دارفور مرة أخرى .. رواية للتاريخ
دار فور التي اصر الوثنيون والنصارى ومن تحتهم اليهود على المشاركة في موضوعها ،
بينما بقي العرب في منأى عنها !! كأنها لاتعنيهم بأي شكل من الاشكال ! او انهم يجهلون تاريخها !!
انقسمت الاتصالات التي تلقيتها بعد نشر مقالي الأول بعنوان "دارفور أين الجامعة والمنظمات الإسلامية؟" بين شاكر لمثل هذا الموضوع الذي تجاهله العرب والمسلمون كثيرا,
والعجب العجاب أن الكثير لا يعرفون عن هذا النزاع الكثير بل استغرب البعض منهم ماهية المشكلة وتركيبتها الجيوسياسية بعد أن أوضح المقال أسباب النزاع. وقد رأى الكثرة الكثيرة أن على هذه البلاد وهي المحور الإسلامي العربي الأول واجبا كبيرا تجاه إخوتها تقوم به على خير ما يرام ،
إلا أن اجتهاد الاتحاد الإفريقي وتصارع القوى الكبرى على التدخل في هذه القضية والدخول إلى هذه المنطقة جعل العرب والمسلمين يقفون موقف المتفرجين.
وقد كان من أطرف ما تسلمت تعليقا على ذلك المقال مقال بعنوان "قصة أبيار علي وعلاقة ذلك بمنطقة دارفور في السودان" فقد بعث لي الأستاذ محمد عثمان سوداني الجنسية خطبة رائعة للدكتور صفوت حجازي في أحد المساجد المصرية والعهدة على الراوي, جاء في نصها ما يلي:
بسم الله والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد, قليل منا من قرأ تاريخنا ووعى هذا التاريخ, ونحن للأسف الشديد أمة لا تقرأ تاريخها, وإذا قرأنا هذا التاريخ فإننا ننساه ونتعامل معه على أنه ماض, والمهم أن ننظر إلى الحاضر والمستقبل.
سبب تسمية ميقات ذي الحليفة بأبيار علي .
وأظن أن الجميع يعرف المدينة المنورة, بل إن معظمنا ذهب إليها وسار في طرقاتها. ولعل بعضنا يعرف أبيار علي, وهي ميقات أهل المدينة المنورة الذي ينوي عنده ويحرم من أراد منهم الحج أو العمرة, وكانت تسمى في زمن النبي, صلى الله عليه وسلم, ذي الحليفة. ولعل البعض يظن أنها سميت أبيار علي نسبة لعلي بن أبي طالب, رضي الله عنه, وهذا غير صحيح, والصحيح أنها سميت بذلك نسبة لعلي بن دينار, وعلي بن دينار هذا جاء إلى الميقات عام 1898 حاجا (أي منذ نحو 100 عام) فوجد حالة الميقات سيئة, فحفر الآبار للحجاج ليشربوا منها ويطعمهم عندها, وجدد مسجد ذي الحليفة, ذلك المسجد الذي صلى فيه النبي, صلى الله عليه وسلم, وهو خارج للحج من المدينة المنورة وأقام وعمّر هذا المكان, ولذلك سمي المكان أبيار علي نسبة لعلي بن دينار.
تعقيب ثمين وسمين في رد لمشرفنا العزيز ابو مصعب :
( وجدت في موسوعة ابن فضل الله العمري المتوفى سنة 749هـ ( مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) ما يلي : " فأما ذو الحليفة فهو أبعد المواقيت، على عشر مراحل من مكة أو سبع منها، وهو بضم الحاء المهملة وفتح اللام، ومنها يحرم الآن الركب الشامي. وبها آبار تسمى آبار علي، وبعض الناس يقولون بئر المحرم:" )
مما يدل على قدم التسمية للميقات بآبار علي ،،،
من هو علي بن دينار؟
أتدرون من هو علي بن دينار هذا؟ إنه سلطان دارفور, تلك المنطقة التي لم نسمع عنها إلا الآن فقط لما تحدث العالم عنها, ونظنها أرضا جرداء قاحلة في غرب السودان, كانت منذ عام 1898 وحتى عام 1917 سلطنة مسلمة لها سلطان اسمه علي بن دينار, وهذا السلطان لما تقاعست مصر عن إرسال كسوة الكعبة أقام في مدينة الفاشر (عاصمة دارفور) مصنعا لصناعة كسوة الكعبة, وظل طوال 20 عاما تقريبا يرسل كسوة الكعبة إلى مكة المكرمة من الفاشر عاصمة دارفور. وإذا كنا في مصر نفخر ونشرف بأننا كنا نرسل كسوة الكعبة وكان لنا في مكة التكية المصرية فإن دارفور لها مثل هذا الفخر وهذا الشرف.
هذه الأرض المسلمة تبلغ مساحتها ما يساوي مساحة جمهورية فرنسا, ويبلغ تعداد سكانها ستة ملايين نسمة, ونسبة المسلمين منهم تبلغ 99 في المائة (أي أن نسبة المسلمين في دارفور تفوق نسبتهم في مصر), والذي لا تعرفونه عنها أن أعلى نسبة من حملة كتاب الله, عز وجل, موجودة في بلد مسلم هي نسبتهم في دارفور, إذ تبلغ هذه النسبة ما يزيد على 50 في المائة من سكان دارفور, يحفظون القرآن عن ظهر قلب حتى أن مسلمي إفريقيا يسمون هذه الأرض "دفتي المصحف". وكان في الأزهر الشريف حتى عهد قريب رواق اسمه "رواق دارفور"، كان أهل دارفور لا ينقطعون أن يأتوه ليتعملوا في الأزهر الشريف.
وأصل المشكلة هناك أن دارفور تسكنها قبائل من أصول عربية تعمل بالزراعة, وقبائل من أصول إفريقية تعمل بالرعي. وكما هو الحال في صحراوات العالم أجمع يحدث النزاع بين الزراع والرعاة على المرعى والكلأ, وتتناوش القبائل بعضها مع بعض في نزاع قبلي بسيط, تستطيع أي حكومة أن تقضي عليه, غير أن هذا لم يحدث في السودان بل تطور الأمر لما تسمعونه وتشاهدونه الآن..
لماذا كل هذا؟
لأن السودان هي سلة غذاء العالم في إفريقيا, لأن السودان هي أغنى وأخصب أراضي العالم في الزراعة, لأن السودان اكتشف فيها أخيرا كميات هائلة من البترول, ومثلها من اليورانيوم في شمال دارفور, فلو استقر السودان المسلم لحل الأمن والرخاء والسخاء في المنطقة كلها, ولأصبحت السودان ملجأ وملاذا للمسلمين والعرب أجمعين. ولهذا لم يرد أعداء الإسلام لهذه المنطقة أن تنعم بالاستقرار ولا أن تعتمد على نفسها, فماذا يفعلون؟ يشعلون النزاعات في أنحاء البلاد ليصلوا بالأمر إلى تقسيم هذه الأرض إلى أربع دويلات.. دولة في الغرب "تسمى دارفور", دولة في الشرق, دولة في الجنوب, ودولة في الشمال (في جنوب مصر). لقد نفذوا خطتهم هذه فعلا في الجنوب ودب النزاع بين الشمال والجنوب وأقروا أن حق تقرير المصير بانفصال أهل الجنوب سينفذ بعد خمس سنوات من الآن. وبعد أن تم لهم ما أرادوه في الجنوب التفتوا إلى الغرب وأشعلوا فيه نار الفتنة والخلاف سعيا وراء حق تقرير المصير هناك أيضا, وأؤكد لكم أن النزاع سيصل إلى الشرق عن قريب, وسيكون حق تقرير المصير هو الحل أيضا, وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله.
وأذكر لكم قصة الجنوب.. إن نسبة المسلمين في جنوب السودان نحو 16 في المائة ونسبة النصارى 17 في المائة, أي أن الفارق 1 في المائة فقط, والباقي من السكان وثنيون. فأي تقرير مصير هذا الذي ينادون به؟
السر في هذا يا إخوتي في الله
أنهم يأملون في نجاح حركات التنصير في ضم 5 في المائة من السكان إلى النصرانية خلال السنوات الخمس المقبلة, وعلى هذا سترتفع نسبتهم إلى 23 في المائة, وهم في سبيلهم هذا يعتمدون على قعود المسلمين عن الدعوة لدينهم وزيادة أعدادهم في الجنوب.
أعرفتم الآن يا إخوتي لماذا يذهب كارتر رئيس مجلس الكنائس العالمي إلى الجنوب دائما؟ للإشراف على تنفيذ هذا المخطط. أما في دارفور فلم يعتمدوا هناك على التنصير ولكن على مجموعة من ضعاف النفوس من محبي الزعامة والرئاسة الذين يتطلعون إلى كراسي الحكم والسلطان, فربوهم في ديارهم وعلموهم في معاهدهم وجامعاتهم, فإذا عادوا إلى بلادهم نادوا بالتحرر والانفصال, وأصبحوا قادة لحركات التمرد. واستغلوا الفقر والجوع والخلاف بين قبائل المسلمين على الكلأ والمرعى, وصوروه للعالم على أنه صراع سياسي. وبدأت المعونة والطعام والكساء تصل إلى دارفور.. أتدرون أن 13 وزيرا من وزراء أوروبا وأمريكا ذهبوا إلى دارفور في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط؟ وأن آخر زوار دارفور وزير الخارجية الأمريكي؟ وما دارفور هذه لتتحرك لها وزارة الخارجية الأمريكية؟ في حين لم تتحرك جامعة الدول العربية ولا منظمة المؤتمر الإسلامي .. ولو أن كل مسلم من المليار مسلم تبرع بجنيه مصري واحد لأصبحت السودان جنة من جنات الأرض .. ولكن ما من تحرك ولا تفاعل ولا حتى شجب أو استنكار بل تقاعس وصمت رهيب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها الشباب الذي يسألنا صباح مساء أن يذهب إلى العراق طلبا للشهادة .. أيها الشباب الذي يعلق المسؤولية في أعناق الحكومات أنها أغلقت أبواب الجهاد في وجوههم اسمعوا مني: لا تذهبوا إلى العراق لتموتوا شهداء هناك, واذهبوا للدعوة وموتوا في جنوب السودان وفي دارفور.
أيها الشباب الذي يسألنا هل يجوز العمل في العراق المحتل؟ اذهبوا واعملوا في جنوب السودان وغربه ولو بقروش قليلة وكونوا مبشرين بالإسلام.
- د. عبد الله إبراهيم الحديثي
صحيفة الاقتصادية 4612الأحد 1/5/1427 هـ