السبت 11 شوال 1429هـ الموافق 11 أكتوبر 2008م العدد (2934) السنة التاسعة
علي سعد الموسى
فقير في مجلس أغنياء
ظل – أبو أحمد – واجماً في منتصف المجلس. يحرك رأسه للجهتين بحسب مصدر الحديث. ستون عاماً مرت دون أن يعرف
رائحة البنوك ولا فتحات الصراف الآلي. عشرون عاماً مضت وهو يوصل – المعلمات – في باصه (المقربع) بألفين وخمسمئة ريال في نهاية الشهر يأخذها بالكاش ويودعها في جيبه الذي صار بنكه ويصرفها على عائلة من سبعة أطفال وزوجة وأم طاعنة في السن بميزانية شهرية لا تتعدى 280 ريالاً للفرد، وبالطبع تدخل في حسابات – الفائض المالي – أعلاف
بضع من الغنم. جلس أبوأحمد في المجلس يستمع لتحليل الأثرياء من جماعة القرية عن أزمة المال الراهنة. تأخذه الدهشة العارمة وهو يستمع لمصطلحات مثل الرهن العقاري والسيولة النقدية والبورصة وسحوبات الاكتتاب والملاءة المالية وأغطية ودائع العملاء التي لا يفرق بينها وبين أغطية الشراشف في فراشه الأثري المصنوع من الخصف. تأخذه حمى الغيرة بالتحديد من الشيخ – جمعان – الذي حولته الأموال والأراضي إلى رأس القرية بعد أن كان جدُّه المباشر لا يعرف بينهم نواميس الترحيب بالضيف. صار جمعان يتحدث عن خطة بوش لإنقاذ السوق ويعرج على نقاشات الكونجرس الأمريكي ويلوك مفردات داو جونز ومؤشر نيكاي. كان أبوأحمد فقيراً ومازال ولكن بالصدفة في مجلس الأغنياء على وليمة شاردة قل أن يدعوه لمثلها إلا إذا كان هناك فراغ بالمكان. وقف في وسطهم يلمس الحيرة والقلق والذهول والخوف والجشع والفزع. كان يظن أن المصيبة عامة ويسمعهم يتكلمون بألفاظ السوق وكأنهم يتحدثون لغة أجنبية. دب به الخوف على أغنامه. على حزم الكرات والفجل التي يقتات منها وهو يسمع أن العالم مقبل على كارثة ومصيبة مذهلة. سألني: ما هو الحاصل أو ما الذي سيحصل؟ أجبته بكل بساطة: أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث أن يصبح كل هؤلاء الأغنياء غداً مثلك. أن يتحول الجميع إلى نسخة من أبو أحمد. التفت بعدها نحو جمعان بكبرياء وابتسامة ساخرة.