
وللدكتور عبد الرحمن العشماوي كلمة ... " موتُ صدّام وخَبْطُ العَشْواء " ...
موتُ صدّام وخَبْطُ العَشْواء
عبدالرحمن صالح العشماوي

ما نزال نرى آثار التخبُّط في مواقف كثير من المسلمين تجاه بعض الأحداث الكبرى التي تجري، تخبُّطاً يدلُّ على مشكلة في الفهم الشرعي لتلك الأحداث، ولكثير من جوانب الحياة، وهنا نتساءل: أين تذهب الدروس والمواعظ والمحاضرات الشرعية التي تُقدّم في الجامعات والمساجد وبعض القنوات الفضائية. وأين تذهب آلاف الكتب والمراجع الدينية ومجموعات الفتاوى الشرعية الكثيرة الموجودة في متناول الناس؟ وكيف تغيب عن كثير من المسلمين بعض الجوانب الشرعية الواضحة؟ وأين دور الأسرة المسلمة في إكمال هذا النقص الموجود في حياة أفرادها رجالاً ونساءً.
إنّ المتابع لما كُتب وقيل ونُشر عن (نهاية الرئيس العراقي صدّام حسين) ليُوحي بنقصٍ كبيرٍ عند كثير من المسلمين في فهم الضوابط الشرعية المتعلقة بمثل هذه الحالة، ولربما عَذَرنا عامة الناس والمنفعلين من الشباب إذا رأينا منهم خروجاً على التصوّر الإسلامي الصحيح في التعامل مع مثل هذا الحدث، لِعِلْمنا بأن التسرّع والاستسلام للعواطف التي يصعب ضبطها هو السبب في هذا الخروج، ولكن ماذا نقول لبعض العلماء والمفكرين والمثقفين الذين يخبطون خَبْط عشواء في هذا الموضوع وما شابهه.
آراء متضاربة، ومواقف مضطربة حيال هذا الحدث الكبير، فهنالك من حكم على الرجل بالشقاء الأبدي وفتح له طريقاً إلى النار، وهناك من جعله رمزاً للعدل والخير وفتح له طرقاً إلى الجنة، وقليلٌ مَنْ اتخذ طريقاً وسطاً في الحكم على (صدّام) بعد أنْ نُفِّذ فيه حكم الإعدام بصورته المزعجة التي حدثت.
وهنالك توظيف غير صحيح لكثير من النصوص الشرعية في هذه القضية، فالذين حكموا له حكماً صارماً بالشهادة ودخول الجنّة يستشهدون بالأحاديث الصحيحة التي تفيد أنّ من كان آخر كلامه النطق بالشهادتين من أهل الجنة، ناسين أن حكمنا البشري في هذه المسألة يكون حكماً عاماً كما دلّ على ذلك الحديث، وأما الحكم الخاص لشخصٍ معيّن بأنه من أهل النّار أو الجنة فهذا مقطوع شرعاً بعدم جوازه، بل الوعيد في ذلك شديد لأنه من باب التألّي على الله بما لا نعلم، ولكننا نرجو الخير لمن مات مسلماً ونكل أمره إلى الذي يعلم السرّ وأخفى.
وفي صحيح البخاري من حديث أم العَلاء التي قالت عن عثمان بن مظعون رضي الله عنه لما مات وهي تعرف تقواه وصلاحه: رحمك الله أبا السائب فأنا أشهد عليك بأن الله قد أكرمك، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسمع ما تقول: فقال لها: وما يدريك أن الله قد أكرمه، فقالت: بأبي أنت يا رسول الله، فمَنْ يُكرمُه الله إذن؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أما هو فقد جاءه اليقين، وإني لأرجو له الخير، وإني لرسول الله ولا أدري ما يُفْعَل بي، فقالت أم العَلاء: والله لا أزكِّي بعده أحداً أبداً.
العدل والنظرة الموضوعية مطلوبة في مثل هذه الأحداث، ولا شك أن طريقة قتل الرجل كانت شنيعة وفيها من التشفّي والحقد ما رآه الناس واضحاً، وفيها من اختيار الزمان ما لا يخفى مقدار الخطأ الكبير فيه، ولكن ذلك لا يعني الحكم الصارم للرجل أو عليه بهذه الصورة التي رأيناها وما نزال نراها، ولا يصح أن يكون شعورُنا بالنَّفَس الطائفي في قتله داعياً لنسيان ما جناه على العراق وأهله مما لا يخفى على منصفٍ وأنْ ننتقل من النقيض إلى النقيض بهذه الصورة المزعجة التي تدلُّ على أنّ أمتنا ما تزال تعاني من إسرافٍ عاطفي لا يجلب لها إلا الضياع، ولا يمكن أن يتيح لها فرصة الصمود والمواجهة لأعدائها البعيدين والقريبين الذين يخططون لها بهدوء، ويقتلون أحلامها بدماءٍ باردة مستفيدين من تخبُّطِها وإسرافها العاطفي الخطير.
إننا نفرح بتوبة الإنسان، فذلك منهج إسلامي أصيل، ولكنّ هذا الفرح لا يجعلنا نخلط الحقّ بالباطل ونجاوز الحدَّ في التزكية التي لا تجوز.
.
__________________