
( المــــال إذا تـكــلّـم ..!! لعـنك الله من مـال!!)
( المــــال إذا تـكـلّــم ..!! )
في قصة لطيفة طويلة سمعتها ذات يوم من شيخنا ، جاء هذا المقطع :
... فلما أحسّ الرجل الغني الثري المترف بدنو الموتِ منه ،
طلبَ من بنيه وقد تجمعوا حوله ، أن يجمعوا له ماله كله بين يديه ،
لينظر إليه نظرة أخيرة !!
ففعلوا .. فإذا بين يديه كنوز متكدسة !!
فنظر الرجل إلى ما أشقى عمره في جمعه ، نظرات كسيرة حسيرة ،
ثم قال يخاطب هذه الكنوز التي يسيل لها اللعاب :
لعنك الله من مال !!!
نعم لعنك الله ، شغلتني عن عبادة ربي حتى نسيته بسببك ,
انشغلت بك عنه ، وأقبلت عليك متلهيا بك عما خلقني الله له ..!!
فصاح به المال قائلاً :
لماذا تسبني !؟ ومن أحق بالسب واللعن أنا أم أنت !؟
ألم تكن حقيرا وضيعا ، لولا أن الله سخرني لك ، فرفعك الناس !؟
يسرني الله سبحانه لك فأقبل عليك الخلق ، وقدموك وأكرموك ، وأجلوك ،
والتمسوا رضاك ، ولولا أني بين يديك ، ما تجاوزت قدرك ،
ولا عرفت هذا التكريم الذي كنت فيه !!؟
وبدلاً من أن تشكر الله الوهاب ، بطرت واغتررت وكفرت نعمة ربك عليك ،
ومضيت تتلهى بي في دنياك ، وتنظر إلى خلق الله نظرة استعلاء واحتقار ،
كأنهم من طينة وانت من طينة أخرى !!
ولعل من تحتقر يكون أفضل منك وأعلى منك منزلة عند الله ..!!
نسيت ربك الذي أعطاك وأكرمك ، وأعرضت عنه ،
متشاغلاًُ بسفاسف الدنيا وسفراتها ورحلاتها وملاهيها وشهواتها ..!!
حتى حين كنت تعطي وتمنح ، كانت رائحة المنّ تنضحُ من على شفتيك ،
وفي ثنايا كلامك !! وهذه سيئة لا طاعة !!!
وعطاء مردود عليك لا مقبول منك ..!!
ولو أنك أنفقتني في طاعة الله ، على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه ،
هل كنت سأتأبى عليك ، أو أمتنع عن ذلك !؟
لو كنت سخرتني فيما يقربك إلى الله هل كنت أستطيع أن أعارضك!؟
لو كنت جعلتني سببا في مزيد من القرب من ربك ، ألن يكون اليوم
_ يوم قبض روحك _ هو يوم عيدك وفرحتك ،
لأنك ستلقى الله وهو راضٍ عنك !؟
لكنك فتنت بي ، وفشلت في الاختبار فشلا ذريعاً ، واغتررت بحلم الله عليك ،
وصرفت نعمته فيما يسخطه عليك ،
فمن الملوم يا صاحبي ، أنا أم أنت !؟
ومن يستحق السب واللعن أنا أم أنت !؟
قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره !!!؟
وصمت المكان كله .. وقد فاضت عيون الرجل الغني ،
وأحس أنه ينتفض كالعصفور من كل خلية في كيانه ..
وعاد المال يتحدث في قوة :
وكما كنتُ سببا في سعادتك في دنياك الزائلة ،
وسببا في تمتعك خلال سنوات عمرك التي ولت كأنها طيف ،
فأبشر اليوم !!!!!
أبشر .. فإني سأكون سبب عذابك والنكال بك ، وسأريك الويلات !!!
أبشر بشرّ أيام تلقاها أمامك !!
فإني بين يديك أنتظر قدومك إلى القبر لأكون أول من يستقبلك بألوان من العذاب
تنسيك كل متعة تمتعت بها بسببي !!
سأكون عليك نيراناً تلظى !! وجمراً تتقلب عليه ، وتشوى به !!!
{.. وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
{يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ
هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ}
لقد كان بإمكانك أن تجعلني سببا لمزيد من سعادتك ورفعتك وتكريمك عند الله
في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، لو أنك كنت عاقلا فصرفتني فيما يحبه الله
ويرضاه على الوجه الذي يريد الله ويحب ..
ولكني لم أرك يوماً عاقلا طول أيامي معك ..!!
بل كنت في خفة عقل الفراشة ، وهي تهوي في النار تحسبها نورا !!!
ولا زال المال يقرع الرجل على هذا النحو ،
والرجل يبكي وينتفض حتى شهق ومات ، ونفق كما ينفق الحمار ... !!!
الله المستعان
__________________
ـــــــــــ التوقيع ــــــــــــ
أخوكم في الله / سعد بن حسين الشهري