ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب


مجلس الإسلام والحياة يهتم هذا القسم بجميع مايتعلق بديننا الحنيف

إضافة رد
قديم 30-05-2009, 06:58 AM
  #1
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

موضوع الخطبة عن الصراط نتطرق قبل الدخول للموضوع شيئا من امور يوم القيامه

الخطبة الأولى

إن الحمد لله نحمده...........


أما بعد: إذا كان يوم القيامة بُعث الناس من قبورهم، ويكون ذلك بالنفخ في الصور، يأمر الله جل جلاله إسرافيل فينفخ، فيقوم الناس لرب العالمين، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
فإذا قام الناس من قبورهم بدأ الحشر، يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا [مريم:85، 86]، وْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتْ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا [طه:108] فلا تسمع إلا همسًا من هول الموقف وخوف الناس من المصير الذي سيؤولون إليه.
وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا [الإسراء:97]، قال رجل: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه؟! قال: ((أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟!)).
قال رسول الله : ((يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين راهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا)).
فيقف الناس في الموقف في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، يعرق الناس حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعًا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم، يكون بعدها العرض والحساب والمناقشة، قال الله تعالى: وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ [النمل:83-85]، عندها يبدأ المساءلة، فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92) عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92، 93]، ((ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، ولو بكلمة طيبة)).
بعدها توزع الشهادات وتظهر النتائج، فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمْ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19]، وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27].
ثم يضرب جسر جهنم ليمر الناس عليه، أخرج البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ويضرب جسر جهنم))، فقال رسول الله : ((فأكون أول من يجيز، ودعاء الرسل يومئذ: اللهم سلّم سلّم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فإنها مثل شوك السعدان، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم، منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو)).
إنها والله لمواقف سوف نمر بها، يؤمر بك ـ يا عبد الله ـ لكي تعبر الصراط، وهو الجسر المضروب على متن جهنم، تمشي على جسر وتحتك نار جهنم، نارٌ أُحمي عليها ألف سنة حتى ابيضت، وألف سنة حتى احمرت، وألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة، ثم يطلب منك أن تعبر هذا الجسر، وكما سمعت في حديث أبي هريرة أن هناك كلاليب، تشبه شوك السعدان، لكن لا يعلم عظمها إلا خالقها، مأمورة بأخذ من أمرت بأخذه، كما في صحيح مسلم: ((وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة، مأمورة بأخذ من أمرت به))، فما أنت فاعل ـ يا عبد الله ـ والمرور والعبور كما سمعت في الحديث بحسب العمل في الدنيا؟! فمنهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل، ومنهم الناجي.
أخرج البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثم يؤتى بالجسر، فيجعل بين ظهري جهنم))، قلنا يا رسول الله، وما الجسر؟ قال: ((مدحضة مزلّة، عليه خطاطيف وكلاليب مفلطَحة، لها شوكة عُقَيفاء، تكون بنجد يقال: لها السعدان، المؤمن عليها كالطرف وكالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلَّم وناج مخدوش ومكدوس في نار جهنم، حتى يمر آخرهم يسحب سحبًا)).
إن الناس على الصراط كما سمعتم، منهم من يُسلّمه الله تعالى، فلا يحس بألم تلك الخطاطيف والكلاليب، وهؤلاء الناجون أيضًا ليسوا على درجة واحدة، فمنهم من يكون عبوره كلمح البصر كالطرف، ومنهم من يكون عبوره كالبرق، ومنهم كسرعة الريح، ومنهم كأجاويد الخيل، وهكذا حتى إن آخرهم يسحب سحبًا، ومنهم من ينجو لكن يصيبه شيء من خدوش تلك الكلاليب، فتؤثّر في جسده، ومنهم والعياذ بالله من تأخذه تلك الكلاليب فلا تدعه حتى تنتهي به في قعر جهنم، مكدوسًا فيها، مسوقًا بشدة وعنف من ورائه ليكون فوق من سبق، يكدّسون كما تكدّس الدواب في سيرها إذا ركب بعضها بعضًا.
هذا حال الناس ـ أيها الأحبة ـ يومئذٍ على الصراط، وينفع العبد يومئذٍ الأمانة والرحم، كما جاء في حديث أبي هريرة عند مسلم، أخبر النبي أن الأمانة والرحم تقومان على جنبتي الصراط، فقال: ((وترسل الأمانة والرحم، فتقومان جنبتي الصراط يمينًا وشمالاً، فيمر أولكم كالبرق))، قال: قلت: بأبي أنت وأمي، أي شيء كمر البرق؟ قال: ((ألم تروا البرق كيف يمر ويرجع في طرفة عين؟! ثم كمر الريح، ثم كمر الطير وشدّ الرّجال، تجري بهم أعمالهم، ونبيّكم قائم على الصراط يقول: رب سلّم سلّم، حتى تعجز أعمال العباد، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفًا))، قال: ((وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة بأخذ من أمرت به، فمخدوش ناج، ومكدوس في النار، والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفًا)).
إن الأمانة والرحم، ترسلان فتقومان جنبتي الصراط، ما السّبَب في قيامهما ذلك؟ السبب هو أداء الشهادة للشخص أو عليه بما كان يفعله تجاههما، من القيام بهما، وأداء الواجب الذي أمر الله به نحوهما، والوفاء والتمام الذي كان يسير عليه في حياته الدنيا، أو تشهدان عليه بالخيانة والغدر وعدم القيام بالواجب نحوهما.
إن الناس على الصراط تجاه الأمانة والرحم قسمان وفريقان لا ثالث لهما: إما أمين فتشهد الأمانة له، أو خائن فتشهد عليه، وإما قاطع فيشهد الرحم عليه، وإما واصل فيشهد له.
فيا من في أعناقكم أمانات، وكلنا كذلك، وكل بحسبه، أدِّ الأمانة قبل أن تزل قدم بعد ثبوتها في موطن تكون الزلة تحتها قعر جهنم، إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب:72]. الوضوء أمانة، والغسل أمانة، والعمل أمانة، والبيت والأولاد أمانة، والدعوة أمانة، والعلم أمانة، والولاية أمانة، ألا فليؤد كل مُؤتَمَن أمانته.
أما الرحم فيوم خلقها الله تعلقت به عز وجل وقالت: هذا مقام العائذ يا ربّ، فقال لها: أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ فقالت: بلى يا رب، قال: فذلك لك.
فليحذر قاطع الرحم من خطورة الموقف، فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22، 23].
ثم إن دعوى الأنبياء يومئذٍ على الصراط: اللهم سلِّم سلِّم، روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثم يوضع الصراط بين ظهري جهنم، والأنبياء بناحِيَتَيه، قولهم: اللهم سلِّم سلِّم، اللّهم سلِّم سلِّم)).
إذا كان هذا دعوى الأنبياء: "اللهم سلم سلم" فماذا يقول غيرهم؟! ماذا عساه أن يقول قاطع الرحم أو مضيع الأمانة أو مهمِل الصلاة أو تارك الزكاة؟! ماذا عساه أن يقول آكل الربا وظالم العمال وشارب الخمر؟! إذا كان الأنبياء الذين عملهم الدعوة إلى دين الله دعواهم يومئذٍ: اللهم سلم سلم فماذا يقول من همه محاربة الدعوة ومنابذة الشريعة ومخاصمة الملة؟! عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((يُحمل الناس على الصراط يوم القيامة، فَتَقَادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار))، قال: ((فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء)) رواه الإمام أحمد، وعن أنس رضي الله عنه قال: حدثني نبي الله : ((إني لقائم أنتظر أمتي تعبر على الصراط)) رواه أحمد.
فإذا عبرت الأمم وسقط من سقط ونجا من نجا وكلٌ أخذ مكانه جيء بالموت، فيوقَف على الصراط ويذبح هناك. أخرج ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((يؤتى بالموت يوم القيامة، فيوقف على الصراط، فيقال: يا أهل الجنة، فيطّلعون خائفين وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، ثم يقال: يا أهل النار، فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا؟ قالوا: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح على الصراط، ثم يقال للفريقين كليهما: خلود فيما تجدون، لا موت فيها أبدًا)).
أيها المسلمون، إن الصراط ممر رهيب وعقبة خطيرة، عليه من أنواع التعذيب ما لا يعلمه إلا الله، عليه كلاليب كشوك السعدان، لا يتكلم عليه أحد غير الرسل من هول الموقف، ودعاؤهم عليه: اللهم سلم سلم، وهو دحض مزلّة، ينزلق فيه المارّة بسرعة، أوّل من يجيزه رسول الله وأمته إكرامًا وتشريفًا لهم، والناس عليه حسب أعمالهم.
فيا أيها المؤمنون، استعدوا لخطورة الصّراط والمرور عليه؛ إذ هو مظنة الهلكة إن لم يكتب الله السلامة لمن يجتازه. فهذا يسقط، وهذا يزحف، وهذا يمرّ مسرعًا، وهذا تصيب جوانبه النار، وهذا تخطفه الكلاليب، حقًّا إنه لممرّ عصيب ومسلك رهيب، أعاننا الله عليه بفضله ورحمته.
أقول قولي هذا...




الخطبة الثانية

أما بعد: أخرج مسلم في صحيحه عن أبي سعيد أنه قال: بلغني أن الجسر أدق من الشعرة وأحد من السيف.
ثم إن الصراط ـ أيها الأحبة ـ يكون مظلمًا، تخيّل تسير على جسر أدق من الشعر وأحدّ من السيف والطريق مظلم، وتحتك جهنم، وعندها تقسم الأنوار على العباد أيضًا بحسب أعمالهم ليروا الطريق أمامهم، عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((فيعطون نورهم على قدر أعمالهم، فمنهم من يعطى نوره مثل الجبل بين يديه، ومنهم من يعطى نوره فوق ذلك، ومنهم من يعطى نوره مثل النخلة بيمينه، ومنهم من يعطى دون ذلك بيمينه، حتى يكون آخر من يعطى نوره على إبهام قدمه، يضيء مرة، ويطفأ مرة، إذا أضاء قدّم قدمه، وإذا أطفأ قام))، إلى أن قال: ((فيمرون على قدر أعمالهم، حتى يمرّ الذي نوره على إبهام قدمه، تخرّ يد وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار)) أخرجه الحاكم في المستدرك.
وأهل النفاق الذين كانوا يتظاهرون في الدنيا بالصلاح ويظهرون الحرقة على الدين وربما نسبوا لأنفسهم مشاريع إسلامية وهم في الحقيقة منافقون إنما يفعلون ما يفعلون لمصالح شخصية، هؤلاء ينكشفون عندما تقسم الأنوار، فيعطى المؤمن نورًا، ويترك ذلك المنافق الذي قد انطفأ نور الإيمان في قلبه في الدنيا، وهو المثل الذي ضربه الله في كتابه: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ [النور:40]، فيريد المنافق أن يستضيء من نور المؤمن، لكن لا حيلة، يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمْ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد:13-15].
وهناك نوعيات من البشر بمجرد ركوبهم على الصراط فإنهم يمنعون من عبور الصراط، فتخرج عنق من النار تلتقطهم وترميهم في جهنم والعياذ بالله. أخرج الإمام أحمد بسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: ((يخرج يوم القيامة عنق من النار، لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، تقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصورين))، وفي رواية أبي سعيد: ((ومن قتل نفسًا بغير نفس)) بدل المصوّرين.
اللهم هوّن علينا عبور الصراط، واجعلنا اللهم ممن يسوقه عمله وايمانه كالطرف...اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا
__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-06-2009, 10:11 AM
  #2
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

الخطبة الأولى
الحمد لله................
عباد الله تحدثنا في الجمعة الماضية عن الصراط وقد نصب على متن جهنم وسمعنا بتساقط الناس في جهنم حديثنا اليوم عن النار دار البوار اللهم اجرنا منها ياعزيز ياغفار


عباد الله: إن الله جل وتعالى خلق الخلق ليعبدوه، ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه، ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه، التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال.

لقد حذرنا الله عز وجل من النار في غير ما آية من كتابه، وأنذرنا منها رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث.

قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقال تعالى: فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:24]، وقال تعالى: لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ [الزمر:16].

وعن عدي بن حاتم قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار، فأعرض وأشاح، ثم قال: ((اتقوا النار)) ثم أعرض وأشاح، حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)) أخرجه البخاري ومسلم.

وروى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفَراش وهذه الدواب التي في النار يَقَعْن فيها، وجعل يحجُزُهنّ ويغلِبْنَه فيتقحَّمْن فيها قال: فذلكم مثليَ ومثلكم، أنا آخذ بحُجَزِكم عن النار، هَلُمّ عن النار، هَلُمَّ عن النار، فتغلبوني وتقحَّمون فيها)).

ومقصود هذا الحديث كما ذكره النووي أنه صلى الله عليه وسلم شبّه تساقط الجاهلين والمخالفين لأمر الله بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك، من منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم، بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه، وكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساعٍ في ذلك بجهله، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعَمَّ وخَصّ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار..)) إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ((يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً)).

يحكى عن يوسف بن عطية، عن المعلَّى بن زياد أنه قال: كان هَرم بن حيان يخرج في بعض الليالي وينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة كيف نام طالبها، وعجبت من النار كيف نام هاربها، ثم يقول: أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـٰتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97].

أيها المسلمون، لقد امتدح الله عز وجل عباده المؤمنين، أولي الألباب بأنهم يخافون من النار فقال عز وجل: إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنْصَـٰرٍ [آل عمران:190-192].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يستعيذ من النار كما يقول ذلك أنس رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري في صحيحه: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)). ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من حر جهنم)).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو نادى منادٍ من السماء، أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجل واحد لخفت أن أكون أنا هو).

وأخرج الإمام أحمد من طريق عبد الله بن الرومي قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه قال: لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتِها يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتِها أصير.

فيا عباد الله، إذا كان هذا حال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وحال صحابته من بعده، فحري بنا أن يكون خوفنا من النار أشد منهم، لأن أعمالنا وإخلاصنا لا يقاس إلى أعمالهم وإخلاصهم. والخوف وحده لا يُنَجِّي أحداً من النار. فالقدر الواجب من الخوف ما حَمَلَ على أداء الفرائض واجتناب المحارم.

تأمل يا عبد الله إذا جيء بجهنم إلى الموقف، تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، قال تعالى: وَجِىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذّكْرَىٰ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26].

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)) رواه مسلم.

أيها المسلمون، لقد أعدّ الله لأهل النار طعاماً هو الزقوم، وشراباً هو الحميم فقال سبحانه: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ ٱلْمُكَذّبُونَ لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِـئَونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ فَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدّينِ [المعارج:51-56]. وقال تعالى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً [المزمل:12، 13]، وهو الشوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج. وقال جل وعلا: فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَـٰطِئُونَ [الحاقة:35-37]. (والغسلين): هو صديد أهل النار وهو شرابهم، وقال عز من قائل: وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد:15]، وقال جل وعلا: لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ:24، 25]، وقال تعالى: هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوٰجٌ [ص:57، 58]، وقال جل وعلا: وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29]، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طِينة الخَبَال)) قالوا: يا رسول الله ما طينة الخَبَال؟ قال: ((عَرَق أهل النار أو عُصارة أهل النار)).

وأعد الله لأهل النار ثياباً فقال سبحانه: فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ [الحج:19]، كيف يقوى الإنسان على لبس ثياب صنعت من النار، وهو لا يطيق ملابسه العادية في حر الصيف. وقال تعالى: سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ [إبراهيم:50].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقام يوم القيامة وعليها سِربال من قَطِران ودِرع من جَرَب)).

ثم إن تحية أهل النار عباد الله هو التلاعن كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]. فبدل السلام يتلاعنون، ويتكاذبون، ويكفِّرُ بعضهم بعضاً. فتقول الطائفة الأولى دخولاً للتي بعدها لا مرحباً بكم، وهذا إخبار من الله جل وعلا بانقطاع المودة بينهم، وأن مودتهم في الدنيا تصير عداوة، كما قال في الآية الأخرى: ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

فتأمل حال أولئك التعساء، الذين كان بعضهم يملي لبعض في الضلال، كيف تناكروا، وتلاعنوا في جهنم، وأصبحوا يتقلبون في أنواع العذاب، ويعانون من جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يُفَتِّتْ ذِكْرُه الأكبادَ، يقتحمون إلى جهنم اقتحاماً، فلا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال، قال الله تعالى: إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71، 72]، وقال تعالى: وَجَعَلْنَا ٱلاْغْلَـٰلَ فِى أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ [سبأ:33]، وقال تعالى: ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ [الحاقة:32].

إن بين أيدينا يوم لا شك فيه ولا مراء، يقع فيه الفراق وتنفصم فيه العرى، فتدبره ـ يا عبد الله ـ أمرك قبل أن تُحضَر، قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30]، يا له من يوم يشيب فيه الولدان، وتسير فيه الجبال، وتظهر فيه الخفايا، وتنطق فيه الأعضاء، شاهدةٌ بالأعمال، فانتبه يا من قد وهى شبابه، وامتلأ بالأوزار كتابه.

أما بلغكم أن النار للكفار والعصاة أعدت، وإنها لَتَحْرِقُ كل من يلقى فيها قال الله تعالى: إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ [الملك:7، 8]، وقال تعالى: إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:32، 33].

يا غافـلاً عن منايا ساقها القـدرُ مـاذا الذي بعد شيب الرأس تتنظرُ

عـاين بقلبـك إن العين غافلـةٌ عـن الحقيقـة واعلم أنها سـقرُ

سـوداء تزفر من غيظٍ إذا سُعرت للظالميـن فمـا تُبقـي ولا تـذر

لو لم يكن لك غير الموت موعظةٌ لكان فيـه عن اللـذات مزدجـر

قال الله تعالى: لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41]، المِهاد هو الفراش، والغواشي هي الُّلحف. وقال عز وجل: وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء:8]، يروى أن رجلاً من سلف هذه الأمة كان إذا دخل المقابر نادى: يا أهل القبور بعد الرفاهية والنعيم، معالجة الأغلال في النار، وبعد القطن والكتَّان، لباس القَطِران، وبعد تلطف الخدم والحشم، ومعانقة الأزواج، مقارنة الشيطان في نار جهنم مقرنين في الأصفاد. ولما ماتت زوجة الفرزدق ودفنت وقف الفرزدق على قبرها وأنشد بحضور الحسن رحمه الله تعالى:

أخاف وراء القبـر إن لم يعافنـي أشد من القبر التهابـاً وأضيقـا

إذا جاء في يـوم القيامـة قائـدٌ عنيفٌ وسوّاق يسوق الفـرزدقا

لقد خاب من أولاد آدم من مشى إلى النار مغلول القـدادة أزرقـا

يساق إلى نـار الجحيم مسربـلاً سرابيل من قطرانٍ لباسـاً محرّقـا

إذا شربوا فيها الصـديد رأيتهـم يذوبون من حـر الصديـد تمزقا

فبكى الحسن رحمه الله تعالى.

النار ـ عافانا الله وإياكم ـ منها لها سبعة أبواب، كما أخبر الباري سبحانه وتعالى بذلك في قوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ [الحجر:43، 44]. وقال تعالى: وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ قِيلَ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ [الزمر:71، 72].

وقد وصف الله الأبواب بأنها مُغلقة عليهم فقال تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ [الهمزة:8]. يعني مطبقة عليهم.

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الكفار يحاولون الخروج من النار ولكنهم يرغمون على البقاء فيها قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [المائدة:37]. وقال تعالى: كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا [الحج:22]، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من الشدة وأليم العذاب، ولا سبيل لهم إلى ذلك، كلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلا جهنم، ضربتهم الزبانية بمقامعِ الحديد فيردونهم إلى أسفلها. عندها يطلبون من المولى الخروج منها، فقال تعالى مخبراً عما قالوا: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:107]، فيأتيهم الجواب: قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ [المؤمنون:108]، وقال جل وعز: وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ [الزخرف:77]، وقال عز وجل: لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا [فاطر:36].

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أَمْلَح .. فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت)).

وهذا مما يدل على عدم فناء النار، وبقاء أهلها فيها يتقلبون في أنواع العذاب لا راحة ولا نوم، ولا هدوء ولا قرار، بل من عذاب إلى آخر، ولكل واحد منهم حد معلوم، على قدر عصيانه وذنبه، وأن أقلهم لو عرضت عليه الدنيا بحذافيرها لافتدى بها من شدة ما هو فيه، فكيف بمن يُسحبون في النار على وجوههم ويقال لهم: ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]، وما أدراك ما سقر لا تُبقي ولا تذر، تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم، ثم تبدل غير ذلك. قال الله تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَا أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ [الأحزاب:66]، ينادُون في وقت لا ينفع فيه النداء، ينادُون إلهاً ضيعوا أوامره، وارتكبوا نواهيه، فيا لها من حسرة، ويا لها من ندامة لا تشبهها ندامة، ويا لها من خسارة لا تعادلها خسارة قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ [الزمر:15].

بارك الله لي ولكم ..






الخطبة الثانية


أما بعد: عباد الله، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن في النار أودية، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه ضعف قال: ((ويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره)) رواه الإمام أحمد والترمذي. ثم تأمل بعد ذلك في قعر جهنم وظلماتها وتفاوت دركاتها، فمما رواه مسلم في صحيحه من حديث خالد بن عمير قال خطب عُتْبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: إنه ذُكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً والله لتملأنّ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وَجْبَةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما هذا))، قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن، حين انتهى إلى قعرها)) رواه مسلم.

عباد الله، قال الله تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ [فاطر:37]. وقال تعالى: وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]، وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].

إن هذه الآيات لم تنـزل علينا عبثاً وإنّا ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ لمحاسبون، فلا تُضيِّعوا أعماركم، وتَفَكَّروا ـ فو الله ـ لقد ذهب الكثير ولم يبقَ إلا القليل.

فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى صريع الأماني عـن قريب ستندم

أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده سوى جنةٍ أو حـرُ نـارٍ تضـرّم

وبالسـنة الغـراء كـن متمسكاً هي العروة الوثقى التي ليس تفصم

تمسك بها مسـك البخيـل بماله مـن الله يـوم العرض ماذا أجبتم

وخذ من تقى الرحمن أعظم جنّـة ليـوم بـه تبـدو عيانـاً جهنم

وينصبُ ذاك الجسر من فوق متنها فهـاوٍ ومخـدوش ونـاجٍ مسلم

وتشهد أعضاء المسيء بما جنـى كـذاك على فيـه المهيمن يختـم

فياليت شعري كيف حالك عندما تطايـر كتـب العالميـن وتقسم

أتـأخذ باليميـن كتابك أم تكن بالأخرى وراء الظهر منـك تُسلّم

فبادر إذاً مـا دام في العمر فسحة وعدلك مقبـول وصرفـك قيـم

وجد وسـارع واغتنم زمن الصبا ففي زمن الإمكان تسـعى وتغنم

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ناركم هذه ـ التي يوقِد ابن آدم ـ، جزء من سبعين جزءاً من حر جهنم))، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: ((فإنها فضّلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهنّ مثل حَرِّها)).

إن الطريق الوحيد لتخليص الإنسان نفسه من النار هو الابتعاد عن الشهوات، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله: ((حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)) وفي رواية للبخاري: ((حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)) وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس، والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها، وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر.

فقد روى غير واحد من أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه قال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحُفت بالمكاره فقال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد، وقال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً، فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات فقال: ارجع إليـها، فرجع إليها فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها)).

لابد أن يكون في تصور كل واحد قرب النار منه كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام في حديث رواه البخاري بقوله: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله، والنار مثل ذلك)).

ومعناه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وأن المعصية مقربة إلى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون من أيسر الأشياء.

فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها. روي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: لأهل النار خمس دعوات، يُكلّمون في أربع منها، ويُسكت عنهم في الخامسة فلا يُكلّمون فيها. يقولون: رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ [غافر:11]، فيرد عليهم: ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ [غافر:12].

ثم يقولون: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]، فيرد عليهم: وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:13، 14].

ثم يقولون: رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ [إبراهيم:44].

ثم يقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، فيرد عليهم أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ [فاطر:37].

وأما الخامسة فيقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:106، 107]، فيرد عليهم: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:109، 110].

قال: فلا يتكلمون بعد ذلك أبداً.

اللهم ارحم ضعفنا وتول امرنا واجرنا من النار..


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-06-2009, 10:22 AM
  #3
المناضل السليماني
مشرف
المجلس الاسلامي
 الصورة الرمزية المناضل السليماني
تاريخ التسجيل: Oct 2006
المشاركات: 3,909
المناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond reputeالمناضل السليماني has a reputation beyond repute
افتراضي رد : ايه الخطيب المبارك اليك سلسة من الخطب آآآآآآمل التثبيت

الخطبة الأولى
الحمد لله................
عباد الله تحدثنا في الجمعة الماضية عن الصراط وقد نصب على متن جهنم وسمعنا بتساقط الناس في جهنم حديثنا اليوم عن النار دار البوار اللهم اجرنا منها ياعزيز ياغفار


عباد الله: إن الله جل وتعالى خلق الخلق ليعبدوه، ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه، ليهابوه ويخافوه خوف الإجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه، التي أعدها لمن عصاه ليتقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال، وما احتوت عليه من الزقوم والضريع والحميم والسلاسل والأغلال، إلى غير ذلك مما فيها من العظائم والأهوال.

لقد حذرنا الله عز وجل من النار في غير ما آية من كتابه، وأنذرنا منها رسوله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث.

قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَـئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]، وقال تعالى: فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ [البقرة:24]، وقال تعالى: لَهُمْ مّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذٰلِكَ يُخَوّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ [الزمر:16].

وعن عدي بن حاتم قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم النار، فأعرض وأشاح، ثم قال: ((اتقوا النار)) ثم أعرض وأشاح، حتى ظننا أنه كأنما ينظر إليها، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة)) أخرجه البخاري ومسلم.

وروى مسلم في صحيحه، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلي كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفَراش وهذه الدواب التي في النار يَقَعْن فيها، وجعل يحجُزُهنّ ويغلِبْنَه فيتقحَّمْن فيها قال: فذلكم مثليَ ومثلكم، أنا آخذ بحُجَزِكم عن النار، هَلُمّ عن النار، هَلُمَّ عن النار، فتغلبوني وتقحَّمون فيها)).

ومقصود هذا الحديث كما ذكره النووي أنه صلى الله عليه وسلم شبّه تساقط الجاهلين والمخالفين لأمر الله بمعاصيهم وشهواتهم في نار الآخرة، وحرصهم على الوقوع في ذلك، من منعه إياهم وقبضه على مواضع المنع منهم، بتساقط الفراش في نار الدنيا لهواه وضعف تمييزه، وكلاهما حريص على هلاك نفسه، ساعٍ في ذلك بجهله، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ [الشعراء:214]، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً فاجتمعوا فعَمَّ وخَصّ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار..)) إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ((يا فاطمة أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لكم من الله شيئاً)).

يحكى عن يوسف بن عطية، عن المعلَّى بن زياد أنه قال: كان هَرم بن حيان يخرج في بعض الليالي وينادي بأعلى صوته: عجبت من الجنة كيف نام طالبها، وعجبت من النار كيف نام هاربها، ثم يقول: أَفَأَمِنَ أَهْلُ ٱلْقُرَى أَن يَأْتِيَهُم بَأْسُنَا بَيَـٰتاً وَهُمْ نَائِمُونَ [الأعراف:97].

أيها المسلمون، لقد امتدح الله عز وجل عباده المؤمنين، أولي الألباب بأنهم يخافون من النار فقال عز وجل: إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لاِوْلِى ٱلاْلْبَـٰبِ ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ ٱلنَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّـٰلِمِينَ مِنْ أَنْصَـٰرٍ [آل عمران:190-192].

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يستعيذ من النار كما يقول ذلك أنس رضي الله عنه فيما أخرجه البخاري في صحيحه: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار)). ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من حر جهنم)).

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لو نادى منادٍ من السماء، أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجل واحد لخفت أن أكون أنا هو).

وأخرج الإمام أحمد من طريق عبد الله بن الرومي قال: بلغني أن عثمان رضي الله عنه قال: لو أني بين الجنة والنار ولا أدري إلى أيتِها يؤمر بي، لاخترت أن أكون رماداً قبل أن أعلم إلى أيتِها أصير.

فيا عباد الله، إذا كان هذا حال رسولنا صلى الله عليه وسلم، وحال صحابته من بعده، فحري بنا أن يكون خوفنا من النار أشد منهم، لأن أعمالنا وإخلاصنا لا يقاس إلى أعمالهم وإخلاصهم. والخوف وحده لا يُنَجِّي أحداً من النار. فالقدر الواجب من الخوف ما حَمَلَ على أداء الفرائض واجتناب المحارم.

تأمل يا عبد الله إذا جيء بجهنم إلى الموقف، تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، قال تعالى: وَجِىء يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَـٰنُ وَأَنَّىٰ لَهُ ٱلذّكْرَىٰ يَقُولُ يٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:23-26].

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها)) رواه مسلم.

أيها المسلمون، لقد أعدّ الله لأهل النار طعاماً هو الزقوم، وشراباً هو الحميم فقال سبحانه: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضَّالُّونَ ٱلْمُكَذّبُونَ لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِـئَونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ فَشَـٰرِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ فَشَـٰرِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدّينِ [المعارج:51-56]. وقال تعالى: إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالاً وَجَحِيماً وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً [المزمل:12، 13]، وهو الشوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج. وقال جل وعلا: فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ لاَّ يَأْكُلُهُ إِلاَّ ٱلْخَـٰطِئُونَ [الحاقة:35-37]. (والغسلين): هو صديد أهل النار وهو شرابهم، وقال عز من قائل: وَسُقُواْ مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ [محمد:15]، وقال جل وعلا: لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً [النبأ:24، 25]، وقال تعالى: هَـٰذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوٰجٌ [ص:57، 58]، وقال جل وعلا: وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَاء كَٱلْمُهْلِ يَشْوِى ٱلْوجُوهَ بِئْسَ ٱلشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا [الكهف:29]، وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن على الله عهداً لمن يشرب المسكر، أن يسقيه من طِينة الخَبَال)) قالوا: يا رسول الله ما طينة الخَبَال؟ قال: ((عَرَق أهل النار أو عُصارة أهل النار)).

وأعد الله لأهل النار ثياباً فقال سبحانه: فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ [الحج:19]، كيف يقوى الإنسان على لبس ثياب صنعت من النار، وهو لا يطيق ملابسه العادية في حر الصيف. وقال تعالى: سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ [إبراهيم:50].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تُقام يوم القيامة وعليها سِربال من قَطِران ودِرع من جَرَب)).

ثم إن تحية أهل النار عباد الله هو التلاعن كما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]. فبدل السلام يتلاعنون، ويتكاذبون، ويكفِّرُ بعضهم بعضاً. فتقول الطائفة الأولى دخولاً للتي بعدها لا مرحباً بكم، وهذا إخبار من الله جل وعلا بانقطاع المودة بينهم، وأن مودتهم في الدنيا تصير عداوة، كما قال في الآية الأخرى: ٱلأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ [الزخرف:67].

فتأمل حال أولئك التعساء، الذين كان بعضهم يملي لبعض في الضلال، كيف تناكروا، وتلاعنوا في جهنم، وأصبحوا يتقلبون في أنواع العذاب، ويعانون من جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يُفَتِّتْ ذِكْرُه الأكبادَ، يقتحمون إلى جهنم اقتحاماً، فلا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال، قال الله تعالى: إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ فِى ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ [غافر:71، 72]، وقال تعالى: وَجَعَلْنَا ٱلاْغْلَـٰلَ فِى أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ [سبأ:33]، وقال تعالى: ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاْسْلُكُوهُ [الحاقة:32].

إن بين أيدينا يوم لا شك فيه ولا مراء، يقع فيه الفراق وتنفصم فيه العرى، فتدبره ـ يا عبد الله ـ أمرك قبل أن تُحضَر، قال الله تعالى: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا [آل عمران:30]، يا له من يوم يشيب فيه الولدان، وتسير فيه الجبال، وتظهر فيه الخفايا، وتنطق فيه الأعضاء، شاهدةٌ بالأعمال، فانتبه يا من قد وهى شبابه، وامتلأ بالأوزار كتابه.

أما بلغكم أن النار للكفار والعصاة أعدت، وإنها لَتَحْرِقُ كل من يلقى فيها قال الله تعالى: إِذَا أُلْقُواْ فِيهَا سَمِعُواْ لَهَا شَهِيقًا وَهِىَ تَفُورُ تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ [الملك:7، 8]، وقال تعالى: إِنَّهَا تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ كَأَنَّهُ جِمَـٰلَةٌ صُفْرٌ [المرسلات:32، 33].

يا غافـلاً عن منايا ساقها القـدرُ مـاذا الذي بعد شيب الرأس تتنظرُ

عـاين بقلبـك إن العين غافلـةٌ عـن الحقيقـة واعلم أنها سـقرُ

سـوداء تزفر من غيظٍ إذا سُعرت للظالميـن فمـا تُبقـي ولا تـذر

لو لم يكن لك غير الموت موعظةٌ لكان فيـه عن اللـذات مزدجـر

قال الله تعالى: لَهُم مّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41]، المِهاد هو الفراش، والغواشي هي الُّلحف. وقال عز وجل: وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـٰفِرِينَ حَصِيرًا [الإسراء:8]، يروى أن رجلاً من سلف هذه الأمة كان إذا دخل المقابر نادى: يا أهل القبور بعد الرفاهية والنعيم، معالجة الأغلال في النار، وبعد القطن والكتَّان، لباس القَطِران، وبعد تلطف الخدم والحشم، ومعانقة الأزواج، مقارنة الشيطان في نار جهنم مقرنين في الأصفاد. ولما ماتت زوجة الفرزدق ودفنت وقف الفرزدق على قبرها وأنشد بحضور الحسن رحمه الله تعالى:

أخاف وراء القبـر إن لم يعافنـي أشد من القبر التهابـاً وأضيقـا

إذا جاء في يـوم القيامـة قائـدٌ عنيفٌ وسوّاق يسوق الفـرزدقا

لقد خاب من أولاد آدم من مشى إلى النار مغلول القـدادة أزرقـا

يساق إلى نـار الجحيم مسربـلاً سرابيل من قطرانٍ لباسـاً محرّقـا

إذا شربوا فيها الصـديد رأيتهـم يذوبون من حـر الصديـد تمزقا

فبكى الحسن رحمه الله تعالى.

النار ـ عافانا الله وإياكم ـ منها لها سبعة أبواب، كما أخبر الباري سبحانه وتعالى بذلك في قوله: وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ [الحجر:43، 44]. وقال تعالى: وَسِيقَ ٱلَّذِينَ كَـفَرُواْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ ءايَـٰتِ رَبّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَـاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ بَلَىٰ وَلَـٰكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ قِيلَ ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ [الزمر:71، 72].

وقد وصف الله الأبواب بأنها مُغلقة عليهم فقال تعالى: إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ [الهمزة:8]. يعني مطبقة عليهم.

وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أن الكفار يحاولون الخروج من النار ولكنهم يرغمون على البقاء فيها قال الله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ [المائدة:37]. وقال تعالى: كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا [الحج:22]، فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من الشدة وأليم العذاب، ولا سبيل لهم إلى ذلك، كلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلا جهنم، ضربتهم الزبانية بمقامعِ الحديد فيردونهم إلى أسفلها. عندها يطلبون من المولى الخروج منها، فقال تعالى مخبراً عما قالوا: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:107]، فيأتيهم الجواب: قَالَ ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ [المؤمنون:108]، وقال جل وعز: وَنَادَوْاْ يٰمَـٰلِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّـٰكِثُونَ [الزخرف:77]، وقال عز وجل: لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مّنْ عَذَابِهَا [فاطر:36].

روى البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم: ((يؤتى بالموت كهيئة كبش أَمْلَح .. فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت)).

وهذا مما يدل على عدم فناء النار، وبقاء أهلها فيها يتقلبون في أنواع العذاب لا راحة ولا نوم، ولا هدوء ولا قرار، بل من عذاب إلى آخر، ولكل واحد منهم حد معلوم، على قدر عصيانه وذنبه، وأن أقلهم لو عرضت عليه الدنيا بحذافيرها لافتدى بها من شدة ما هو فيه، فكيف بمن يُسحبون في النار على وجوههم ويقال لهم: ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ [القمر:48]، وما أدراك ما سقر لا تُبقي ولا تذر، تأكل لحومهم وعروقهم وعصبهم وجلودهم، ثم تبدل غير ذلك. قال الله تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ يَقُولُونَ يٰلَيْتَنَا أَطَعْنَا ٱللَّهَ وَأَطَعْنَا ٱلرَّسُولاَ [الأحزاب:66]، ينادُون في وقت لا ينفع فيه النداء، ينادُون إلهاً ضيعوا أوامره، وارتكبوا نواهيه، فيا لها من حسرة، ويا لها من ندامة لا تشبهها ندامة، ويا لها من خسارة لا تعادلها خسارة قُلْ إِنَّ ٱلْخَـٰسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ [الزمر:15].

بارك الله لي ولكم ..






الخطبة الثانية


أما بعد: عباد الله، اعلموا ـ رحمني الله وإياكم ـ أن في النار أودية، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد فيه ضعف قال: ((ويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره)) رواه الإمام أحمد والترمذي. ثم تأمل بعد ذلك في قعر جهنم وظلماتها وتفاوت دركاتها، فمما رواه مسلم في صحيحه من حديث خالد بن عمير قال خطب عُتْبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: إنه ذُكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي فيها سبعين عاماً ما يدرك لها قعراً والله لتملأنّ.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وَجْبَةً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتدرون ما هذا))، قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: ((هذا حجر رُمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار الآن، حين انتهى إلى قعرها)) رواه مسلم.

عباد الله، قال الله تعالى: وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ [فاطر:37]. وقال تعالى: وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُواْ رُءوسِهِمْ عِندَ رَبّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]، وقال سبحانه: وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27].

إن هذه الآيات لم تنـزل علينا عبثاً وإنّا ـ والله الذي لا إله إلا هو ـ لمحاسبون، فلا تُضيِّعوا أعماركم، وتَفَكَّروا ـ فو الله ـ لقد ذهب الكثير ولم يبقَ إلا القليل.

فيا ساهياً في غمرة الجهل والهوى *** صريع الأماني عـن قريب ستندم

أفق قد دنا الوقت الذي ليس بعده *** سوى جنةٍ أو حـرُ نـارٍ تضـرّم

وبالسـنة الغـراء كـن متمسكاً *** هي العروة الوثقى التي ليس تفصم

تمسك بها مسـك البخيـل بماله*** مـن الله يـوم العرض ماذا أجبتم

وخذ من تقى الرحمن أعظم جنّـة *** ليـوم بـه تبـدو عيانـاً جهنم

وينصبُ ذاك الجسر من فوق متنها *** فهـاوٍ ومخـدوش ونـاجٍ مسلم

وتشهد أعضاء المسيء بما جنـى*** كـذاك على فيـه المهيمن يختـم

فياليت شعري كيف حالك عندما *** تطايـر كتـب العالميـن وتقسم

أتـأخذ باليميـن كتابك أم تكن *** بالأخرى وراء الظهر منـك تُسلّم

فبادر إذاً مـا دام في العمر فسحة*** وعدلك مقبـول وصرفـك قيـم

وجد وسـارع واغتنم زمن الصبا *** ففي زمن الإمكان تسـعى وتغنم

وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ناركم هذه ـ التي يوقِد ابن آدم ـ، جزء من سبعين جزءاً من حر جهنم))، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: ((فإنها فضّلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهنّ مثل حَرِّها)).

إن الطريق الوحيد لتخليص الإنسان نفسه من النار هو الابتعاد عن الشهوات، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل الصلاة والسلام بقوله: ((حُفَّت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات)) وفي رواية للبخاري: ((حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)) وهذا من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس، والحض على الطاعات وإن كرهتها النفوس وشق عليها، وقد ورد إيضاح ذلك من وجه آخر.

فقد روى غير واحد من أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، قال: فرجع إليه قال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بها فحُفت بالمكاره فقال: ارجع إليها فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فرجع إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فرجع إليه فقال: وعزتك لقد خفت ألا يدخلها أحد، وقال: اذهب إلى النار فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضاً، فرجع إليه فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فأمر بها فحفت بالشهوات فقال: ارجع إليـها، فرجع إليها فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها)).

لابد أن يكون في تصور كل واحد قرب النار منه كما أخبر بذلك عليه الصلاة والسلام في حديث رواه البخاري بقوله: ((الجنة أقرب إلى أحدكم من شِرَاك نعله، والنار مثل ذلك)).

ومعناه أن الطاعة موصلة إلى الجنة وأن المعصية مقربة إلى النار، وأن الطاعة والمعصية قد تكون من أيسر الأشياء.

فينبغي للمرء أن لا يزهد في قليل من الخير أن يأتيه، ولا في قليل من الشر أن يجتنبه فإنه لا يعلم الحسنة التي يرحمه الله بها، ولا السيئة التي يسخط عليه بها. روي عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: لأهل النار خمس دعوات، يُكلّمون في أربع منها، ويُسكت عنهم في الخامسة فلا يُكلّمون فيها. يقولون: رَبَّنَا أَمَتَّنَا ٱثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا ٱثْنَتَيْنِ فَٱعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مّن سَبِيلٍ [غافر:11]، فيرد عليهم: ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِىَ ٱللَّهُ وَحْدَهُ كَـفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ [غافر:12].

ثم يقولون: رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ [السجدة:12]، فيرد عليهم: وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنْى لاَمْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَذُوقُواْ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَـٰذَا إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ وَذُوقُـواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [السجدة:13، 14].

ثم يقولون: رَبَّنَا أَخّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُواْ أَقْسَمْتُمْ مّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مّن زَوَالٍ [إبراهيم:44].

ثم يقولون: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحاً غَيْرَ ٱلَّذِى كُـنَّا نَعْمَلُ [فاطر:37]، فيرد عليهم أَوَلَمْ نُعَمّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ ٱلنَّذِيرُ [فاطر:37].

وأما الخامسة فيقولون: رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالّينَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـٰلِمُونَ [المؤمنون:106، 107]، فيرد عليهم: إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرحِمِينَ فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:109، 110].

قال: فلا يتكلمون بعد ذلك أبداً.

اللهم ارحم ضعفنا وتول امرنا واجرنا من النار..


__________________

المناضل السليماني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أذكار, أدعية, خطب, خطبة الجمعة, صلاة الجمعة, إسلاميات


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
من يوقف هدردماءاهل السنه يامسلمين في ايران المجوسيه الرافضية الصفوية ؟؟ ابومحمدالقحطاني فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 10 29-04-2015 06:44 PM
إبن سبأ اليهودي مؤسس الديانة الشيعية ابو عائشة الطائي فضائح وجرائم الروافض ضد أهل السنة 2 20-12-2009 10:31 PM
غزوات حدثت في شهر الانتصارات في رمضان المناضل السليماني مجلس الإسلام والحياة 5 30-08-2009 06:27 AM
أرقـــــــام وإيمـــيــلاتــ الدكـــتـــور جــــــــابـــــر القحطاني وبعض الوصفاتـــ سعيد الجهيمي عالم الصحه والغذاء 12 20-03-2008 12:02 PM
فتاوى السحر والمس والعين مفرغا من شريط للعلامة ابن باز : اعداد بعض طلبة العلم ابو اسامة مجلس الإسلام والحياة 11 26-05-2007 01:52 PM


الساعة الآن 11:19 PM

ملصقات الأسماء

ستيكر شيت ورقي

طباعة ستيكرات - ستيكر

ستيكر دائري

ستيكر قص على الحدود