
رد: رحلة الى رنية وأسفل وادي بيشة والمهمل ( في اقتفاء أثر توبة بن الحمير)
وما قطع حلاوة ذلك الحديث سوى نجمتين نيرتين في كبد السماء مع ميل قليل لجهة الجنوب الغربي شغلنا تتبعهما واسمهما وقد بدتا بمنظر بديع علامة فارقة عن كل النجوم الأخرى وقادنا هذا المنظر للنجمتين الى الخوض في شكل النجم المسمى بالدب القطبي فمن قائل أنه على رسم حرف السين المقلوب وآخر على أنه على هيئةالملعقة والثالث على أنه على شكل سهم متجه للجنوب
ثم تطرقنا لقصائد الشعراء الأوائل واهتمامهم بعلم الفلك ومواقع النجوم أمثال الخلاوي وبن لعبون وغيره مرورا بالشاعر المعاصر عيدان بن راجس في قوله
وجودي وجود مشرف في كهف ليلي
وحيد وجاله ديرة مابعد جاها
وهو بين مظهار الكليبين وسهيلي
وتاه الطريق وعزبته كملت ماها
قررنا الارتحال من منزلنا لعلنا نقطع شيئا من المسافة تأسيا بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( عليكم بالدلجة فان الأرض تطوى بالليل) فسرنا حتى اجتزنا مركز عسيلة وهو مركز حيوي متوسط لقرى ومناهل الهضب فيه خدمات ومدارس وجمع من السكان أسس قرب بئر قديمة تدعى ( بكوان) أو أبا الأكوان ثم اجتزنا بلثقا أوكما سماها بن جنيدل أبا الفقا ماء عد شرق هضبة بدوة الغربية أسس عليه هجره حديثه ثم قررنا أن يكون المبيت في المسافة بينه وبين هجرة نميص
وفي الصباح الباكر بعد تأدية الفريضة قررنا المسير على الطريق المسفلت الذي لايزال فيه اصلاحات ولم يكتمل بعد
ونحن بهذا حتى مررنا بصحراء ووادي الفرشة العملاق وقد عملت الشركة المنفذة للمشروع كبري طويل جدا نظرا لعرض هذا الوادي الذي هو مصب الواديين الشهيرين ( وادي بيشة ورنيه ) وقيل قديما أنهما اذا اجتمعا في هذه المنطقة يسميان بنهر آر وذلك في غابر الأزمان ان صحت الروايه
وأما الفرشة نفسها فكانت تسمى برياض بني عقيل ( قوم من بني عامر بن صعصعة)
اجتزنا الفرشة وبعدها بمسافة أتانا مفرق رنية / وادي الدواسر وكانت المسافة المدونة في اللوحة
أن رنية / 93كم
ووادي الدواسر/ 150كم
اخذنا على طريق رنية يسار حتى رأينا جبل حدا عندها انعطفنا يمينا واذا بخباء بدوي عند ابله فأوقفنا سيارتنا ونزلنا للاستعلام عن بعض المعالم فأفادنا بعد أن احتسينا معه فناجيل من القهوة التي أمامه على نار السمر المتقدة وكان يوما باردا
خرجنا لانلوي على شي قاصدين محافظة رنيه وعند دخولنا وسط البلد بدأنا بالسؤال عن منزل الأستاذ / فهيد السبيعي فلم نطل السؤال حيث دلنا عليه أحد المارة وماهي الا لحظات حتى وصل الى المنزل اذ يبدوا انه كان خارج العمران في مزرعته وما ان رآنا حتى استقبلنا بكل حفاوة وترحيب وأدخلنا المنزل وأكرمنا بمثل مايكرم المضيف به ضيوفه كعادة أهل رنية الكرماء أهل المثلوثة قديما وهي ثلاثة أشياء يقدمونها للضيف قديما في آن واحد أيام القلة والجوع وهي ( اللحم مع المرق ثم الحليب والتمر)
تجاذبنا مع مضيفنا اطراف الحديث وكان رجلا لايمل حديثه وقد وجدناه مرجعا في أنساب القبائل وبني عامر على وجه الخصوص كما وجدناه ملما الماما تاما بتاريخ منطقته ومافيها من مناهل ووديان وأعلام علاوة على أنه مؤرخ ثبت وأحد كتاب مجلة العرب الشهير ة أيام مؤسسها الراحل حمد الجاسر أمطر الله عليه شآبيب الرحمه
أخذنا منه مانريد وأخبرناه بمخطط رحلتنا ليعذرنا في الرحيل نظرا لضيق الوقت عندها ودعنا بمثل مااستقبلنا به من بشر وأخذنا طريق رنية / بيشة بعد خروجنا من العمران باتجاه الجنوب قابلنا جبل ورك يسار سرنا حتى وردنا بئر الجاهلية يمين الاسفلت في كنف جبل هناك ولها من اسمها نصيب حيث انها قديمه الا أن أثر التجديد قد بدأعليها
مشينا منها على طريقنا وبعد مسافة ( 45ك) اجتزنا كبري وادي السليل الذي يسيل من الغرب ويتجه للشرق وهو واد مسني كثير العشر اليابس بعد اجتيازه بأربه كيلوات تقريبا انحرفنا عن الاسفلت يسارا باتجاه الشرق ومشينا بين أبارق وأرض وعرة ذات تضاريس متباينة حتى ولجنا بين جبال طوال فعرضت لنا خيمة فأتيناها للاستخبار فدلونا على بئر الطويلة بوصف ليس بالدقيق
فسرنا منهم جهة الشمال على جنب الجبل حتى وردنا البئر وهي التي كانت تسمى قديما كما قلت من قبل ( طلوب ) وهذا تغيرسهل في الاسم وهي بئر جاهلية بعيدة القعر عذبة الماء يقول الاستاذ فهيد في كتابه رنيه أنها مطوية بالحجر الى وقت قريب ثم صبت بالاسمنت) وأنا هنا ابشر الاستاذ فهيد على أنها لازالت مطوية بالحجر ولم تطلها يد التجديد المقيتة التي طالت الآبار الأثرية القديمه
أما وصف مكانها فهي بجانب واد صغير كثير السمر وفي كنف هضبة حمراء على اسم البئر في جهتها الشرقية وعلى بعد 300 متر من البئر في جهتها الشرقية اطلال غرف شعبية ومسجد يقول السبيعي ( انها كانت مقرا لمركز امارة انتقل منها قبل سنوات مضت الى موقع آخر)
كان الوقت ظهرا سرنا باتجاه الشرق بحثا عن حجر الراشدة القريب جدا من البئر الا أن الحظ لم يحالفنا
ولم نشعر الا ونحن نجتاز وادي بيشة العملاق بأثلة الطوال الشهير به منذ الجاهلية الا أن هذا الوادي كان وعرا للغاية مما جعل سيارتنا تعلق في رماله وبعد جهد جهيد خرجت فاتجهنا غربا علنا نجد مخرجا من مأزق الوادي الا ان المبروكة علقت مرت أخرى وهات من الحفر والدفن في وقت الظهيرة اللاهب ولما خرجت تبطنا الوادي شمالا وسرنا مايقارب من ثلاثين كيلا حتى وجدنا كهلا من أهل تلك الجهة من قبيلة سبيع العزيزة فدلنا على طريق سهل للسيارة فخرجنا وعدنا من حيث أتينا بحثا عن الحجر الذي لم نصله الا مع أذان صلاة العصر وذلك لشكله العجيب وصغر حجمه ولونه الذي يشبه لون التربة فسبحان من صوره
وقد وجدناه كما صوره الأصفهاني حيث يقول ( حجر الراشدة ظليل أسفله كالعمود وأعلاه منتشر) ووجدنا على واجهته الشرقية كتابات ووسوم قديمة جدا وموقعه في وادي صغير يسمى الراشده بينه وبين وادي بيشة ترى أثل الوادي وأنت في ظل الغار ويسمى الآن ( جليبة الراشدة ) أو حيد الراشده
وهو المكان الذي استظل فيه توبة ورفاقه قبل أخذ ابل بني عوف
وبعد وقفة تأمل لهذا المعلم التاريخي البارز سرنا جنوب شرق مجتازين لوادي بيشة باتجاه ماتسمى بمديان بن ختلة من قحطان غرب جبل الضنط وهي عبارة عن مزرعة وبئر ماء بجانبها أحواض ماء كبيرة جدا لسقيا البهائم وتسمى في عرف اهل المنطقة (مديان) وهذا كله سبيل لوجه الله تعالى اسأل الله ألا يحرمه الأجر
صلينا الظهر والعصر قصرا ثم سرنا قليلا وتوقفنا جانبا لنعوض وجبة الغداء الفائتة بما نسميه (هجور) وهو الاكل بعد صلاة العصر
اجتزنا السريع باتجاه الشرق برا باتجاه المهمل ولم تغيب الشمس الا ونحن نجول بين هضاب بني عقره التي هي آخر معالم الميثب جهة المهمل وهي عبارة عن هضاب حمر صلع لكل منها اسم يميزه عن الأخرى وتقع شرق وادي مسره الذي يقول فيه الشاعر ابن جذنان من الهيازع بني هاجر
يالله لا تسقي جوانب مسرة ********** حيث ان قعد لي في مسرة بضايع
سمحان ياذيب الخلا لاتمره ********** لاتاكله ياذيب لو كنت جايع
والآخر يقول وهو ماضي بن شويع الهاجري
خلوني أرعى في طوارف مسرة ********** واطرد مهاها قبل ياتيني الموت
وبقرب عقرات ماء قديم يسمى مطربه اعتقد أنه اندفن
وكذا في جهتها الشرقية الشمالية عد شوك يقول الشاعر
الا واهني اللي روى قربته من شوك ********** روى قربته لوكان ماتسي بعيره
للأسف حال ظلام الليل عن مشاهدة باقي الأعلام هناك مع العلم أنها ليست الزيارة الاولى لي لهذه المرابع فقد نزلنا بدوا بجانبها عدة اشهر عام 1417هـ وزرتها بعد ذلك على فترات متقطعة
المهمل من أجمل الأماكن البرية وطبيعته عذراء ليس للمدنية فيه أدنى نصيب لكن يبدو أن التطور وحياة التقدم لن تبقي ولن تذر على وجه البسيطة مكانا الا وستدخله ومن ذلك أن أبراج الجوال (فل ) وأنت في قلب المهمل علاوة على أن الطريق السريع الجديد الرياض / بيشة قريب منها جدا
لذا فلايمكن أن يطلق على المهمل مهملا بعداليوم كماأن مظاهر البداوة في المملكة ككل مقبلة على الزوال وقلما تجد بدويا بأهله في الصراء بعدما كانوا قبل خمسة عشر عاما أوتقل يملئون سفوح واكناف الجبال وقديما أطرى أبو العلاء المعري البداوة التي هي ابرزمظاهر الصحراء
الموقدون بنجد نار بادية ********** لايحضرون وفقد العز في الحضر
نعود لاسم المهمل الذي قيل انه سمي بذلك قديما لقلة سكانه ومياهه