
ثراء العقول وليس تضخيم الجيوب
بسم الله الرحمن الرحيم
أقسى شيء على الإنسان هو الشعور بأنك تعيش في عالم ليس عالمك... ويزري هذا الشعور عند من يحترفون الكتابة.. فالبعض يأخذها وجاهة... وآخرون يقيسون شهرتهم على مقدار انتشارهم.. مضى الزمن الذي يرتبط فيه الكاتب بصحيفة ويرتبط القراء بصحيفة ما.. الأديب حمد الجاسر وعبدالله بن خميس وعبدالله خياط كاتب العمود الرائع هو آخر ما تبقى من الزمن الجميل.. تركى السديري، ثريا العريض، جواهر آل الشيخ، حسن الهويمل، حسين عرب، غالب كامل وماجد الشبل حسين نجار بالأخبار على سبيل المثال وليس الحصر ، عبدالله الجفري ، داود الشريان ، السديري ، خضر ، الساسي أسماء أشتهرت وهي تكتب عموداً واحداً في صحيفة أو مجلة واحدة.. لماذا؟ ببساطة لأن الناس كانت تقرأ ، وكان كل واحد منهم يقدم صنفاً مختلفاً عن الآخر.. كانت الصحافة بوفيهاً مفتوحاً تتناول منه ما تشاء.. منذ كان عمري 220 عاماً استفدت – مثلاً – حامد مطاوع وصالح جمال ، وضحكت مع الكتبي وتأملت مع الدكتور أحمد جمال الذي قدم أصعب دروس الفلسفة ببساطة يفهمها بائع البقالة...
الآن الجميع يكتبون.. إما لإثبات الوجود أو لواجب يومي عليه أن يقوم به أو غير ذلك.
الناس الآن فقدت التميز.. رجال الإعلام في التلفزيون وليس في الصحافة.. الكلمة المكتوبة فقدت لمعانها وعمقها ورسالتها عندما أصبحت " أكل عيش " زمان كان فيه معلمين لكل شيء في الصحافة والأدب والفن والطرب والتمثيل والإخراج.. " والمعلمين " في أي صنعة يدربون صبيانهم يكتشفون الجواهر ويصقلونها.. كان هناك تعبير جميل في الزمان البديع عن الصحفي الصاعد الواعد... ولا استطيع أن أذكر البعض لأنهم أقل من القليل جداً..
ومع احترامي الشديد للصحفيين ، ليس هناك من أصبح له بصمة أو جمهور.. لا يوجد كاتب يشتري الصحيفة لأجل كاتبها..! ومازلنا نريد الصوت الجوهري القوي والشخصية الرجولية الحقة في نشرة الأخبار ولكن مع الأسف ..؟
أنا أعترف أن لكل زمن مفرداته وأدواته.. والكلمة والخبر ليسا من مفردات هذا الزمن مهما تعددت الجوائز الصحفية الأدبية... بصراحة شديدة نحن في زمن تقلصت فيه مساحة الابداع وأجدبت قرائح الشعراء.. لقد احتفى كثيرون بقصيدة.... التي ينعى فيها حال بلدنا... وهي في رأيي مقال نقدي مسجوع فالبحور فيها وقوافيها ليست من مستوى إبداعه الأول.. لكن الذي يقرأ الآن لا يستطيع أن ينقد.. يهمه أن ينقد شاعر كبير وشاعر دولة ولا يهمه إن كان قد راعى القواعد الشعرية والبحور والقوافي .. لايهم.. لا أحد يحفظ الشعر لأن الحب مات.. والعاطفة أصبحت جنساً.. والعبادة أصبحت للمال والثراء.. والإخلاص للمنصب وليس للعمل... هذا والله ليس زماني ولن يكون..
أصدقكم القول أنا أشعر بغربة شديدة وأنا أعيش متنقلاً بين شاشات الفضائيات وأقلام الكتاب فلا أجد إلا أجندات أو تقسيمات مع الدولة أو ضدها.. هكذا أصبحت الصحافة والانتماءات الحزبية والفكرية وغير ذلك..
المجتمع أنقسم في كل شيء.. زمان كنا منقسمين أهلي واتحاد فقط ، الآن في كل كل شيء الهلال والنصر والشباب والاتحاد والأهلي..الخ.
فقراء وأغنياء... موظوفون ورجال أعمال... كوادر خاصة وأجور عالية...عشوائيات وكوبونات.. مرسديس وباصات...
ورغم هذا الانقسام فهناك مناطق توحدنا فيها على السواء.. الغناء والنشيد نشازاً إلا قليلاً... الصحافة لا تبحث عن الحقيقة سوى حالات محدودة... القراءة لا يلجأ إليها إلا المتقاعدين... التسلية بكوب شاي في البيت أو أمام العتبة أو الدكة أو الاستراحة .. والترفية إما بالشوي أو البر...
ورغم ذلك أشعر بالأمل عندما أجد شاباً يريد النجاح بدون واسطة... وعندما أجد أسرة من محدودي الدخل لها أبناء مهندسون وأطباء.. أتمنى أن يعود الزمن... الزمن الذي كان التعليم فيه كالماء والهواء فأصبحت كرة القدم والممثلين والمخدرات هي العناوين بصحفنا والله المستعان...
وتسألني هل أشعر بغربة في هذا الزمان..؟
فأقول لك نعم!
وتسألني متى تتحسن حالتي..؟
فأقول عندما أستمع إلى الإذاعة وأسرح في الماضي الجميل... وعندما أجد مفكراً يتكلم عن ثراء العقول وليس تضخيم الجيوب..
على كل حال أتمنى أن يعود الزمان ليستمتع به الجيل القادم لأنهم سيعرفون ساعتها أنهم كانوا يعيشون وهماً وليس زمناً.. أتمنى أن يعود أبناء بلدي إلى وطنيتهم كما في السابق يحبون أرضها ولا يمدحون غيرها... أتمنى... أتمنى... أتمنى...
ألا ليت الشباب يعود يوماً .... فأخبره بما فعل المشيب
وأخيراً تحية للأبطالنا
http://www.youtube.com/watch?v=nf1QbaqcBHM