
بين الإيمان والسلوك
في رحاب الحرم المكي الشريف صليت ، وشعرت بالفناء للحظات ، كل لحظة منها كانت كفيلة بغسل النفس من كل همومها ومتاعبها ، ومع الشعور بالراحة الهادئة الصافية ، فجلست أسبح واستمتع بلحظات الراحة التي غمرتني.
وأَخَذت نظراتي تجوبُ بي ملامح الوجوه التي قدمت إلى البيت الكريم ، للتنعم بالعبادة والتعبد إلى الله والتوصل إليه ، وطافت نظراتي : ملامح غريبة ، ملامح مألوفة ، هذه لا بد وأنه آتي من أقصى الأرض لاغتنام فرصة الجوار من الكعبة المشرفة في هذه الأيام المباركة ، وآخر يبدو أنه أمتلك الجوار ، ولكن الظمأ للقريب الدائم لا يرتوي.
ملامح من كل الأجناس ، تتعدد وتختلف ، ولكنها كلها تشترك وتجتمع على قاعدة واحدة : ألا وهي الإسلام.
وسرح فكري مع نظراتي الرحالة يتساءل ويقيم .
الإسلام هو دين الإنسانية ، ودين الرحمة والشفقة والتعاطف والإخاء ، أجلس كمسلم بجانب أخ آخر لي ، نركع ونسجد ، وتلامس جباهنا أرض البيت العتيق ، وتشرئب أرواحنا تهفو إلى مغفرة وهداية الأعز الأجل ، صاحب هذا البيت وخالقنا ، لا فرق بيني وبينه إلا بالتقوى ، وبالإخلاص في هذه التقوى ، وبترسيخ العقيدة في الوجود الإلهي ، وبالشبع من الإيمان بإنسانية وعظمة هذا الدين.
والإسلام لأنه هو دين الإنسانية ، فإنه دين الضعفاء والمغلوبين والفقراء ، فهؤلاء يشكلون السواد الأعظم منها ، دخلوا في دين الله – الإسلام – ويدخلون فيه ، مستظلين بالأمل في آخر رحيمة ، ويكون لهم فيها العوض عما أفقدتهم إياه الدنيا.
ولكن الإنسانية لا ترتقي ولا تنتعش ، ولا تتقلد الكرامة تاجاً بالضعف ، ولذا جاء الإسلام كما هو دين التعاطف والرحمة بالمسكين وذوي السبيل ، جاء ليكون دين العزة والكرامة والقوة والحضارة والرقي.. وقد حقق الإسلام في حقبة من التاريخ أشرف وأجل وأعظم تاريخ للإنسانية جمعاء ولكن؟!
وتجولتُ بنظراتي تاركاً ملامح الوجوه لخالقها ، متقد سلوك الإنسان ، وسلوك المسلمين الذين جاءوا إلى البيت الكريم يجددون العهد على إسلاميتهم.
وتساءلتُ :
- كيف نستعيد للحضارة الإسلامية رقيها؟!
- كيف نستعيد للمجتمع الإسلامي قوته ؟!
- كيف تستعيد للإنسان المسلم عزة نفسه وكرامته؟!
ولاحت لي إجابة تقول : إن للإيمان شطراً لابد أن يقترن به شطرٌ آخر.. ألا وهو السلوك : السلوك الإسلامي.
ونظرت حولي وتساؤلاتي تدور في حلقة هامة وخطيرة ، ولكنها تتسع وتتسع حتى تتلاشى خلف الصور العديدة التي شاهدتها لسلوك المسلمين في الحرم الشريف .
وأطرقتُ باكياً – صدقوني – فإن ما أراه في الحرم الشريف من سلوك ليشعرني بالعجز والقهر .
ودعوت الله أن يبصر المسلمين بحقيقة مصابهم وبلواهم.