لعل إضافتي هذه
حول ما قلت ( منظور العمل )
ومن منطلق قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ
" مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم
أعلاها وبعضهم أسفلها ، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا:
لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا!
فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً "
إن مسؤولية ـ يا أخي الحبيب ـ لاإنقاذ البيت والمجتمع والبلاد من الفساد والتفكك
والعبث بعقول وأفكار الشباب والفتيات ، والانتباه للمخربين والعابثين بممتلكات المجتمع
والحفاظ على أمن الوطن وسلامته وتوجيه أهله ، ونصحهم ليست مسؤولية شخص بعينه
أو جهة معينة ، بل مسؤولية الجميع ، كل بحسب مكانته وموقعه وأسلوبه ، فلا يصح أن يعيش
فِئام من المجتمع على هامشه ، أو التفرج على ما يقع فيه من تخريب أو عبث ، أو يبقوا
مكتوفي الأيدي لا في العير ولا في النفير ، أو يسعوا من وراء ستار بالشائعات والإرجاف والتحريش
يستخدمون في ذلك السفهاء ورعاع الناس الذين ينجرفون وراء دعاة الفتنة بحجة تغيير الواقع
لعله يأتي بطل موعود أو قائد مظفر!
وهذا وربّي ليس دأب المؤمن الذي يواجه الواقع بالعمل والإصلاح والجد وبذل الأسباب
يقول ـ عليه الصلاة والسلام ـ
" إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها " رواه أحمد
إن الجميع مُطالب بالمشاركة في إشاعة الأمن والحفاظ عليه
ابتداء من البيت ، بتوعية الأبناء بدورهم وواجبهم تجاه المجتمع
وذلك من خلال التوجه والنصح
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وزرع قاعدة ، [درء المفاسد مقدم على جلب المصالح]
وأن الانتصار على شهوات النفس ولذائذها وتوطينها لما يريده الدين
نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله
فيجب أن لا ينطلق الواحد منا ليحقق رغباته على حساب الآخرين
ولا ينظر لمصلحته وينسى مصالح إخوانه
وتأمل في حرص موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ على سلامة تلك السفينة وسلامة أهلها
{ أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا }
هنا ملمح لطيف: فموسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال
{ لتغرق أهلها } ولم يقل ( تغرقنا )
لم يذكر نفسه ولا صاحبه ، رغم أنهما كانا على ظهر السفينة ، وأنهما أصحاب مكانة
فموسى نبي من أولي العزم ، والخضر رجل صالح آتاه الله رحمة وعلما
لكن تأبى أخلاق الأنبياء والصالحين إلا أن تقول
{ أخرقتها لتغرق أهلها }
فهم يهتمون بأوضاع ومصالح الناس أكثر من اهتمامهم بأنفسهم ومصالحهم
وهكذا الداعية والعامل يجب أن يكون
فلا يخرج إلى مهامه الكبار قبل أن يرسي قواعد قلعته الداخلية
ويضع عليها من يحرسها عن رضى وقناعة من الجميع ، ويكون حرصه على نفع الناس
أكبر من حرصه لنفسه ، والتوفيق الإلهي هو الرصيد الأهم والمعلم الرئيس لأي حركة
دعوية يقع على عاتقها إقامة أي مشروع حضاري
وهو رصيد يميز أهل الحق ودعاته العاملين به من أصحاب الدعوات الكاذبة ومن غيرهم
من أهل الباطل ودعاته
نعم ... التوفيق الإلهي وأخذ الأسباب هو الركن الذي يلوذ به كل رسول وكل داعية
خاصة أثناء الحظات الحرجة ، وبعد أن تنقطع كل السبل
فإن الداعية والعامل مطالب باستشعار فضل القوة التي أنجت
إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ من النار
وموسى من فرعون ، ويونس من بطن الحوت ، ومحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الغار
في بدر وأثناء محنة حنين ، وعليه أن يتذكر أنهم قد نجوا بالدعاء ، وطلب العون منه ـ سبحانه ـ بعد
الأخذ بالأسباب ، وذلك حتى يكتمل تجردهم ، وخلوصهم من الركون إلى أي سبب دونه ـ جل وعلاـ
لا يصح للداعية أن تكون نظرته للأحداث محدودة المدى
وقاصرة التفسير ، فأقدار الله دائمة لا بد أن تقع ، فإنك
{ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً }
تقبل إضافتي هذه
وأشكرك اخي الحبيب على هذه المقالة.