
الــــكــــذب ... أنـــــواع ... ومـــظـــاهـــر ( 2 )
يا أهلا وسهلا ... ويا مرحبا بك
بين يديك الآن ـ أخي الحبيب ـ الموضوع الثاني
والذي يحمل عنوان
[ الكذب ..... مظاهر ...... وأنواع ]
وقد طرح الموضوع الأول في هذا المجلس المبارك ، وبين يديك وأمام عينيك تكملته
فمن مظاهر الكذب وأنواعه:
الكذب للمفاخرة في إظهار الفضل على الأقران والأصدقاء والزملاء والجلاس والأصحاب
كمن يدعي العلم , ويظهر الفضل , ويتشدق بكثرة الأعمال الخيرية , والإحسان إلى الناس
وأنه فعل كذا وكذا ، وعنده كذا وكذا ، وأنقذ فلان من موقف كذا وكذا ، وكان له أياد بيضاء في
كذا وكذا ، وتراه يسرد من الكذب للمفاخرة وسد النقص الذي يجده في نفسه ما يجعل السامع يمل من كلامه
كل ذلك ليشار إليه ، ويقال عنه ، ويثنى عليه ، وللأسف أن كثير من الناس يعرفون أمثال هذا المتشدق
والكذاب وأنه صاحب دجل وخرافات ، وأنه يبني حياته وكلامه وسواليفه على كذب ، ولكنهم يجاملون
ويضحكون وبعضهم يقول ـ يا رجل خليها تمش ـ أقول ومتى مشت وقامت وبنيانها وقواعدها كذب؟!
{ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام }
وهو شديد العداوة والخصومة ، والله إن المسلم الصادق ليتقي شر بعضهم من حين تراه ، فلا تحب تسمع له
ولا تجلس معه ، وإن اضطررت لذلك ، فسرعان ما تريده أن يسكت ، بل قد تقول في نفسك هذا الذي ذكره
المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله
" المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " رواه البخاري ومسلم
والمتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان ، ومعناه هنا: أنه يظهر أنه حصل له فضيلة ومكانة وشيء
ما ، وما حصل على شيء من ذلك
" ولابس ثوبي زور "
وهو الذي يزور على الناس ، بأن يتزيين بزي أهل الزهد أو اعلم أو الثروة أو غير ذلك ، كل ليغتر به الناس
ويحسبونه أهلا لذلك ، وما هو متصف بأي صفة مما يدعيه ، وهذا كذبه مضاعف ، وجرمه عظيم ، لأنه كذب
على نفسه بما لم يأخذ ، وكذب على غيره ، ثم إنه لبس لباس غيره ولم يكن فيه أو له أصلا ، وصدق الله
إذ يقول { ألا إنهم هم الكاذبون } وقوله { وإنهم لكاذبون }
ومن مظاهر الكذب:
الكذب على المخالفين: تشفيا منهم , ونكاية بهم ، فيلصق بهم التهم , ويغري بهم أصحاب المناصب
وأرباب الولايات والقرار النافذ , ومن له السلطة والمكانة ، فتراه يكذب في تقاريره اليومية والشهري
والسنوية ، ويلفق ويختلق ما يترقى به على أكتاف هؤلاء ، أو يتقرب ويعجب الآخرين ، ينشر قالة السوء
عن المؤمنين ، ويشيع عن ما ليس بهم ، وهذه والله قمة الخيانة والكذب والافتراء والأذى ، قال الله
{ والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا }
قال بن كثير ـ رحمه الله ـ " ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه
{ فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا }
وهذا هو البت البين أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه ، على سبيل العيب والتنقص
لهم " وقد يكون هذا الأذى مقرون بحسد وحب تشفٍ ، فيصرف الناس عنهم ، ويشككهم فيهم ، وفي
إخلاصهم وصدقهم وأخلاقهم وجدارتهم وإنتاجهم ، وحسن استقامتهم وتعاملهم وانضباطهم ، وهذا لا حيلة
فيه إلا أن يهديه الله ، أو يصيبه بعذاب من عنده ، أو تأتيه سكرة الموت بالحق ، فيستريح الناس منه
ولله در القائل: لــي حــيلـة في مــــــن يـنــــ >>> <<<ــم ولـيـس فـي الكــذاب حــيـلــــة
مـن كـان يـخـلـق مــــا يـقـــــ >>> <<< ــول فـحـيـلـتـي فــيـه قــلـيـلــــة
وينبغي لمن ولي أمرا أو أتمن على من أمور إخوانه المسلمين وجاءه من ينم أو يكذب أو ينقل إليه خبرا
شفويا أو خطيا أو ما شابه ذلك أن يتثبت ويتحرى ويبرئ ذمته أمام الله ويراعي أهل الحق في إعطائهم
حقهم غير مبخوس ولا منقوص ، وليكن منهجه منهج الأنبياء والرسل ، فهذا سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ
لما تفقد الطير ووجد الهدهد غائبا ثم جاءه بخبر سبأ قال سليمان
{ سننظر أصدقت أم كنت منة الكاذبين }
سنتأمل ونبحث في الخبر أكنت صادقا فيه أم كنت من الكاذبين؟
{ اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون }
ونبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما أذن للمنافقين عندما استأذنوه في التخلف عن غزوة تبوك وأذن
لهم قال له الله عز وجل { عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين }
هذا هو المنهج الشرعي
{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } وفي قراءة { فتثبتوا }
من هؤلاء الفسقة والواشين والباهتين غيرهم ، وما أكثرهم في عصرنا الحاضر لا كثرهم الله
فكم ظلم بسببهم من ظلم !!!
وكم حرم بسببهم من منصبه ومكانته من حرم!!!
وكم أوذي وتشوهت صورته بسببهم!!!
ولكن عزاء الجميع فيهم قول الله ـ عز وجل ـ
{ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون }
وقوله { فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا }
وقول الحبيب ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال لأصحابه ـ رضي الله عنهم ـ
"أي الربا أربى عند الله؟"
قالوا: الله ورسوله أعلم
قال: " أربى الربا عند الله استحلال عرض امريء مسلم " ثم قرأ { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات ....}
رواه البيهقي في شعب الإيمان ، وذكره ابن كثير عند تفسيره للآية السابقة.