
وجوب التفقه في الحديث
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وجوب التفقه في الحديث
((مجلة التمدن الإسلامي –19/529-530)) عام 1372هـ
بقلم : الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ
نرى كثيرا من كُتَّاب المجلات الإسلامية يوردون أحاديث و يرفعونها و ينسبونها إلى النبي صلى الله عليه و سلم دون أن يذكروا مصادرها من كتب السنة المطهرة، و عَلاَوةً على ذلك فإنهم يجزمون بعزوها إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، و قد تكون ضعيفةً أو موضوعةً، و إن منهم لمن يسود صفحات في شرح بعضها، و منهم من يحتج بما هو مقطوع عند المحقيقين من العلماء ببطلانها على مخالفة في رأيه و هو دخيل في الإسلام، كما وقع ذلك في بعض الأعداد الأخيرة من المجلة.
فإلى هؤلاء الأفاضل و أمثالهم من الخطباء و الوعاظ و المرشدين أسوق هذه الكلمة نصيحة و ذكرى :
لا يجوز للمسلم أن ينسب حديثاً ما إلى النبي صلى الله عليه و سلم إلا بعد أن يتثبت من صحته على قاعدة المحدثين، و الدليل على ذلك قوله صلى الله عيه و سلم : (( اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فَمَن كَذَبَ عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النَّار)) رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح كما في ((فيض القدير)).
و التثبت له طريقان :
الأول : أن ينظر الطالب في إسناده و رجاله و يحكم عليه بما تقتضيه قواعد علم الحديث و أصوله من صحة أو ضعف، دون أن يقلد إماماً معيناً في التصحيح و التضعيف، و هذا أمرٌ عزيز في هذا العصر، لا يكاد يقوم به إلا أفراد قلائل مع الأسف.
و الآخر : أن يعتمد في ذلك على كتاب خصَّه مؤلِّفَه بالأحاديث الصحيحة كالصحيحين و نحوهما، أو على أقوال المحقيقين من المحدثين كالإمام أحمد، و ابن معين، و أبي حاتم الرازي، و غيرهم من المتقدمين، و كالنووي، و الذهبي، و الزيلعي، و العسقلاني، و نحوهم من المتأخرين.
و هذه الطريق ميسرة لكل راغب في الحق، و لكنه يحتاج إلى شيء من الجهد في المراجعة و التنقيب عن الحديث، و هذا أمر لا بد منه، و لا ينبغي أن يصدف عنه من كان ذا غيرةٍ على دينه، و حريص على شريعته أن يدخلها ما ليس منها، و لذلك قال الفقيه ابن حجر الهيثمي في كتابه (( الفتاوى المدينية )) ( ص32) : (( و سئل ـ رضي الله عنه ـ في خطيب يرقى المنبر في كل جمعة ، و يروي أحاديث كثيرة، و لم يُبين مخرجيها و لا رواتها فما الذي يجب عليه ؟
فأجاب بقوله : ما ذكره من الأحاديث في خطبته من غير أن يبين رواتها أو ذكرها، فجائز بشرط أن يكون من أهل المعرفة في الحديث، أو ينقلها من [كتاب] مؤلفُه من أهل الحديث، أو من خُطب ليس مؤلفها كذلك، فلا يحل ذلك! و مَن فعله عُزِّر عليه التعزير الشديد، و هذا حال أكثر الخطباء، فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها و خطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلاً أم لا، فيجب على حُكَّام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك ...)).
ثم قال : (( فعلى هذا الخطيب أن يبين مستنده في روايته، فإن كان مستنداً صحيحاً، فلا اعتراض عليه، و إلا ساغ الاعتراض عليه، بل و جاز لولي الأمر أن يعزله من وظيفة الخطابة زجراً له عن أن يتجرأ على هذه المرتبة السَنيَّة بغير حق ..)).
محمد ناصر الدين الألباني
بواسطة كتاب (( مقالات الألباني )) ص25-26 لنور الدين طالب .