
أشهر فرسان العرب (راعي تثليث): عمرو بن معد يكرب الزبيدي
[frame="7 80"]
بين أيدينا شخصية فذة، تحمل أكثر الصفات العربية الحقة بأجل معانيها ومبانيها. فهو فارس شاعر يحمل من القيم ما يمكن التعلم منه. يرجع نسبه إلى زبيد من مذحج. كان يقيم في تثليث شرق بلاد عسير. ويظهر أنه لم يكن بدويا، بل كان مستقرا، إذ ورد أنه كان يملك حصنا ونخلا بتثليث.
وقد كان بلا جدال من أشجع الفرسان العرب، وأمضاهم سيفا، وكان سيفه الصمصامة من أشهر سيوف العرب قاطبة. وكان كبير الجسم، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا رآه قال: الحمد لله الذي خلقنا وخلق عمرا. وكان أكولا حتى عد من مشاهير العرب في الزرد. وهناك حكايات كثيرة عن حبه للأكل، منها أنه طلب من أخته يوما أن تشبعه استعداد لغزوة، ولما سألته عما يشبعه قال: فرق من ذرة وعنز رباعية.
أسلم في السنة الثامنة للهجرة، إذ وفد على رأس زبيد من مذحج إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم. وشارك في أكبر معارك جيوش الفتوح الإسلامية، رغم أنه قد جاوز المائة سنة من عمره. وقد أبلى بلاء حسنا في معركة القادسية، وافتخر في شعره أنه هو الذي قتل قائد الفرس في تلك المعركة (رستم)، قال:
قد علمت سلمى وجاراتها
ما قطَّر الفارس إلا أنـا
شككت بالرمح حيازيمه
والخيل تعدو زيما بيننـا
وقال في فعله وفعل قومه في معركة القادسية:
والقادسية حين زاحم رستم
كنا الحماة بهن كالأشطـان
الضاربين بكل أبيض مخذّم
والطاعنين مجامع الأضغان
وقد كانت وفاته مجاهدا على اثر اصابته بجراح في معركة نهاوند عام 21هـ على أرجح الأقوال.
وهو حكيم وله أقوال وأشعار تدل على حكمته البالغة، يقول في الحكمة:
فمن ذا عاذري من ذي سفاهٍ
يرودُ بنفسه شـر المـرادِ
لقد أسمعت لو ناديت حيـا
ولكن لا حياة لمـن تنـادي
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت
ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ
أريد حياته ويريـد قتلـي
عذيرك من خليلك من مُراد
وكان يستخدم في بعض شعره الإم الحميرية بدل لام التعريف، وهو أسلوب لغوي لازل يستخدم في عسير حتى الآن، قال حين أهدى سيفه الصمصامة، وهو أشهر سيوف العرب قاطبة، إلى خالد بن سعد بن الوقاص:
وهبـت لخالـدٍ سيفـي ثوابـا
على امصمصامة امسيف امسلام
خليلـم لـم أهبـه مـن قـلاه
ولكن امتواهـب فـي امكـرام
ويقول:
يبرون عظمي وهمي جبرُ أعظُمهم
شتان ما بيننا في كل مـا سبـب
أهـوى بقاءهـم وأكـثـر مــا
يهوون أن أغتدي في حفرة امتربِ
وكان له مواقف كثيرة مع خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان يعرف قدره، وعده بألف فارس، وكان يوصي قادته باستشارة عمرو بن معد يكرب في سير معارك الفتوحات الإسلامية التي كان يشارك فيها.
قال عمر بن الخطاب لعمرو بن معد يكرب رضي الله عنهما: يا أبا ثور، إن أهل اليمن لا ينكرون أنك فارسهم وأنجد رجالهم المعدودين في الجاهلية، فكيف علمك بهم؟ قال عمرو: أنا أعلم الناس بالناس، قد أغرت عليهم وأغاروا علي، وغزوتهم وغزوني، وهم أرباب العرب شربوا الصفو ورعوا الصفو. ثم سأله عمر رضي الله عنه عن القبائل اليمانية، (ونورد هنا ما يخص القبائل التي لازال لها بقية في منطقة عسير)،.... ما تقول في الأزد؟ قال: هم أشد الناس، أقدمنا ميلادا وأثبتنا عمادا، قال فما تقول في غسان منهم؟ قال: أقتلنا للجبابرة وأملأنا للمنابر،.... قال: فما تقول في أزد السراة منها؟ قال: أحدنا في اللقاء وأصبرنا في البلاء...... قال: فما تقول في بلحارث بن كعب؟ قال أقتلنا للطاغية وأوهبنا للغالية.... قال فما تقول في سعد العشيرة يا أبا ثور؟ فضحك عمرو حتى قهقه، قال: هم سنام والناس أجسام. فتبسم عمر من مقالته، وقال: احفظوا عن أبي ثور مقالته فليس مثلها يضيع.
أما الخصلة الأبرز في شخصية فارس العرب عمرو بن معد يكرب فهي تقديره للأبطال، وإعلان هذا التقدير بدون مواربة، وبعده عن الغرور، فكان يعرف متى يقدم ومتى يحجم. قال:" لو سرت بظعينة وحدي على مياه معد كلها ما خفت أن أغلب عليها، ما لم يلقني حراها وعبداها...". يقصد بالحرين عامر بن الطفيل وعتبة بن الحارث بن شهاب، وبالعبدين عنترة بن شداد، والسليك بن السلكة.
ويلخص في الأبيات التالية استراتيجيته الحربية، البعيدة عن الغرور بالنفس، وهو يتحدث هنا عن فرسه:
ولقد أجمـع رجلـيّ بهـا
حذر الموت وإنـي لفـرورُ
ولقـد أعطفهـا كـارهـة
حين للنفس من الموت هرير
كل ما ذلـك منـي خُلُـقٌ
وبكلٍّ أنا في الحرب جديـرُ
ويقول:
وليس يعاب المرء من جبن يومه
إذا عُرف منه الشجاعة بالأمس
ويقول:
إذا لم تستطع شيئا فدعـه
وجاوزة إلى ما تستطيـعُ
وصله بالزِّماع فكل أمـر
سما لك أو سموت له ولوعُ
إنها شخصيات تستحق الاقتداء بها، والتعلم من قيمها..
النظر: الثنيان، عبدالعزيز، عمرو بن معد يركب الزبيدي: الصحابي الفارس الشاعر، الرياض: مكتبة العبيكان، 1415هـ/1994م.
كاتب المقال : النصر أدارة المنتدى /منتدى عسير[/frame]
التعديل الأخير تم بواسطة البشري المغترب ; 25-10-2009 الساعة 07:34 AM