
الديمقراطية التي تريدها أمريكا... ( 1 )
بسم الله الرحمن الرحيم
الديمقراطية التي تريدها أمريكا :ـ
إن فكرة هذه الدراسة " إعادة خريطة الشرق الأوسط " قد درست من أشخاص منذ زمن بعيد بعضهم في مجلس الكونجرس والبعض الآخر من قطاعات مهمة في إداراتهم ويسمون أنفسهم " با المحافظون الجدد " .
قبل أن نبداء في البحث سوف نعرف المحافظون الجدد وخصائص فكر هذه الحركة .
المحافظون الجدد : -
يعرف " جيمس زغبي " مدير المعهد العربي الأمريكي بأن حركة المحافظون الجدد " بأنها فلسفة سياسية علمانية تشكل رد فعل مجموعة من بعض معتنقي الليبرالية ضد سياسة التهدئة للحزب الديمقراطي تجاه الاتحاد السوفيتي ولاسيما فيما يتعلق بمعاملة مواطنيه اليهود وعلاقاته مع العالم العربي " .
بينما يصف الصحفي البريطاني المخضرم " جور فري هودجسون " ومؤلف كتاب " تاريخ صعود حركة المحافظين في أمريكا " قال المحافظين الجدد بأنهم نتاج " الأيفي ليبج " إحدى أشهر كليات القانون بجامعة بيل المرموقة ، وآراؤهم تعكس فكر قلة في المجتمع الأمريكي .
ويقول أيضاً بأنه " منذ أواخر الستينات بدأت هذه المجموعة في تطوير عدد من الأفكار والإتجاهات التي أتصلت لحركة محددة المعالم للمحافظين الجدد ، وقد كان لها تأثير هائل على الطريقة التي تشكلت بها حركة المحافظين الجدد في أمريكا في الثمانينات ، وربما الفكرة الأساسية التي تدور حولها حركة المحافظين الجدد هي الحاجة للتأكيد على القومية الأمريكية أو الوطنية الأمريكية أو " الأمركة " أو " الاستثنائية الأمريكية " أو فكرة أن المجتمع الأمريكي رغم عيوبه يظل أسمى أخلاقياً حين يقارن بمجتمعات أخرى " .
ويقول أيضاً هؤلاء المفكرين هما " نورمان بودهورتز" و " إيرفنج كريستول " وهما أيضاً المؤسسان للدورية الأسبوعية تسمى " كومنتاري " وهي مطبوعة شهرية تصدرها اللجنة الأمريكية اليهودية وهي تتضح بموالتها للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وكلاهما تخرج من صفوف اليسار .
وفي عدد سبتمبر 2002م من المجلة طالب " بودهورتز " بعمل تغير لكل أنظمة الشرق الأوسط وامتدت قائمته لمحور الشر لتشمل مصر ولبنان وليبيا والسلطة الفلسطينية والسعودية وسوريا ، كما أنه جاهز برغبته في أن تقوم الولايات المتحدة بقلب أنظمة الحكم في هذه الدول العربية وتستبدلهم بديموقراطيات حسب النموذج الذي يرونها هم .
وقد ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن ما يسعى إلية المحافظون الجدد ليس فقط إحداث عملية تحول سياسي في دول الشرق الأوسط المسلمة وإنما اللعبة النهائية التي يسعون لها هي " عملية إصلاح وتحديث داخلي وشامل للإسلام " .
ويقول " جاري نورث " في مقال له بعنوان " مقدمة لسياسة المحافظين الجدد " إن النقلة النوعية التي حدثت من المسائل الاقتصادية إلى مسائل السياسة الخارجية والشئون العسكرية ، تعد بمثابة تغيير هائل في اهتمامات الحركة .
فالحركة التي بدأت منذ جيل ماض كحركة احتجاج أكاديمية ضد البيروقراطية الفاشلة التي مارستها الحكومة الفيدرالية ، تحولت فجأة إلى الاهتمام بنشر الديموقراطية عبر الآلة العسكرية الأمريكية ، وبالذات في منطقة الشرق الأوسط وهذه السياسات تتم بزعم تقليل مخاطر الإرهاب .
ويضيف أيضاً " نورث " بأن التقليد المتبع في إدارة السياسة الخارجية الأمريكية كان مبدأ " الخبز والبندقية " فالبنادق دائماً ما تأتي في المرتبة الثانية بعد الخبز ، ولكن السياسات التي يتبعها المحافظون الجدد تتمثل في إعطاء " البندقية " أسبقية على " الخبز " وهو ثمن لا مهرب منه في ظل الوجود الأمريكي المكثف في الخارج .
أهم خصائص فكر أعضاء حركة المحافظين الجدد :ـ
فتستشهد الدكتورة اميمة عبد اللطيف في كتابها” المحافظون الجدد..قراءة في خرائط الفكر والحركة” بخطاب عضو الكونغرس الاميركي رون بول الذي القاه في 10 تموز 2003 ومنه تنتهي الى انهم”
1 ) يتفقون مع " تروتسكي " على أن الثورة دائمة ، وقد تستخدم فيها القوة أو الوسائل الفكرية .
2 ) يطالبون بإعادة خريطة الشرق الأوسط ، وهم على استعداد لأستخدام القوة لتحقيق ذلك .
3 ) يؤمنون بالحرب الوقائية لتحقيق المطلوب .
4 ) لا يخجلون من مبدأ الإمبراطورية الأمريكية ، وعلى العكس من ذلك فهم يوافقون على هذا الأمر .
5 ) يؤمنون بأن الكذب أمر ضروري لكي تحيا الدولة .
6 ) يرون أن الحقائق المهمة حول كيفية إدارة المجتمع لا بد أن تظل بيد النخبة الحاكمة ، وإخفاؤها عن أولئك الذين ليس لديهم الشجاعة للتعامل معها .
7 ) يؤمنون بأن الإمبريالية إذا كانت تقدمية بطبيعتها أمر جيد .
8 ) استخدام القوة الأمريكية لفرض المثل والقيم الأمريكية هو أمر مقبول ، وأن القوة لا يجب أن تكون قاصرة على الدفاع عن أمن البلاد فقط .
9 ) يساندون إسرائيل بشكل غير مشروط ولديهم تحالف وثيق بحزب الليكود .
ويبدو ان المحافظين الجدد هيمنوا على الادارة الاميركية “سياسيا واقتصاديا وعسكريا ” في ولاية الرئيس جورج بوش”الابن” الاولى، وفي ولايته الثانية اجرى بوش تغييرات عديدة في المناصب الرفيعة، وبتولي كوندوليزارايس حقيبة الخارجية تكون هذه الادارة قد حققت الانسجام والتوافق بين عناصرها المحورية الفاعلة “نائب الرئيس ديك تشيني، ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وكوندوليزا رايس وزيرالخارجية” وقد ركز الرئيس جورج بوش في خطاب تنصيبه لولاية ثانية على مسآلة الديمقراطية والحرية مؤكدا “ان بقاء الحرية في بلدنا اصبح يزداد اعتمادا على نجاح الحرية في الدول الاخرى، وان مهمة نشر الحرية ليست فقط هدفا يستحق ان نعمل من اجله، بل هي هدف يعتمدعليه وجود اميركا ذاته”. واكد ايضا “ان افضل أمل للسلام في العالم هو توسيع الحرية في كل مكان”. واشارت كوندوليزا رايس في خطابها اواخر كانون الثاني 2005 امام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الى”ان الولايات المتحدة، هي والعالم الحر ضالعة في صراع طويل المدى ضد ايديولوجية الطغيان والارهاب”. ومع ان كوندوليزا رايس تعد من المحافظين الجدد، الا انها غير متشددة في الحلقات الاجتماعية، ويبدو ان تحدرها من الاقلية السوداء لعب دورا في توجهاتها المنفتحة، وهي اقرب مستشاري الرئيس بوش الى فكره وقلبه، وكما يقول: انها تتقن الدفاع عن قراراته
............................................
الديموقراطية التي تريدها أمريكا : ـ
ديمقراطية أمريكا في الشرق الأوسط كانت هناك مبادرة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول ( سابقاً ) لنشر الديمقراطية ودعم التنمية في العالم العربي بمؤسسة هيرتاج " التراث " في 12 ديسمبر 2002م .
وقد أوضح الوزير الأمريكي أن مبادرته تستند إلى ثلاثة أسس :
1 ) مواجهة البطالة عن طريق الإصلاح الاقتصادي .
2 ) تطوير القطاع الخاص وتوسيع المشاركة السياسية ــ خصوصاً النساء .
3 ) الإصلاح التربوي .
ولكن صحيفة " فاينتشال تايمز " البريطانية كشفت أن المحافظين الجدد المقربين من الرئيس الأمريكي بداوا يراجعون خططهم لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط بعد الفوز الساحق لحركة حماس في الانتخابات الفلسطينية " السابقة " الذي أحدث انقسامات وتصدعات بدأت في الظهور بين صفوف المحافظين الجدد الذين تبوأو منصب القيادة الأيدلوجية منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 م على الولايات الأمريكية بينما رآه آخرون صدمة للغرب أشد من سقوط الإتحاد السوفيتي ولذلك قال آريل كوهين الباحث في " مؤسسة هيرتج " مركز الدراسات المحافظ الداعم للسياسة الخارجية لبوش الابن " إن الدرس المستفاد من فوز حماس هو أن عملية نشر الديمقراطية يجب أن يتم إبطاؤها وإضفاء صبغة واقعية عليها ، إضافة إلى وجوب اعتبار الديمقراطية عملية طويلة المدى " .
وكان الحدث 11 سبتمبر هو الذي مهد لتحويل النظرية التي ظهرت في عام 1997م إلى أن تكون واحدة من أهم مبادىء السياسة الخارجية الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية في عام 2000م وقد وصل نفوذ مجموعة معهد القرن الأمريكي في الجديد أحد أهم مراكز الفكر اليمينى في واشنطن والتي يدعمها الثلاثي " ديك تشيني " نائب الرئيس الأمريكي ، و " دونا لد رامسيفلد " وزير الدفاع و " بول ولفونيتنر " مساعد وزير الدفاع ، وتجد هؤلاء قد عملوا على نسج شبكة من العلاقات أتاحت لهم التواجد في مواقع السلطة والنفوذ وقاموا بتوثيق أهدافهم وإستراتيجيتهم .
ولذلك فإن الولايات المتحدة لم تعد تخفى رغبتها العارمة في فرض " الليبراليه الدينية " تحت مسمى " الحريات الدينية " فقد بدأت منذ سنوات في إصدار تقرير سنوي بإسم " تقرير الحرية الدينية في العالم " تركز فيه على العالم الإسلامي وهذا التقرير يصدر بموجب ما يسمى " قانون الحرية الأمريكي " الصادر عام 1998م والذي يستهدف بحسب وصف موقع الخارجية الأمريكي على الإنترنت " دراسة وفحص المعوقات التي تحول دون (إطلاق ) الحرية الدينية في العالم " .
وصدر التقرير السابع عن الحرية الدينية في العالم في 8/11/ 2005م على أن يقدم للكونجرس الأمريكي لمناقشته وقد انتقد حالة الحرية الدينية في عدد من الدول العربية والإسلامية وأثنى على ( التقدم ) الحاصل في دول أخرى في جوانب " التحرر" الديني .
وإليك أخي القاريء بعض ما كتب في التقرير الخطير :
أ ) ما يتعلق في السعودية :
يدعي التقرير ألا وجود للحرية الدينية في السعودية ويدل على ذلك (بـإجبار) الدولة مواطنيها جميعاً على اعتناق دين الإسلام فقط ، وعدم سماحها للمواطن بأن يغير دينه ، وينتقد أيضاً عدم الاعتراف داخل المملكة بالأديان الأخرى ، فضلاً عن حمايتها ، ويرى أن عدم السماح لأصحاب الأديان الأخرى من غير المواطنين بممارسة شعائرهم علناً أمر متعارض مع الحرية الدينية ويعد التقرير من مظاهر انتهاك هذه الحرية عدم السماح للمواطنين بالرجوع عن الإسلام ومن مظاهر انتهاكها : إطلاق الشرطة الدينية ( أهل الحسبة ) لمراقبة المتهاونين في أداء الصلاة ، ومن المظاهر المنتقدة أيضاً إلزام جميع الطلاب في المراحل المختلفة بدروس ومناهج دينية تتطابق مع التعاليم " السلفية " .
وأشار التقرير إلى أن الحكومة الأمريكية تطالب بالالتزام العلني بالسماح بأداء الشعائر لغير المسلمين وتحث على إلغاء التميز بين الطوائف والأديان وأظهر التقرير أن وزير الخارجية الأمريكي السابق ( كـولن باول ) كان قد وصف الأوضاع بالسعودية عام 2004م بأنها مثيرة للقلق بسبب " الانتهاكات الشديدة " للحريات الدينية .
ب) ما يتعلق بالسودان :ـ
يأخذ التقرير على الحكومة السودانية أنها تعتبر نفسها " حكومة إسلامية " وأن الحزب الحاكم يلتزم بـ " أسلمة " البلد ، ولهذا يفرض كثيراً من القيود والتمييز ضد غير المسلمين وغير العرب ويرى التقرير أن الحرية الممنوحة للمسلمين في بناء المساجد ليست ممنوحة لغير المسلمين في بناء معابدهم ، وأشار التقرير إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية صنفت السودان مرات عديدة بأنه بلد مثير للقلق فيما يختص بالانتهاكات الشديدة للحرية الدينية ، وأن ممثلي السفارة الأمريكية هناك ربطوا بين تحسين العلاقة مع الخرطوم ، وبين اتخاذ إجراءت للتحقيق من تلك الانتهاكات .
ج ) ما يتعلق في مصر :ـ
يرى واضعوا التقرير أن تميز الحكومة المصرية ضد المسيحيين لا يزال مستمراً ، فهناك تمييز في التعيين في المناصب العامة وهيئات التدريس ، ويرفض قبول المسيحيين في جامعة الأزهر ، وهناك إعاقة لحرية بناء الكنائس ، ويعتبر التقرير من المآخذ على الدولة المصرية أنها تمتنع عن الاعتراف بالطائفة البهائية ، وينتقد محاولات " التضييق " على النشاط التبشيري بين المسلمين بذريعة منع الفتن الطائفية .
وقد أشار التقرير إلى أن المسئولين الأمريكيين وعل رأسهم وزيرة الخارجية الأمريكية ومساعدها للشرق الأوسط والسفير الأمريكي وغيرهم ، أثاروا مع كبار المسئولين المصريين موضوع الحرية الدينية ، كما أعربوا عن قلقهم بشأن التمييز ضد البهائيين والمسيحيين ، وأشار التقرير إلى أن أعضا من الكونجرس الأمريكي أبدوا غضبهم أثناء زيارتهم لمصر مؤخراً من المقالات التي تعادي السامية ، وأبلغوا بذلك رؤساء تحرير الصحف وغيرهم من الإعلاميين ، وأشار التقرير كذلك إلى أن هناك برامج لتشجيع التقارب بين الطوائف الدينية ، ونوه التقرير بمشاركة بعثة أمريكية في تشجيع وضع مواد دراسة تحث على الحرية الدينية في مناهج التعليم باللغتين العربية والإنجليزية .
د ) ما يتعلق بالعراق :ـ
لأن العراق أصبح ساحة مفتوحة أمام التجارب الأمريكية في تنفيذ مفاهيمها حول الحرية الدينية ، وقد أشار التقرير إلى أن هناك تنسيقاً على مستوى عال بين المسئولين في البلدين لجعل العراق بلداً نموذجياً في إطلاق الحريات الدينية ولهذا تستضيف الإدارة الأمريكية العديد من الندوات والحوارات حول هذا الموضوع ، وتمول المشاريع الهادفة لذلك لجميع جهود المذاهب والطوائف كلها ضد ما تعتبره الولايات المتحدة إرهاباً ينبغي على الجميع محاربته .
...........يتبع في موضوع آخر على شكل حلقات
أخوكم ابومصعب
__________________
فداك نفسي وابي وامي وقبيلتي والناس اجمعين يارسول الله
" ولو طوى بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وُأهمل علمه وعمله لتعطلت الشريعة وإضمحلت الديانة وعمت الغفلة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وإستشرى الفساد ، وإتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ، وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد ." (الشيخ صالح بن حميد)
"أضع رأسي في آخر اليوم على الوسادة دون أن يكون في قلبي حقد أوغل أو حسد أو ضغينة ضد أحد من المسلمين مهما فعل بي وأدعوا الله لمن أخطأ في حقي بأن يغفر الله له ويسامحه "