طرح رائع أخي (الحادي)
والأعراف القبلية، أو أعراف الضبط الاجتماعي، أدت في الماضي خدمات جليلة لأبناء القبائل في ظل غياب السطلة المركزية للدولة. فكما هو معلوم أن أعراف الضبط الاجتماعي تزدهر في ظل غياب سلطة الدولة، وتضمحل وتتلاشى في ظل حضور سلطة الدولة القوية.
ورغم أن المشاكل بين أفراد القبائل في الماضي كانت تثار لأسباب تعد في زمننا هذا أسباباً تافهة، إلا أنه في المقابل كان هناك أعراف تساهم في الحد من هذه المشاكل وما قد تتطور إليه من ثارات وحروب قبلية. وكما تعلمون أن الأعراف القبلية كانت تتمحور حول مصطلحي (العيب) و(النقا). فيجب أن يقابل كل (عيب) (نقا). وإذا لم يتم ذلك فإن من أرتكب بحقه العيب يصبح معيباً بين الناس ويرفع (أو يبنى) له السواد. ولذلك كان (الثأر). وللتخفيف من ويلات الثأر كانت (الجيرة، أو رد الشأن، وجيرة الدم، والثمان المجليات (ثمان الأسود المجليات)، وغيرها من أنواع الجوار ). وكانت فترة الصلح أو الهدنة محاولة من مشرعي العرف القبلي لإعطاء مساعي الصلح وتهدئة الأنفس الزمن المناسب. وفي أثناء الهدنة كان يأتي دور المصلحين ومقطع الحق.
وما ذكره بعض الإخوان بحق مقطع الحق فيه الكثير من الإجحاف. فلا يجب الحكم على مقطع الحق بحسب ما تعتقده أو ما تعيه في هذا الوقت، أي أنه لا يجب فصله عن بيئته وإطاره الزمني الذي كان ينشط فيه (الجهل، غياب السطلة المركزية للدولة). مقطع الحق كان من أساليب المجتمع لضبط حياته وجعلها قابلة للإستمرار. وحتى مقطع الحق "ذو الوجه المكفهر" (لاحظ هنا الإسقاط الايديولوجي) الذي ينشط في هذا الوقت، فهو ينشط بين أناس لا يزالون يعيشون في ظروف تقارب البيئة السابقة (أو يحالون جعل حياتهم الحالية مشابهة لتلك البيئة عن طريق محاولة تغييب سلطات الدولة عن الحدث ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا).
وما ذكره الأخ (ناقد خطير) من حادثة اعتداء الضيفين على مضيفهما للثأر لابن عمهما، فهذا يمثل التشويه الصارخ الذي أصاب الأعرف القبلية في زمننا الحاضر. فحسب الأعراف القبلية المرعية في الماضي فما قاما به يعد (عيب أسود) أشد من عيب ترك الثأر، لأن لمضيفهما عليهما حق الجوار الذي لا تنفك عراه ولو قتل أبا أحد منهما. هذا هو الجوار، ولكن الخلط الذي أصاب الأجيال الحديثة جعلهم لا يعرفون غير القشور من الأعراف.