.
.
قراءة في أوراق شاعر
حمد هادي شاعر المعاناة.. سطر أجمل الروائع الشعرية
إعداد - بكر بن هذال المسردي ::
الشعر الأصيل، يحفظه جيل بعد جيل ويبقى في صدور الرواة وعقول الرجال، ويكون حديث المجالس، والمتحدث الأول عن هموم المجتمع وقضايا الناس، ولا شك أنه يخلد اسم صاحبه..الشاعر الراحل ( حمد هادي المسردي ) من الشعراء الشعبيين المبدعين الذين برعوا في كتابة القصيدة الشعرية بكل اقتدار وتفنن حيث يتمتع هذا الشاعر الفذ بموهبة قوية استطاع من خلالها أن ينسج أجمل الكلمات، ويصوغ أحلى المعاني، فقد طوع أصعب القوافي، وعاند أعسر البحور الشعرية حيث استخدم فيها كلمات كثيرة في البيت الواحد مثل قصيدته في وصف (الطائرة) ذات البحر الطويل، التي نالت على اعجاب الكثير من هواة الشعر الشعبي.
كتب لأمجاد الوطن، كتب للمعاناة، كتب للحكمة، كتب للنصح والإرشاد، كتب لكل أبواب الشعر، وذلك بإبداع وتميز.
وبالرغم من أن الإعلام لم يخدمه كشاعر إلا أنه يعتبر أحد أعلام شعر النظم والمحاورة على مستوى الخليج العربي فاشعاره تمتاز بجزالة الألفاظ ومتانة الأسلوب، وسهولة الحفظ، وكان - رحمه الله - يمجد قريته (جاش) مسقط رأسه وبداية انطلاقته الشعرية ويذكرها في معظم أشعاره الجميلة.
وكان كثير الأسفار حيث طاف أنحاء دول الخليج العربي، وحاور جملة من أبرز شعراء المحاورة منهم على سبيل المثال أحمد الناصر الشايع، خلف بن هذال العتيبي، رشيد الزلامي، فهد المحيشير وغيرهم الكثير، كما جرت بينه وبين أخيه الشاعر فلاح العديد من المحاورات منها:
فلاح:
يالشاعر اللي تحيي الحفلات لا طبيتهـا
كم ليلة يمسون خلق الله وعينك ما تبات
لا شفت لك حفلة فرح عرس يولع ليتها
طبيتها بنشدك ويش الفايده من ذا السوات
حمد:
ما كل حفلة شفـت كهربهـا يولـع جيتهـا
كم حفلة ما زورها لو كتب لي عشر دعوات
يا كم وكم حفلة فرح لاعدها مـا حصيتهـا
أرفض طلب دعوات أهلها إلا لبعض مناسبات
فلاح:
مـا نيـب أسالـك كـم دعـوة لبيتـهـا
أنشدك وش الفايدة عجل وهات الرد هـات
ويش استفدت من الملاعب طول ما حظيتها
يوم أنت واقف كل ليل بها عيونك ساهرات
حمد:
ربعي ليا جا عندهم حفلـة فـرح عزيتهـا
دام الصفوف وقوف برسي كالجبال الراسيات
وان كان جاهم زلة من شاعـر استقضيتهـا
والفايدة بدع القصيد الطيب اللي له طـرات
ويعتبر حمد هادي من الشعراء الذين عانوا بالفعل كثيراً في حياتهم من جور الزمن وتقلباته، فهو شاعر معاناة في جميع الأحوال، حيث عانا الكثير منذ نعومة أظفاره، وأول أبيات شعرية نظمها في حياته كانت وليدة معاناة حقيقية، فعندما كان صغيراً لم يتجاوز عمره الخامسة عشر أجبره أهله على رعي الغنم، فأنشد هذه الأبيات التي تدل على موهبته الشعرية النادرة فقال:
سرحوني بالغنم عشر وثمانـي
ثامن الفرقه طفيل يرضعونـه
عرضوا فوق النظا ما واعدوني
عندهم يا ناس حق يظهرونـه
وقد تحدث أيضاً من خلال أشعاره النادرة عن هموم الحياة، ووصف الرجال، والدنيا، والسفر والترحال، فهو قد تجر مرارة الدنيا:
يا الله يا عالم خفـا كـل مكتـوم
يـا مطلـع فيمـا تكـن السرايـر
يا واحد فـرد صمـد حـي قيـوم
يا للي بتدويـرك تـدور الدوايـر
يا الخالق اللي بيدك الأجل محتـوم
يا خالق ابن آدم شعوب وعشايـر
يا الدائم اللي ما حد ٍغيـرك يـدوم
والخلـق يفنـى للبعـث والنشايـر
أنت الذي تعلم بمـا ليـس معلـوم
وما لا تريد يصير ما هو بصايـر
والرزق من عندك مقدر ومقسـوم
ومدك يعوض عن جميع الخسايـر
يا كاشف الكربات عن كل مضيوم
يا عالم مكنـون غيـب الضمايـر
الطف بحال اللي جفى عينه النـوم
يسهر كما يسهـر كسيـر الجبايـر
لي مدة عن لـذة النـوم محـروم
أسهر وكن بحاجـر العيـن عايـر
حتى غدا حالي كما حـال مهيـوم
من كثر ما تمسي عيونـي سهايـر
من جور دنياً بان منها لـي ثلـوم
قامت تجرعنـي بكـاس المرايـر
وأضحك واجامل كن ما نيب مهموم
والصدر وسطه مثل ضو السعايـر
وقد اشتهر - رحمه الله - بمحاوراته الجميلة التي تهتز لها الصفوف وقوافيه الساحرة وأبياته الهادفة مما جعل الكثير من الناس يحفظونها وصارت أمثالاً تردد داخل المجتمع
اشهد أن من يفعل الجود في من لا يجود=مثل من حجج على غاربه ذباح أبوه
وقد قرأت له من ضمن أوراقه الشعرية قصيدة تتحدث عن الوجد:
يا لج قلبـي لـج سـرب مـن الميـراج
ليا أصدر لأوامر قايـده واعلـن الغـاره
مع الفجر الأول عاد ضوح السفر ما أنباج
تحـرك وتـعـداده ثلاثـيـن طـيـاره
ويا والله اللي غلق الصبـر مـا يحتـاج
ولو كان عيني بـأول الوقـت صبـاره
هواجيس قلبـي بالدقيقـه تجيـه افـواج
وعينـي شقاويـه والافكـار محـتـاره
تخالف همومي مثل ما تختلـف الأمـواج
على شاطي مـا بيـن فرضـه وعبـاره
توارد وترد القلب من كـل فـج وفـاج
وتقبل كما أمواج مع ريـح صرصـاره
ليا أشتد صلف النود والبحر هاج ومـاج
تسوقه على الشاطي عواصيـف جبـاره
غريب ومشتاق وشفـق علـى المنهـاج
وسـود الليالـي تخلـف الظـن غـداره
وجودي على شوف المحبيـن يـا فـراج
وجود الكسير اللـي دنـو منـه بجبـاره
وكان حمد هادي في آخر حياته يلقي الكثير من قصائد النصح والإرشاد والتوبة واقسم في أحد تسجيلاته الصوتية بأن لا يسجل قصائد الغزل حتى توفي في مدينة الدمام عام 1412هـ عن عمر يناهز الخمسين، وقد رثى نفسه بقصيدة مؤثرة وهو على فراش المرض منها اختار هذه الأبيات :
أشوف الموت حي في شليلي
ولو نفسي بعد يقرع نسمهـا
أنا مني دنا الموت المزيلـي
تمركز فوق الأنفاس وكتمها
وأنا حالي ثوى وأنهد حيلي
وأنا حالي لحا اللاحي لحمها
وبعد هذه الرحلة الطويلة لشاعرنا حمد هادي - رحمه الله - ترك لنا تراثاً شعرياً خالداً في نفوسنا لن تطويه صفحات الزمن، فقد كان أحد رموز الشعر، وسطر أجمل الروائع الشعرية.
منقول من
جريدة الرياض - خزامى الصحارى
اعداد: بكر بن هذال المسردي
قراءة في أوراق شاعر حمد هادي شاعر المعاناة.. سطر أجمل الروائع الشعرية