
قواعد في الحب والبغض في الله
المحمود الله جل جلاله ، والمصلى عليه محمد وآله ، والمدعو له الإسلام ورجاله ، وبعد :0
علينا أن نفرق بين بغض الكفار ومعاداتهم ، وبين البر والاقساط ، فبعض الناس يخلطُ بين الأمرين ، فيجعل البر والعدل مع الكفار محبةً لهم ، وعكسَ بعض الناس المسألة ، فربما ظلمَ الكافر باسم العداوة له .
فلمتعين أن نبغض الكفار ؛ لأن الله أمرنا أن نبغضهم ، ولكن لا نظلمهم ، فق قال تعالى : ( ولا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ( الممتحنة : 8 )
يقول القرافي في كتابه ( الفروق ) لما فرقَ بين مسألة بُغضهم ، ومراعاة البر والاقساط قال : " وسرُّ الفرق أنَّ عقد الذمة يوجبُ حقوقاً علينا لهم ؛ لآنهم في جوارنا ، فيتعين علينا برهم في كل أمر لا يكون ظاهره يدل على مودةٍ في القلب ، ولا تعظيم شعائر الكفر ، فمتى أدَّى إلى أحد هذين ، امتنع وصار من قبل ما نهى عنه في الآية " .
بعض الناس يقول نحن إذا بغضنا النصارى ناصبناهم العداء – مثلاً – هذا يؤدي إلى نفرتهم عن الإسلام وبغضهم له .
وليس الأمر كذلك ، فإن الله تعالى أرحم الراحمين ، وهو سبحانه أحكم الحاكمين ، حيث شرع بغض الكفارِ وعداوتهم ، فلا يتوهم أن تحقيق شعيرة البرءاةِ من الكافرين يؤول إلى النفرة عن الإسلام ، بل إنَّ الالتزامَ بهذه الشريعة – وسائر شعائر الاسلام – سببٌ في ظهور الإسلامِ وقبوله ، كما وقع في القرون المفضلة .
جاء في سيرة ابن هشام أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : " ومن ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه " فوثب حويصة بن مسعود على ابن سُنَينَة رجلٌ من تجار اليهود يبايعهم ، فقتله ، وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم ، وكان أسنّ من محيصة ، فلما قتله جعل حويصةُ يضربه ويقول : أي عدوُّ الله أقتلته ؟ أما والله لربَّ شحم في بطنك من ماله ، قال محيصة : فقلت له : والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لضربتُ عُنُقك ، قال فوالله إن كان لأول إسلام حويصة ، قال : آلله أمرك محمد بقتلي لقتلتني ؟ قال : نعم ، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها ، قال : والله إنَّ ديناً بلغَ بك هذا لَعجَبٌ ، فأسلم حويصة "
وهانحن نرى الكثير من المسلمين – في هذا العصر – وقد ارتموا في احضان الكفار ، وأحبُّوهم وداهنوهم ، ولم يكن ذلك سبباً في إسلامهم ، بل إمتهن الكفار أولئك القوم ، وزادوا عتواً ونفوراً عن الإسلام وأهله .
وأمر آخر : أن تحقيق هذا الأصل سببٌ في إسلامهم ، كما كان اليهودُ والنصارى يدفعون الجزية للمسلمين عن صغارٍ وذلة ، فكان هذا سبباً في أن ينظروا إلى الإسلام ، ويسلموا من أجل أن تسقط عنهم الجزية .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( مثل الآصار والاغلال التي على أهلِ الكتاب ، وأذلال المسلمين لهم ، وأخذ الجزية منهم ، فهذه قد تكون داعياً له إلى أن ينظر في اعتقاده ، هل هو حقٌّ أم باطل ، حتى يتبين له الحق ، قد يكونُ مرغباً له في اعتقاد يخرج به من هذا البلاء ، وكذلك قهرَ المسلمين عدوهم بالأسر ، يدعوهم للنظر في محاسن الإسلام )
البعض يقول : إن الكفار تغيروا ، فليسوا كالكفار الأوائل ، نقول : هذا غير صحيح ، فالكفارُ هم الكفار ، وهم أعداؤنا في القديم والحديث ، والله تعالى ذكر في ذلك حكماً عاماً فقال : ( لا يرقبون في مؤمنٍ إلاًّ ولا ذِمَّةَ ) سورة التوبة آية رقم (10) .
البعضُ يحبُ في الله ، لكن تكونُ هناك شائبة ، فعندما يتفقدُ نفسهُ يجدها تحبُّ لأجل دنيا أو تبغض لأجل دنيا.
مثال : رجلٌ يقول : أنا أبغضُ فلاناً النصراني في الله ، لكن عندما تبحث في أصلِ البغض تجدهُ يبغضهُ لأجل حظٍ أو أثرةٍ ، فينبغي أن يمحصَ الحبُّ في الله والبغضُ في الله ، بأن يكون خالصاً لله وحده .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:" من أحب إنساناً لكونه يعطيهِ فما أحب إلا العطاء ، ومن قال إنَّهُ يحبُ من يعطيهِ لله فهذا كذبٌ ومحالٌ وزرٌ من القول ، وكذلك من أحبَّ إنساناً لكونه ينصره إنما أحب النصر لا الناصر ، وهذا اتباع لما تهوى الأنفس ، فإنَّه لم يحب في الحقيقة إلاَّ ما يصلُ إليه من جلب منفعةٍ أو دفع مضرةٍ ، فهو إنما أحب تلك المنفعة ودفع المضرة ، وليس هذا حباً لله ولا لذاته المحبوب ، وعلى هذا تجري عامةُ محبة الخلقِ بعضهم مع بعض ، لا يُثابون عليه في الآخرة ولا ينفعهم ، بل رُبما أدَّى هذا للنفاقِ والمدهنةِ ، فكانوا في الآخرة من الأخلاء الذين بعضهم لبعض عدو إلاَّ المتقين ، وإنما ينفعهم في الآخرة الحبُّ في الله ولله وحده . وأمَّا من يرجو النفعَ والضر من شخصٍ ثُمّ يزعمُ أَنَّهُ يحبهُ لله ، فهذا من دسائسِ النفوسِ ونفاقِ الأقوال ).