتهالات، وعليه بسيد الاستغفار كما قال النبي الكريم : ((سيد الاستغفار: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)) رواه البخاري عن شداد بن أوس.

والله تبارك وتعالى رغب عباده في الاستغفار لما له من فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، وأول هذه المنافع أن المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار، ويردد اسمه تعالى ويلهج به، ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض, ويحقق ـ أي: الاستغفار ـ للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء، فإذا كان الدعاء مخّ العبادة فالاستغفار جوهرها, وهو دعاء واستمداد، وهو استجابة لله وتنفيذ لأمره وذكر له وصلح معه وتقرب إليه وخضوع تام له واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.

أيها المؤمنون، بالاستغفار يُقال المذنب من ذنبه ويسلَم من المؤاخذة عليه، قال الرسول المُوجّه الكريم : ((من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحيَّ القيوم وأتوب إليه غُفر له وإن كان فر من الزحف)) رواه أبو داود والترمذي.

وبه تمحى السيئات وتبدّل إلى حسنات، وتنزل الرحمات، وتُدفع الآفات، وتفتح أبواب السموات، وبه تفرَّج الكروب، وتتطهر القلوب، وترتبط بعلام الغيوب، وتُكشف الهموم، وتزول الغموم, وتحصل البركة في المال، وتُحقَّق الآمال، قال الرسول عليه صلوات الله وتسليماته: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كلّ هم فرجا، ومن كل ضِيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)) أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم عن ابن عباس. وبه تكثر الأرزاق وتزداد النعم حتى لا يدري المستغفر مصدرها، ولا الوجهة التي أتت منها.

ولقد أمر الله هذه الأمة بالاستغفار والتوبة, ووعدهم بأن يمتِّعهم متاعًا حسنًا من إغداق في النعم والطيبات وسَعة في العيش وتمتع بالأموال وصلاح في البنين والأهل إن سمعوا وأطاعوا, وتوعدهم بعذاب كبير في الدنيا والآخرة إن خالفوا وعصوا، فقال الله جل شأنه: أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ [هود:2، 3].

ومن فوائده أنه يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به, ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان، كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، يقول الرسول : ((أنزل الله عليَّ أمانين لأمتي: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال:33], فإذا مضَيْت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة)) رواه الترمذي عن أبي موسى عن أبيه.

الاستغفار دواء وعلاج، وملاذ المضطر وباب الفوز برضا الله، وأساس الوقاية من غضبه، وهو سبب فرح العبد وحبوره يوم لقاء الله، يوم يجد صحيفته مملوءة بالاستغفار، يقول الرسول الكريم : ((من أحب أن تَسُره صحيفتُه فليكثر فيها من الاستغفار)) أخرجه البيهقي بإسناد حسن عن الزبير. فالمكثر من الاستغفار يُبعث طاهرًا نقيًا فرحًا مسرورًا لا ذنب يؤاخذ عليه، ويزداد فرحًا وحبورًا عندما يقبض صحيفته بيمينه ويجدها ممتلئة بالاستغفار.

عباد الله، ومن فوائد الاستغفار المهمة والتي نحتاج إليها أشد الاحتياج في هذه الأيام بالذات نعمة هطول المطر ونزول الماء قطرات وهبوط الغيث النافع، يقول الله تعالى على لسان سيدنا نوح لمَّا أجدب قومه: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]، وقال سيدنا هود لقومه: وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ [هود:52]، وقال سيدنا صالح لقومه: لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [النمل:46]. ولقد أمر الله رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام بالاستغفار فاستغفر وأكثر، وأمر أمته به، ووقف على أبواب القرب من مولاه وبكى وشكا إلى الله.

الله أكبر، إنها وصايا نبوية غالية اتفقت في مجموعها على الاستغفار لما له من أثر في حصول المنافع ودفع الآفات والفواجع، ولما له من أسباب في حصول البركات وحلول الهبات وكشف الكربات.

إن نبي الله نوحا عليه السلام أمر قومه بالاستغفار ليحرك عواطفهم، وليهز مشاعرهم، وليجدد الإيمان في قلوبهم، وليُظهر لهم أن ما أصابهم من انحباس الأمطار وضيق الأرزاق وحرمان الذرية وفقد سبل العيش الكريم مردُّه أولا إلى جفاف القلوب من الإيمان وخلو الأفئدة من الخوف والتفكر والاعتبار؛ لأن جفاف القلوب والعقول أضر من جفاف الحقول، بل هو سبب كل ذلك.

أيها المسلمون الكرام، لقد اتفقت كل وصايا الأنبياء على الاستغفار؛ لأنهم عليهم السلام بدؤوا إصلاح أوضاع أممهم من القلوب، ولأنهم أرادوا أن يزرعوا الربانية في أفئدة أقوامهم، فتعطيهم قوة داخلية معنوية روحية تزرع الإيمان فيهم، فتُحرك جوارحهم بالعمل الصالح، فتتحول هذه القوة المعنوية إلى قوة مادية محسوسة.

روي أن عمر بن الخطاب استسقى يوما فلم يزد على الاستغفار، فقالوا له: ما رأيناك زدت على الاستغفار! فقال: طلبت الغيث بمفاتيح السماء، ثم قرأ قول الله تعالى: وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى [هود:3]. فعمر الملهم نطق بعين الصواب، وطلب الغيث بأعظم الأسباب، لأنه ربما رأى القلوب قد غطتها الذنوب وغلفتها، فلم يرى بُدا من المصالحة مع الله لكي تصبح القلوب وثيقة الصلة بخالقها ومربوطة به حتى يقبل منها الدعاء.

وحدث مرة أن أحد الفلاحين الصالحين لم يجد سبيلا لري أرضه التي جف ماؤها، حتى كاد الزرع يصبح هشيما، وجلس في وسطها وقال: اللهم إنك قلت وقولك الحق: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا [نوح:10، 11]، وها أنا ذا ـ يا رب ـ أستغفرك راجيا أن تُفيض علينا من رحمتك، ثم طفق في الاستغفار في همة وثقة بوعد الله، فلم تمض إلا ساعات حتى تلبدت السماء بالغيوم ونزل المطر فياضا مدرارا.

أيها المؤمنون، جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له: إن السماء لم تمطر، فقال له الحسن: استغفر الله، ثم جاءه آخر فقال: أشكو الفقر، فقال له: استغفِر الله، ثم جاءه ثالث فقال: امرأتي عاقر لا تلد، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: أجدبت الأرض فلم تنبت، فقال له: استغفر الله، ثم جاءه بعد ذلك من قال له: جفَّ الماء من الأرض، فقال: استغفر الله، فقال الحاضرون للحسن: عجبنا لك، أوَكلما جاءك شاكٍ قلت له: استغفر الله؟! فقال لهم: أوَما قرأتم قول الله من سورة نوح: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا [نوح:10-12]؟!

الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
أما بعد: أيها المسلمون، إن الاستغفار سنة الأنبياء والمرسلين، وطريق ووسيلة الأولياء والصالحين، يلجؤون إليه في كل وقت وحين، في السراء والضراء، به يتضرعون وبه يتقربون، وبه يرتقون في مدارج القرب عند الله، به ينوِّرون قلوبهم وينيرون قبورهم، وبه يصححون سيرهم إلى الله، وبه يُنصرون ويُمطرون ويرزقون ويغاثون ويرحمون، فأبونا آدم وأمنا حواء عليما السلام لما أذنبا وعاتبهما ربهما أحسَّا بخطئهما التجآ إلى ربهما متضرعين مستغفرين نادمين مسترحمين، فكان مما قالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]. وقال سيدنا نوح عليه السلام: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [نوح:28]، وقال: وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ [هود:47]. وقال موسى عليه السلام لما قتل رجلا من الأقباط: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [القصص:16]. وقال شعيب لقومه: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود:90]. وقال سيدنا صالح لقومه بعد أن أمرهم بعبادة الله: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ [هود:61]. وحكى الله عن سيدنا داود لما تسَرَّع في الحكم بين الخصمين ولم يتريث في ذلك، فأحس بخطئه: فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ [ص:24]. وهذا ابنه سليمان قال: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [ص:35]. وهذا إبراهيم عليه السلام كان يستغفر لنفسه ولأبيه رغم ضلاله، وبقي كذلك حتى تيقن أنه عدو الله فتبرأ منه، وكان يستغفر لكل مؤمن سابق ولاحق، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ [إبراهيم:41]. وهذا خيرتهم وخاتمهم محمد قال له ربه: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وقال له: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]. وروى الإمام أحمد أن ابن عمر قال: إنا كنا لنعُدُّ لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة يقول: ((رب اغفر وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)). كان رسول الله وهو المعصوم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يستغفر الله، وعلى قدر منزلته عند الله يستغفر ويكثر، وهو الذي قال: ((والله، إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)) رواه البخاري.

فحاجة الإنسان إلى الاستغفار حاجة أساسية ضرورية قبل كل شيء؛ لأن الإنسان يلازمه التقصير في كل طاعة، ويصدر منه الخطأ كل ساعة، يقول الرسول الكريم في الحديث القدسي: ((يا عبادي، إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم)) رواه مسلم عن أبي ذر. وحاجتنا نحن اليوم للتوبة والاستغفار أكثر من أي وقت مضى؛ لأن وقتنا هذا امتلأ بالمغريات والذنوب، وكثرت أسباب المعاصي في البيت والشارع والعمل، وقست بسبب ذلك القلوب وعلاها الران، وانطمست البصائر والأبصار، فأصبح لزاما على المؤمنين لزوم هذه العبادة العظيمة وتجديدها حينا بعد حين، واللوذ بهذا الركن الركين، اقتداء بالرسل الكرام صفوةِ خلق الله، وبرسولنا الأواه وأصحابه والتابعين الذين وصفهم الله بقوله: إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:16-18]. وقال : ((طوبى لمن وُجد في صحيفته استغفار كثير)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن بسر.

ومن فرط فيه جنى الحسرات وتوالت عليه الهموم والنكبات، وعاش وعنده النقص في الأرزاق، وغُبن أمام الناس يوم التلاق.

اللهم اجعلنا من المستغفرين المكثرين بالليل والنهار، واقبل اللهم استغفارنا واحشرنا مع أهلك الذاكرين، أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين...


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 16-07-2009, 02:11 PM
  #7
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

هاتان خطيتان ولكنهمما منقولتان عن وفاة سماحة الشيخ ابن جبرين جزى الله الكاتب خير الجزاء
------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الخطبة الأولى


أما بعد: فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجلّ، فإنها أمانٌ عند البلايا، وذُخْرٌ عند الرزايا، وعصمة من الدنايا، فاتقوا الله رحمكم الله، ولا تغرّنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنّكم بالله الغَرُور، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر: 18].
أيها المسلمون، حفظ الدين أعظم مقاصد هذه الشريعة الغراء، وإن من أعظم أسباب حفظ الدين حفظه بالرجال المخلصين والعلماء العاملين، فوجودهم في الأمة حفظ لدينها، وصون لعزتها وكرامتها، وذود عن حياضها، فإنهم الحصن الحصين والسياج المتين الذي يحول بين هذا الدين وأعدائه المتربصين.
وإن لله سبحانه وتعالى الحكمة البالغة والقدرة النافذة في كونه وخلقه، وإن مما كتبه الله جلَّ وعلا على خلقه الموت والفناء، يقول سبحانه: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن: 26، 27]، ويقول عز وجل: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء: 34]، ويقول: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت: 57]، ويقول جلَّ وعلا: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ [الزمر: 30، 31].
وإن أعظم أنواع الفقد على النفوس وقعًا وأشده على الأمة لوعة وأثرًا فقد العلماء الربانين والأئمة المصلحين؛ ذلكم ـ يا عباد الله ـ لأن للعلماء مكانة عظمى ومنزلة كبرى، فهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل والأمناء على ميراث النبوة، هم للناس شموسٌ ساطعة وكواكب لامعة، وللأمة مصابيح دجاها وأنوار هداها، بهم حفظ الدين وبه حفظوا، وبهم رفعت منارات الملة وبها رُفِعُوا، يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]. يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون به أهل العمى، ويهدون به من ضل إلى الهدى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍ تائه قد هدوه، وما عزت الأمم وبلغت سامق القمم وأشيدت صروح الحضارات وقامت الأمجاد وتحققت الانتصارات بعد الله إلا بهم، فهم أهل خشية الله، إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر: 28]، وهم مادة حياة القلوب، وغذاء الأرواح، وقوت الضمائر، وزاد القرائح، ومهما صيغت النعوت والمدائح في فضائلهم فلن توفيهم حقهم.
العالم للأمة بدرها الساري، وسلسالها الجاري، لا سيما أئمة الدين وعلماء الشريعة؛ ولذلك كان فقدهم من أعظم الرزايا، والبلية بموتهم من أعظم البلايا، وأنَّى للمدلجين في دياجير الظلمات أن يهتدوا إذا انطمست النجوم المضيئة. صح عند أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة)). يقول الإمام أبو بكر الآجري رحمه الله: "فما ظنكم بطريقٍ فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت فئامٌ من الناس لا بُدَّ لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ أطفئت المصابيح فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟! فهكذا العلماء في الناس".
وحسبكم ـ يا عباد الله ـ في بيان فداحة هذا الخطب وعظيم مقدار هذه النازلة قول المصطفى في الحديث الذي أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا)).
ويُوضح ذلك ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((تظهر الفتن، ويكثر الهرج، ويقبض العلم))، فسمعه عمر فأثره عن النبي فقال: (إن قبض العلم ليس شيئًا يُنتزع من صدور الرجال، ولكنه فناء العلماء). ولقد أخبر حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد: 41] قال: (بموت علمائها وفقهائها)، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضه ذهاب أهله)، وقال الحسن رحمه الله: "موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار"، وقيل لسعيد بن جبير رحمه الله: ما علامة الساعة وهلاك الناس؟ قال: "إذا ذهب علماؤهم"، ولما مات زيد بن ثابت رضي الله عنه قال ابن عباس رضي الله عنهما: "من سرَّه أن ينظر كيف ذهاب العلم فهكذا ذهابه "، وقال رضي الله عنه: "لا يزال عالم يموت وأثر للحق يدرس حتى يكثر أهل الجهل، ويذهب أهل العلم، فيعمل الناس بالجهل، ويدينون بغير الحق، ويضلون عن سواء السبيل"، وفي الأثر عن علي رضي الله عنه قال: (إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا خلف منه)،. وقال رجل لابن سيرين رحمه الله: إني رأيت الليلة أن طائرًا نزل من السماء على ياسمينة، فنتف منها، ثم طار حتى دخل السماء، فقال ابن سيرين رحمه الله: "هذا قبض العلماء"، فلم تمض تلك السنة حتى مات الحسن وابن سيرين ومكحول وستة من العلماء بالآفاق.
وقد كان السلف رحمهم الله يأسون أشد الأسى لفقد واحدٍ منهم، يقول أيوب رحمه الله: "إني أخبر بموت الرجل من أهل السنة فكأني أفقد بعض أعضائي"، وقال أيوب: "إن الذين يتمنون موت أهل السنة يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" أخرجه اللالكائي.
وقد رأينا شيئًا مما ذكر في واقعنا المعاصر في هذه الآونة الأخيرة بفقد كوكبة من علمائها وفضلائها، ووفاة نخبة من فقهائها ونبلائها، حتى رُزئت بفقد آخر في انفراطٍ لعقد متلألئ وضاء، وتناثر لحباته المتناسقة، وبموت هؤلاء الجهابذة تُطوى صفحات لامعة وسجلات ناصعة من خصال الخير المتكاثرة. إنهم نماذج شامخة وأطواد راسخة في العلم والتقوى، وأعلام بارزة في السنة والفقه والفتوى، فضائلهم لا تُجارى، ومناقبهم لا تُبارى، ثلمتهم لا تسد، والمصيبة بفقدهم لا تُحدّ، والفجيعة بموتهم نازلة لا تنسى، وفاجعة لا تمحى، والخطب بفقدهم جلل، والخسارة فادحة، ومهما كانت الألفاظ مكلومة والجمل مهمومة والأحرف ولهى والعبارات ثكلى فلن تستطيع التعبير ولا دقة التصوير، فليست الرزية على الأمة بفقد مال أو بموت شاة أو بعير، كلاّ ثم كلاّ، ولكن الرزية أن يفقد عالم يموت بموته جمعٌ غفير وبشر كثير، فموت العالم ليس موت شخص واحد، ولكنه بنيان قوم يتهدم، وحضارة أمة تتهاوى.
فجبر الله مصاب المسلمين في علمائهم، وجعل في الخلف منهم عوضًا عن السلف، والخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، والله وحده هو المسؤول أن يلهمنا رشدنا، وأن يغفر لمن مات من علمائنا، وأن يرفع في عليين منازلهم، وأن يحسن في الدارين مثوبتهم، ويجزل لهم أجرهم، ويحفظ أثرهم وآثارهم، ويرفع درجاتهم في المهديين، وأن يخلف على الأمة الإسلامية خيرًا، وأن يوفق الأحياء لبيان الحق والدعوة إليه، وأن يرزقهم التسديد والتأييد، ويكتب لهم القبول ودوام النفع، ويحفظها من شرور الغير وهول الفواجع، فلله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، والحمد لله على قضائه وقدره، وهو وحده المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ .
أيها المسلمون، إن موت العلماء رزية عظيمة ومصيبة جسيمة.
فحسبـك مثلهم يبكـى عليهـم وباقي النـاس تخفيـف ورحمة
إذا ما مـات ذو علم وفضل فقد ثلمـت مـن الإسلام ثلمـة
أيها الإخوة المؤمنون، لقد نزل بالأمة خطب جلل وأمر عظيم، لقد فجع المسلمون بنبأ وفاة فقيد الأمة والعالم أجمع، سماحة الشيخ العلامة الفهامة الحبر البحر عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين، الذي وافاه الأجل المحتوم والقدر المحكوم ظهيرة الاثنين الموافق للعشرين من شهر رجب لعام ألف وأربعمائة وثلاثين للهجرة بعد معاناة طويلة مع المرض، لتصعد روحه الطاهرة الزكية إلى خالقها وبارئها وصانعها وموجدها، فموته أبكى الكثير من الناس، وغشيتهم الدهشة والذهول، وتسربلوا بثوب الحزن والأسى؛ لفقد عالم جليل فقيه، عابد مجاهد صابر زاهد ورع، اجتمعت القلوب على حبه، وحمل على عاتقه لواء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، لقد قضى الله قضاءه بالحق، فألحق بالرفيق الأعلى، يرحمه الله، وجاد على قبره بمزون المغفرة، ولا نقول إلا ما يقوله الصابرون المحتسبون: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . ولولا أنه أمرٌ حق ووعدُ صدق وأن آخرنا لاحقٌ بأولنا لحزِنَّا على شيخنا حزنًا غيرَ هذا، ولكن يحزن القلب وتدمع العين ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراق شيخنا لمحزنون.
وإن الحُزْن على موت شيخ الأمة وأحد علمائها عالمها ابن جبرين لا يمكن وصفه، لكن عزاءنا في دعوات صادقة نتوجه بها إلى الرب سبحانه وتعالى بأن يرحم الشيخ وأن يبارك في عقبه، وأن يسكنه فسيح جناته، وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خيرا، وأن يغفر له ويجمعنا به في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأعظم الله أجركم به، وأحسن عزاءكم، وجبر الله مصيبتكم، وجعلنا وإياكم من الصابرين، وألهمنا وأهله وأبناءه وخاصته وطلابه الصبر على هذه المصيبة، قائلين مرددين: اللهم آجِرْنا في مصيبتنا، واخلفنا خيرًا منها، و إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب.
أيها المسلمون، لقد رحل الشيخ ابن جبرين عن هذه الدنيا بعدما ملأها علما، وبعد حياة حافلة بالعلم والعمل والدعوة والاحتساب، وبعد أن عمر مساجد المملكة بدروسه العظيمة ومحاضراته القيمة، وبعد أن قُرِئت عليه المتون المتعددة والفنون المتنوعة، فشرحها شرح العالم البصير والمطلع الخبير، فأمتع النفوس، وشرح الصدور، وملأ القلوب والعقول بفوائده النفيسة ودرره الشيقة وتعليقاته الفذة؛ حيث تتلمذ على يديه وتخرج من دروسه علماء وفقهاء وطلاب علم من شتى إنحاء العالم. وكان يرحمه الله تعالى يُقدم (16) درسًا في الأسبوع، يشرحُ فيها (42) كتابًا، واستمر أحد دروسهِ (28) عامًا، فلله ما أعظمها من حياةٍ بذلت واحتسبت.
فالشيخ يرحمه الله عَلَمٌ فذ، وفقيهٌ فحل، وداعية نَيِّر، وصاحب قلب طهور ونفس راضية وعلم غزير وإيمان وتقوى، نحسبه كذلك والله حسيبه، ونُحِبُّه في الله، فمن رأى الشيخ أو عرفه أحبَّهُ، وأحبّ تواضُعَه وتقواه وزهده وإعراضه عن الدنيا ونُكْرَانه لذاته، والشيخ ابن جبرين من أشهر المفتين في العصر الحديث، وهو عضو إفتاء سابق بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، وكان يجيب على أسئلة المواطنين عبر وسائل الإعلام المختلفة.
وللشيخ ما يزيد على ستين مؤلفا، من أهمها في مجال الفتوى: "فتاوى الزكاة"، و"فتاوى رمضانية"، و"فتاوى في التوحيد"، و"فتاوى في الطهارة"، و"الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية التربوية"، و"الفتاوى الجبرينية"، و"الفتاوى النسائية".
وكان يرحمه الله شجًى في حلوق أهل البدع والخرافات، وسيفًا مسلطًا على رؤوس الزنادقة والملاحدة، فكثرت شكاياتهم، وضجت منتدياتهم، فكادوا المكائد، وحاكوا المؤامرات في محاولة لثني الشيخ عن منهجه القويم وصراطه المستقيم، فما وجدوا إلا خيبة وخزيا، وحفظ الله الشيخ حتى استوفى أجله، من دون أن يبدل أو يغير أو ينتكس على عقبيه.
وكان الشيخ يرحمه الله أحد أبرز العلماء الذين دعوا إلى نصرة غزة، وانتقد مَن تخاذل عنها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وكانت آخر مواقفه إصداره بيانا مع (54) عالما سعوديا آخرين في اختتام مؤتمر الفتوى وضوابطها، تضمن تحريم أي مبادرة سلام تقول بحق اليهود في أرض فلسطين، أو تنص على تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
عباد الله، إن محبة العلماء عبادة؛ لما يحملونه من كلام الله تعالى وكلام نبيه، وقد قال النبي : ((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)) حديث حسن رواه أبو داود. وللعلماء في الدين منزلة لا تخفى، فهم الذين رفعهم الله فقال: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة: 11]. فقد تمكنت محبة الشيخ في قلوب الجميع، وهذه منحة إلهية تذكرنا بالحديث المتفق على صحته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال : ‏‏((‏إذا أحب الله العبد نادى جبريل‏: إن الله تعالى يحب فلانًا فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي في أهل السماء‏: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض‏))، ‏فمحبة الناس لا تشترى بالمال، ولا بالتزين الأجوف الذي لا ينطلق من مبادئ راسخة وقيم ثابتة.
ألا وإن مما يحمد لمجتمعنا المسلم حَبه للعلماء الراسخين والدعاة الصادقين، والصدور عن فتياهم، والأخذ بأقوالهم الموافقة للكتاب والسنة، فما تنزل بالمسلمين نازلة إلا ويسارع الكثيرون إلى سؤال العلماء والاستنارة برأيهم. أما إن حل بأحد العلماء أجله المقدر وانطوت صحيفته وانتقل عن هذه الدنيا فإن الجموع تحزن والعيون تدمع، وكأنها فقدت أبًا أو أمًا أو قريبًا لصيقًا، ومما يؤكد هذا ما لمسه الجميع من الحزن الذي حل بهذه الأمة بفقد العلماء يرحمهم الله، وكأن الناس ولا يزالون يبكون العلماء الربانيين، ومازال الألم بفقد مشايخنا موجعًا وقد أفضوا إلى ربهم، وهو سبحانه أعلم بعباده وما قدموه في سبيل دينه، ورحمة الله واسعة، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ ؛ ولذا كان فقد العالم مصيبة في المجتمع وخسارة عظيمة للأمة التي تعرف قيمتهم وتدرك أهميتهم وتعلم ما يترتب على فقدهم، قال الحسن: "موت العالم ثلمه في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار".
وحق للأمة أن تحزن لفقدهم؛ لأن بذلك فتحًا لثلمة في جدار الإسلام والمسلمين وضرًا للديار ونقصًا في الأرض، قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد: 41]، قال ابن عباس في رواية: (خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها).
فيا عباد الله، إن الحاجة الآن ماسة إلى أخذ العبرة من سيرة العلماء والبحث في سر هذا الحب الذي ملأ القلوب وعطر الأفواه، مما تكنه جموع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف طبقاتها وتباعد أقطارها لعلماء الدين والملة، فما إن يُتوفى أحد العلماء أو الصالحين إلا وتجد الناس يتراكضون لحضور جنازته والدعاء له. وإن ما يجعل العاقل يتعجب أشد العجب كثرة المصلين وشهود الجنازة، وإن المسلم حينما يحضر جنازة أحد العلماء أو الصالحين ويشاهد هذه الجموع الغفيرة ليتذكر المقولة الخالدة لإمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل حينما قال قولته المشهورة ردا على أهل البدع فقال: "بيننا وبينهم الجنائز"، وهذا والله لا يكون إلا ببركة الأعمال التي لا يطلع عليها إلا علاّم الغيوب، قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر: 9].
أيها الإخوة المؤمنون، ولئن كان الموت غيّب جسد الشيخ عبد الله بن جبرين فإن ذكره لا يغيب، ومن يتابع صفحات المواقع الإلكترونية ويلحظ أعداد المترحمين والمودعين للشيخ في كل موقع ـ شرعي أو إخباري أو ما سوى ذلك ـ يدرك كم يبقى الذكر الحسن في العالمين، وما أحرانا أن نتعظ ونعتبر، وأن يعرف كل واحد منا دوره ومسؤوليته نحو دين الله تعالى. أما الشيخ فقد أفضى إلى ربه، ولا ينفعه منا الآن إلا الدعاء له، وما خلفه من الولد الصالح والصدقة الجارية.
يا رب فاجمعنـا معـا ونبينا في جنـة تثني عيـون الحسَّـد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، اللهم أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.

الخطبة الثانية
الحمد لله العظيم في قدره، العزيز في قهره، العليم بحال العبد في سِرِّه وجهرِهِ، أحمدُهُ على القدر خيره وشره، وأشكره على القضاء حلوه ومُرِّه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الآيات الباهرة، وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فضمن له نصره، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم وترسم خطاهم، فلم يتجاوزوا نهيه واتبعوا أمره.
أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى ومراقبته في الظاهر والباطن، واعلموا أن ملك الموت قد تخطاكم إلى غيركم وسيتخطى غيركم إليكم، فخذوا حذركم.
أيها المسلمون، وإن مما يعزي نفوس أهل الإسلام في فقد علمائهم والأسى على فراقهم أن الله سبحانه بفضله ورحمته قد حفظ على هذه الأمة دينها، وحفظ لها كتابها، فالفضل الإلهي والفيض الرباني ليس مقصورًا على بعض العباد دون بعض، ولا محصورًا في زمن دون زمن، فلا يخلو زمن وعصر من علماء يقيمهم في كل فترة من الزمن أئمة عدولاً من كل خلف، أمناء مخلصين، علماء مصلحين، بصراء ناصحين، ينفون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، يدعون إلى الهدى، ويذبون عن الحمى، ويصبرون على الأذى. فيجب أن لا نفقد الأمل بالله عز وجل، فالذي أخرج لنا العالم الفلاني سيخرج لنا مثله أو أفضل منه، وما ذلك على الله بعزيز، توفي الإمام أحمد فقيّض الله لهذه الأمة شيخ الإسلام، وتوفي شيخ الإسلام فقيّض الله للأمة أمثال ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب، توفي الشيخ محمد بن إبراهيم فقيض الله الشيخ عبد الله بن حميد، وتوفي ابن حميد فقيض الله ابن باز وابن عثيمين وفلان وفلان، فنسأل الله أن يتغمَّد أئمَّتنا العلماء برحمته، وأن يُلحقهم بالرفيق الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن لا يَفتننا بعدهم، ولا يَحرمنا أجرهم.
فهذه الأمة أمة ولود، والخير باق فيها إلى يوم القيامة، أمة الغيث لا يُدرى خيره أوله أم آخره، ولن نكون نحن أغير على الدين والملة من الله عز وجل، فهذا دينه، وهذه شريعته، فليس حفظ دين الله مقصورًا على حفظه في بطون الصحف والكتب، ولكنه بإيجاد من يبين للناس في كل وقت وعند كل حاجة، فالله سبحانه له المنة والفضل، يتفضل على الخلف كما تفضل على السلف.
وعزاؤنا في الطلاب الذين تركهم والعلماء الذين خرجهم هذا الشيخ الفاضل، وهذه الكتب والرسائل التي سطرت علمه، فهو وإن رحل فإن علمه باقٍ وموجود فينا، ونحن مسؤولون عن نشره وتبليغه، ومن حق الشيخ علينا أن نقوم بعد وفاته بنشر علمه وفضله ومناقبه.
فأقبلوا ـ أيها المؤمنون ـ على العلوم النافعة، خذوا العلم عن الأكابر، واجتهدوا في ضبطه وحفظه، ووفروا أوقاتكم عليه، واصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون. وقبل ذلك وبعده اجعلوا من علمكم دافعا لكم إلى العمل بهذا العلم والإخلاص فيه لله تعالى.
اللهم تغمد شيخنا عندك برحمتك يا أرحم الراحمين، وارفع منزلته في أعلى عليين، واخلف في عقبه في الغابرين، واخلف على الإسلام وأهله بخير يا رب العالمين. اللهم إنه صبر على البلاء والمرض فلم يجزع فامنحه درجة الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب، اللهم اجبر مصابنا، اللهم اجبر كسرنا، وصبرنا على مصابنا، اللهم اجعلنا عاملين بكتابك وسنة نبيك ، واجعلنا رجاعين لأهل العلم، واجعلنا من أهل العلم، واجعلنا أوفياء لأهل العلم، واجعلنا من الذين ينشرون العلم يا رب العالمين. اللهم إنا نسألك أن تعلي للشيخ درجته في الجنة، وأن تلحقه بمنازل الأبرار والشهداء والأنبياء، وأن تجعله ممن يلتقي بهم يا رب العالمين، واجمعنا وإياه في دار كرامتك ومستقر رحمتك إنك على كل شيء قدير...
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 11 ( الأعضاء 0 والزوار 11)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 05:12 AM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود