
{ بدلوا نعمة الله كفرا .. } (2)
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ
( فإن القرآن لم ينزل لمجرد التلاوة ، وانعقاد الصلاة عليه
بل أنزل ليتدبر ويعقل ويهدى به علما وعملا ويبصر من العمى ويرشد
من الغي ويعلم من الجهل ويشفي من الغي ويهدي إلى صراط مستقيم )
فمن ألقى له قلباً وسمعاً <<<< >>>> فقد كانت له فيه الحياةُ
فرتِّل من كتاب الله آياً <<<< >>>> معانيها الفضائل والسماتُ
ورتل من كتاب الله آياً <<<< >>>> بها العز السني ومكرماتُ
كتاب الله تحكيم وعدل <<<< >>>> بقرع وعيده قُمِعَ الطغاةُ
كتاب الله يا قومي ضياء <<<< >>>> تنير به شموس ساطعاتُ
فيا قومي خذوه أخذ عزم <<<< >>>> ولا تطغوا كما يطغى العصاةُ
قفوا عند الأوامر والنواهي <<<< >>>> ولا تبغوا فتأتي العاقباتُ
إذا ماتت قلوب القوم يوماً <<<< >>>> ففي القرآن للقلب الحياةُ
وإن رمتم لأنفسكم نجاة <<<< >>>> ففي القرآن يا قومُ ! النجاةُ
فإذا كنا نريد التغيير والحياة الكريمة فلا بد أن يصبح القرآن هو الأساس في التعليم وبناء الشخصية
هذه نصيحة لله ، وحقيقة نعلنها ونسرها ، بل إن هذا عين الحق الذي يجب أن يتبع ويعمل به
وتصرف جميع الجهود من أجله .. والذين ضلوا وحرفوا وبدلوا وغيروا وضلت أعمالهم وأفكارهم قد
أنذرهم الله وبين لهم أن يقيموا هذا الدين ، فقال ـ عز وجل ـ
{ أن أقيموا الدين }
وذلك بطاعته وعبادته واتباع سنة رسوله ، بل أمرهم أن يكونوا ربانيين ، فقال ـ عز وجل ـ
{ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ }
قال الرازي ـ رحمه الله ـ ( ودلّت الآية على أن العلمَ والتعليم والدراسة توجب كون الإنسان ربانيا
فمن اشتغل بذلك لا لهذا المقصد ضاع سعيُه وخاب عملُه)
ونقل هذا المعنى محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ فقال:
( فبعلم الكتاب ودراسته وتعليمه للناس ونشـره والعمل به يكون الإنسان ربانياً مَرضِيّاً عند الله )
وهكذا كان دأبُ الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كما ذكره ابن القيم ـ رحمه الله ـ فقال:
( ولم يكن للصحابة كتابٌ يدرسونه وكلامٌ محفوظ يتفقهون فيه إلاَّ القرآن ، وما سمعوه من
نبيهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولم يكونوا إذا جلسوا يتذاكرون إلا في ذلك )
فكان القرآن عندهم هو العلمُ الذي به يعتنون حفظاً وفهماً وتفقهاً ، فماذا عندنا نحن؟
وأي شيء نتدارسه نحن؟
وماذا يدور في مجالسنا؟
بعضنا يتعامل مع القرآن لمجرد التلاوة والتجويد فقط ، ولا يسعى في فهمه وتدبره .. مكتفيا بالتقليد
وربما ينطبق علينا قوله { ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني } أي ليس لهم حظ إلا التلاوة فقط
فالتلاوة بلا تدبر كالمسير بلا هدف ، أو ما علمت ـ أخي الحبيب ـ أن التربية على القرآن والسنة
هي وحدها التي تضمن التغير الجذري الشامل من أعماق النفس الإنسانية ، فلا سبيل سواه
ومن هنا وجب أن تكون خطوتك الأولى في طريق المعرفة ابتداء من أعظم أمر في الدين
وهو توحيد الله إلى أي أمر تريده من أمر الدنيا والآخرة أن تتعرف إلى القرآن ، بل أن تكتشفه
ولذلك جاء الخطاب القرآني يحمل
أمر القراءة للقرآن تلاوة وترتيلاً
وأمر التعلم للقرآن مدارسةً وتدبراً
والتدبر هو غاية كل ذلك ونتيجته ، ولذلك قال ـ عز وجل ـ
{ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ }
فجعل غاية الإنزال للقرآن التدبر والتذكر ، ولولا التدبر لما حصل التذكر الذي هو يقظة القلب
وعمران الوجدان بالإيمان ، فالتدبر هو المنهج القرآني المأمور به لقراءة القرآن
{ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }
تابع معي ـ أخي ـ سلسلة { بدلوا نعمة الله..}
ولا تحرم الجميع من استنباطاتك وإضافاتك