
مشاكل الأمّة و كيفية معالجتها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمـــــــــــــــــــد لله رب العالمين.
و أصلّي وأسلّم على من بُعث رحمــــــــــــــــة للعالمين
و على آله وأصحابــــــــــــــــــــه أجمعين.
وبعــــــــــــــــــد..
قال رحمه الله في سياق تفسيره لقول الله تبارك و تعالى:
(إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). الآية
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ : هَدْيُهُ إِلَى حَلِّ الْمَشَاكِلِ الْعَالَمِيَّةِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، وَنَحْنُ دَائِمًا فِي الْمُنَاسَبَاتِ نُبَيِّنُ هَدْيَ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ إِلَى حَلِّ ثَلَاثِ مُشْكِلَاتٍ ، هِيَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُعَانِيهِ الْعَالَمُ فِي جَمِيعِ الْمَعْمُورَةِ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ ، تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرِهَا :
الْمُشْكِلَةُ الْأُولَى : هِيَ ضَعْفُ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا فِي الْعَدَدِ وَالْعِدَدِ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكُفَّارِ، وَقَدْ هَدَى الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ إِلَى حَلِّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةِ بِأَقْوَمِ الطُّرُقِ وَأَعْدَلِهَا ، فَبَيَّنَ أَنَّ عِلَاجَ الضَّعْفِ عَنْ مُقَاوَمَةِ الْكُفَّارِ إِنَّمَا هُوَ بِصِدْقِ التَّوَجُّهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ،وَقُوَّةِ الْإِيمَانِ بِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ قَوِيٌّعَزِيزٌ ، قَاهِرٌ لِكُلِّ شَيْءٍ ، فَمَنْ كَانَ مِنْ حِزْبِهِ عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَغْلِبَهُ الْكُفَّارُ وَلَوْ بَلَغُوا مِنَ الْقُوَّةِ مَابَلَغُوا.
فَمِنَ الْأَدِلَّةِ الْمُبَيِّنَةِ لِذَلِكَ : أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا ضَرَبُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ الْحِصَارَ الْعَسْكَرِيَّ الْعَظِيمَ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ ،الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)[33 \ 10 - 11] ، كَانَ عِلَاجُ ذَلِكَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا ، فَانْظُرْ شِدَّةَ هَذَا الْحِصَارِالْعَسْكَرِيِّ وَقُوَّةَ أَثَرِهِ فِي الْمُسْلِمِينَ ، مَعَ أَنَّ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُقَاطِعُوهُمْ سِيَاسَةً وَاقْتِصَادًا ، فَإِذَاعَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْعِلَاجَ الَّذِي قَابَلُوا بِهِ هَذَاالْأَمْرَ الْعَظِيمَ ، وَحَلُّوا بِهِ هَذِهِ الْمُشْكِلَةَ الْعُظْمَى ، هُوَ مَابَيَّنَهُ جَلَّ وَعَلَا (فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ) بِقَوْلِهِ: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًاوَتَسْلِيمًا) [33 \ 22] . فَهَذَا الْإِيمَانُ الْكَامِلُ ، وَهَذَا التَّسْلِي مُالْعَظِيمُ لِلَّهِ جَلَّ وَعَلَا ، ثِقَةً بِهِ ، وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ ، هُوَسَبَبُ حَلِّ هَذِهِ الْمُشْكِلَةِ الْعُظْمَى . وَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ تَعَالَى بِنَتِيجَةِ هَذَاالْعِلَاجِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَىكُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [33 \ 25 ، 26 ، 27] .وَهَذَا الَّذِي نَصَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ عَلَى عَدُوِّهِمْ مَا كَانُوا يَظُنُّونَهُ ، وَلَا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُنْصَرُونَ بِهِ وَهُوَ الْمَلَائِكَةُ وَالرِّيحُ ، قَــــــــــــالَ تَعَالَى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْجَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) [33 \ 9] ، وَلَمَّا عَلِمَ جَلَّ وَعَلَا مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِالرِّضْوَانِ الْإِخْلَاصَ الْكَامِلَ ، وَنَوَّهَ عَنْ إِخْلَاصِهِمْ بِالِاسْمِ الْمُبْهَمِ الَّذِي هُوَ الْمَوْصُولُ فِي قَوْلِهِ: (لَقَدْرَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِفَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)[48 \ 18] : أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ ، كَانَ مِنْ نَتَائِجَ ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَافِي قَوْلِهِ : (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَاللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا) [48 \ 21] ، فَصَرَّحَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُواعَلَيْهَا ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَحَاطَ بِهَا فَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ مِن ْنَتَائِجِ قُوَّةِ إِيمَانِهِمْ وَشِدَّةِ إِخْلَاصِهِمْ .
فَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْإِخْلَاصَ لِلَّهِ وَقُوَّةَ الْإِيمَــــــــــــانِ بِهِ ، هُوَ السَّبَبُ لِقُدْرَةِ الضَّعِيفِ عَلَى الْقَوِيِّ وَغَلَبَتِهِ لَهُ: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍغَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) [2 \ 249] ، وَقَوْلُهُ تَعَــــــالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ : (لَمْتَقْدِرُوا عَلَيْهَا) [48 \ 21] فِعْلٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَالْفِعْلُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ عَلَى التَّحْقِيقِ ، كَمَاتَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ ، وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْفِعْلَ الصِّنَاعِيَّ - «أَعْنِي الَّذِي يُسَمَّى فِي الِاصْطِلَاحِ فِعْلَ الْأَمْرِ أَوِ الْفِعْلَالْمَاضِيَ أَوِ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ» - يَنْحَلُّ عِنْدَ النَّحْوِيِّينَ وَبَعْضِ الْبَلَاغِيِّينَ عَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِقَوْلِهِ : الْمَصْدَرُ اسْمُ مَا سِوَى الزَّمَانِ مِنْ ..
..مَدْلُولَيِ الْفِعْلِ كَأَمْنٍ مِنْ أَمِنْ
وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْبَلَاغِيِّــــــينَ يَنْحَلُّ..
..عَنْ مَصْدَرٍ وَزَمَنٍ وَنِسْبَــــــــــةٍ ،
وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا حَرَّرَهُ بَعْضُ الْبَلَاغِيِّينَ ، فِي بَحْثِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ.
فَالْمَصْدَرُ إِذَنْ كَامِنٌ فِي مَفْهُومِ الْفِعْلِ إِجْمَاعًا ، فَيَتَسَلَّطُ النَّفْيُ الدَّاخِلُ عَلَىالْفِعْلِ عَلَى الْمَصْدَرِ الْكَامِنِ فِي مَفْهُومِهِ ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى نَكِرَةٌ ، إِذْ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ يَجْعَلُهُ مَعَرِفَةً ، فَيُؤَوَّلُ إِلَى مَعْنَى النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ ، وَهِيَ مَنْ صِيَغِ الْعُمُومِ . فَقَوْلُهُ : (لَم ْتَقْدِرُوا عَلَيْهَا) [48 \ 21]
فِي مَعْنَى : لَا قُدْرَةَ لَكُمْ عَلَيْهَا ، وَهَذَا يَعُمُّ سَلْبَ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ ; لِأَنَّ النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِ السَّلْبِ وَشُمُولِهِ لِجَمِيعِ الْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعُنْوَانِ .
كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي مَحَلِّهِ .
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا مَسْلُوبٌ عَنْهُمْ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَلَا أَحَاطَ بِهَا فَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهَا ، لِمَا عَلِمَ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِخْلَاصِ فِي قُلُوبِهِمْ
(وَإِنَّ جُنْدَنَالَهُمُ الْغَالِبُونَ) [37 \ 173] .
الْمُشْكِلَةُ الثَّانِيَةُ :هِيَ تَسْلِيطُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَأَنْوَاعِ الْإِيذَاءِ ، مَعَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْحَقِّ ، وَالْكُفَّارَ عَلَى الْبَاطِلِ .وَهَذِهِ الْمُشْكِلَةُ اسْتَشْكَلَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،فَأَفْتَى اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِيهَا ، وَبَيَّنَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ بِفَتْوَى سَمَاوِيَّةٍ تُتْلَى فِي كِتَابِهِ جَلَّ وَعَلَا .وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ مَا وَقَعَ بِالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ : فَقُتِلَ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَابْنُ عَمَّتِهِ ، وَمُثِّلَ بِهِمَا ، وَقُتِلَ غَيْرُهُمَامِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَقُتِلَ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ ، وَجُرِحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشُقَّتْ شَفَتُهُ ، وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ ، وَشُجَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
اسْتَشْكَلَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ ، وَقَالُوا : كَيْفَ يُدَالُ مِنَّا الْمُشْرِكُونَ وَنَحْنُ عَلَى الْحَقِّ وَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ ؟فَأَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ تَعَالَى مُبِينا: (أَوَلَمَّاأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) [3 \ 165]
.وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) ،فِيهِ إِجْمَالٌ بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا - إِلَى قَوْلِهِ - لِيَبْتَلِيَكُمْ) [3 \ 152] .
فَفِي هَذِهِ الْفَتْوَى السَّمَاوِيَّـــــــــــــةِ بَيَانٌ وَاضِحٌ ; لِأَنَّ سَبَبَ تَسْلِيطِ الْكُفَّارِعَلَى الْمُسْلِمِينَ هُوَ فَشَلُ الْمُسْلِمِينَ ، وَتَنَازُعُهُمْ فِي الْأَمْرِ ،وَعِصْيَانُهُمْ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِرَادَةُبَعْضِهِمُ الدُّنْيَا مُقَدِّمًــــــــــا لَهَا عَلَى أَمْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي سُورَةِ «آلِ عِمْرَانَ» وَمَنْ عَرَفَ أَصْلَ الدَّاءِ عَرَفَ الدَّوَاءَ ، كَمَا لَا يَخْفَى .
الْمُشْكِلَةُ الثَّالِثَةُ :هِيَ اخْتِلَافُ الْقُلُوبِ الَّذِي هُوَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ فِي الْقَضَاءِ عَلَى كِيَانِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، لِاسْتِلْزَامِهِ الْفَشَلَ ، وَذَهَابَ الْقُوَّةِ وَالدَّوْلَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (وَلَا تَنَازَعُوافَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) [الْآيَةَ 8 \ 46] .وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ «الْأَنْفَالِ» .
فَتَرَى الْمُجْتَمَعَ الْإِسْلَامِيَّ الْيَوْمَ فِي أَقْطَارِ الدُّنْيَا يُضْمِرُبَعْضُهُمْ لِبَعْضِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ ، وَإِنْ جَامَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّهَا مُجَامِلَةً ، وَأَنَّ مَاتَنْطَوِي عَلَيْهِ الضَّمَائِرُ مُخَالِفٌ لِذَلِكَ .
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى فِي سُورَةِ «الْحَشْرِ» أَنَّ سَبَبَ هَذَا الدَّاءِ الَّذِي عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى إِنَّمَا هُوَ ضَعْفُ الْعَقْلِ ; قــــــــَالَ تَعَالَى : (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى)[59 \ 14] ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِلَّةَ لِكَوْنِ قُلُوبِهِمْ شَتَّى بُقُولِهِ : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ) [59 \ 14] ، وَلَا شَكَّ أَنَّ دَاءَ ضَعْفِ الْعَقْلِ الَّذِي يُصِيبُهُ فَيُضْعِفُهُ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ ، وَتَمْيِيزِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ ،وَالنَّافِعِ مِنَ الضَّارِّ ، وَالْحَسَنِ مِنَ الْقَبِيحِ ، لَا دَوَاءَ لَهُ إِلَّا إِنَارَتُهُ بِنُورِ الْوَحْيِ ; لِأَنَّ نُورَ الْوَحْيِ يَحْيَا بِهِ مَنْ كَانَ مَيِّتًا وَيُضِيءُ الطَّرِيقَ لِلْمُتَمَسِّكِ بِهِ ، فَيُرِيهِ الْحَقَّ حَقًّا وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا ، وَالنَّافِعَ نَافِعًا ، وَالضَّارَّ ضَارًّا ،قَــــــــــــالَ تَعَالَى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ..) [6 \ 122]
وَقَــــــــــــــالَ تَعَالَى : (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) [2 \ 257] وَمَنْ أُخْرِجَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أَبْصَرَ الْحَقَّ ; لِأَنَّ ذَلِكَ النُّورَ يَكْشِفُ لَهُ عَنِ الْحَقَائِقِ فَيُرِيهِ الْحَقَّ حَقًّا ، وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا ،
وَقَـــــــــــالَ تَعَالَى : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [67 \ 22] ،
وَقَــــــــــالَ تَعَالَى : (وَمَايَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ وَلَاالظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ)[35 \ 19 - 22] ،
وَقَـــــــــــــالَ تَعَالَى : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا)الْآيَةَ [11 \ 24] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يُكْسِبُ الْإِنْسَانَ حَيَاةً بَدَلًا مِنَ الْمَوْتِ الَّذِي كَانَ فِيهِ ، وَنُورًا بَدَلًا مِنَ الظُّلُمَاتِ الَّتِي كَانَ فِيهَا .
وَهَذَا النُّورُ عَظِيمٌ يَكْشِفُ الْحَقَائِقَ كَشْفًا عَظِيمًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ- إِلَى قَوْلِهِ: وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍعَلِيمٌ) [24 \ 35] ، وَلَمَّا كَانَ تَتَبُّعُ جَمِيعِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ يَقْتَضِي تَتَبُّعَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَجَمِيعِ السُّنَّةِ ; لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ;
لِقَوْلِــــــــــــهِ تَعَالَى : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُفَانْتَهُوا) [59 \ 7] ، وَكَانَ تَتَبُّعُ جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرَ مُمْكِنٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ ، اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذِهِ الْجُمَلِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرِهَا ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
محمد الأمين الشنقيطي