
علي الموسى يفتح النار على الحضارم
في مقالتين كتبها يوم الخميس والجمعة فتح النار الدكتور علي الموسى على الحضارم
هجرة الحضارم: الوفاء؟
أعشق قراءة السيرة الذاتية للأفراد، فكيف بها للقبائل والأمم والشعوب مثلما كان في البرنامج الوثائقي "هجرة الحضارم" الذي بثته العربية على حلقات ثلاث بتمويل من أحد رجالها السعوديين الذي يعود لأصول كِنْدية حضرمية. الحضرمي شخصية عصامية خلاقة. فوق هذا مهاجر يحترم ثقافات الشعوب المستقبلة، وفردي لا يتدخل فيما لا يعنيه ولولا مثالي شيخ قاعدة تورا بورا وعمودي إريتريا لكان الثوب الحضرمي أنصع ثوب أبيض من بين كل ثياب الطوائف العربية.
ولو كنت صاحب مشورة لهمست في أذن الإخوة الذين قاموا على البرنامج الوثائقي عن هجرة الحضارم أن يحذفوا الحلقة الثالثة الأخيرة ذاك أنها بزعمي أساءت لحضارم الحجاز السعودي وهي تصورهم - وبألسنتهم - على النمطية التي أثبتت وبأقوالهم أن هذه النخبة من الأثرياء ورجال الأعمال مثل الأشجار الباسقة التي لا تذهب ثمارها لغير الجذور والمنبت. وكي لا أفهم بالخطأ، فأنا لا أشكك هنا في انتماء أو ولاء، بل على العكس فأنا أعتبر هؤلاء الرجال إضافة هائلة لنسيجنا الاجتماعي وأصحاب ريادة وفضل على المسيرة التنموية والاقتصادية الوطنية. في الحلقة الأخيرة من البرنامج التي كان عنوانها "الوفاء" تحدث أقطاب الأعمال عن وفائهم للجذر والأصل، وهذه شيمة عربية أصيلة، فالذي لا خير فيه لأهله، لا خير فيه لأمته. ولكن: سأحترم لهؤلاء الأثرياء بناء خمسة مستشفيات في "دوعن"، مثلما أحترم بناء مسجد كل يوم من أيام السنة، مثلما احترمت عشرات الطرق المعبدة ومثلها من مجمعات المدارس، ومثلها من المصانع والكليات، ومثلها من الجمعيات الإنسانية التي توجهت للإنسان الحضرمي في جذره ومكانه. ولكن أيضاً، ومثلما قال الأخ صالح التركي في البرنامج آنف الذكر، فإن أبرز عيوب "الحضرمي" ليس إلا أن خيره يظل في دائرته. في البرنامج آنف الذكر، تبارى الأقطاب علانية، وبألسنتهم، للفخر بأنهم لا يستقطبون للعمل في شركاتهم إلا بني طائفتهم، وتباروا أيضاً في وصف الآليات التي يصلون بها لهذا الاستقطاب.
سؤالي الذي يجب على صدورهم الاتساع له: ألا تستحق الأماكن التي كانت منبع الثروة وطريق الثراء مشفى أو طريقاً أو كلية أو مجمعاً مدرسياً؟ وألا يستحق أبناء الوطن الواحد منكم ولو فرصة للمزاحمة على مصانعكم وعقاراتكم ووظائف شركاتكم؟ ألا يوجد أنموذج بينكم مثل ناصر الرشيد أو محمد جميل أو الراجحي؟
إخوتي: لم آت بكلمة واحدة من خيالي أو استنتاجي، فكل ما كتبت ليس إلا نقلاً عن برنامج موَّله أحد أبنائكم: كان جميلاً جداً رائعاً في حلقتين وكاشفاً بصورة سالبة لكم في الحلقة الأخيرة.
عفواً صديقي الحضرمي
واستكمالاً لموضوع الأمس حول رؤوس الأموال ـ الحضرمية ـ والتي بشهادتهم في برنامج من تمويلهم نسيت تماماً منبع الثراء والثروة واتجهت إلى منبع الجذور والأصل، ونزولاً عند نقاش هاتفي جمعني ـ بأحدهم ـ بالأمس أود إيضاح ما يلي:
أولاً: أن تسجيلي لمواقف الدكتور ناصر الرشيد أو محمد عبداللطيف جميل الخيرية كان من باب المقاربة بالمثال والقدوة. ناصر الرشيد قد لا يمتلك بالمقارنة جزءاً من أصول أصحاب السعادة ـ العَلَويين ـ الذين تواتروا في برنامجهم، ومع هذا أشهد الله أن عطاءه قد وصل لأسر وأيتام وأرامل وفقراء لا يربطهم بهذه الأرض حتى خط ترابي، ناهيك عن أنه كان في عطائه خريطة وطنية لم تترك منطقة إلا وبنت فيها من بواقي الآخرة مسجداً أو ملجأ. رجل يؤمن أن المال وسيلة لا غاية وإنسان لم تشغله علويته عن البسطاء والمعدمين وأب،للتاريخ، لم يعرف الأطفال من مجهولي النسب تحديداً والداً حقيقياً في تاريخ هذه الفئة مثل أبوة ناصر الرشيد. أما محمد عبداللطيف جميل، فالحديث عنه بلا حرج لا يعرفني ولا أعرفه، ولكنه (محمد يونس) الفقراء، ذاك الذي لم يفضح سرية أعماله الخيرية سوى أنها أعمال لا يخفيها الصمت.
ثانياً: فأنا لم أكتب خيالاتي ولا لغتي وأنا أتحدث عن رجال الأعمال الذين تواتروا في برنامج (التاريخ والوفاء والهجرة) آنف الذكر. هؤلاء فضحوا أنفسهم بأنفسهم ليثبتوا على شاشة التلفزيون أن جدة وما حولها، من تلك الأرض، الوطن، التي أعطتهم خيرها ليست لهم في الخريطة. ثم زاد على ذلك سعادة ـ ممول ـ البرنامج الكريم بمقال في صحيفة وطنية أرسله عبر البريد الإلكتروني يبرهن فيه عبر قصة ساقها في المقال أن مؤسسته الخيرة (كندة) حكر على الجذر والأصل والمنبع، في الاسم والعطاء وفي نوعية الذين يتلقون مساعداتها المالية أو منحها الدراسية. والذي يتهمني بالفئوية أو النخبوية، مثلما كان في حديث صاحبي الهاتفي بالأمس عليه أن يعيد لنفسه ذات السؤال: من هو الفئوي؟ هل هو أنا الذي شاهد برنامجاً ننقل ما دار به أم هو ذاك الذي اشترى ثلاث ساعات من أشهر محطة (عربية) ليبرهن بها، وبلسانه المحض، كل فئويته ونخبويته؟
تحية للقلم الحر الدكتور علي الموسى