
سـبـب نـزول الـحـكـم ( 1 )
أخي الحبيب :
السلام عليك ورحمة الله وبركاته
أمابعد :
فقد سبق الحديث بعنوان [ الحكم الوحيد ]
وهو الحكم الشرعي الوحيد في سورة الكهف
قال الله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله }
وبين يديك الآن سبب نزول هذا الحكم
هذا النهي كغيره ، مثل قوله تعالى { فلا تمار } أي: تجادل وتحاج ، وكقوله { ولا تستفت فيهم }
أي: في شأن أهل الكهف ، وكقوله { ولا تطع من أغفلنا }
فقوله تعالى { ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا } نهي صريح أن يقول العبد المسلم في الأمور المستقبلية
{ إني فاعل ذلك } من دون أن يقرن القول بمشيئة الله ، وذلك لما فيه من المحذور ، وهو الكلام على الغيوب
المستقبلية التي لا يدري هل يفعلها أم لا؟ وهل تكون أم لا تكون؟ فالمسلم: ليس له مشيئة مستقلة يستقل
بها عن ربه ، فالمشيئة كلها لله وحده ، قال تعالى { وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين } والعبد عندما
يذكر مشيئة الله على أمر يريد فعله أو الوصول إليه من الأمور المشروعة يسر الله الأمر وسهله ، وسيحصل فيه
الخير والبركة ـ إن شاء الله ـ ثم فيه قبل ذلك كله استعانة العبد بربه ، والإنسان ما هو إلا بشر ينسى ويسهو
عن ذكر المشيئة على أموره وأعماله المستقبلية ، ولذا جاء الأمر أن يستثني بعد ذلك ، إذا ذكر ليحصل المطلوب
ويندفع المحذور ، قال الله تعالى { واذكر ربك إذا نسيت } ويؤخذ من هذا الأمر: ذكر الله عند النسيان ، فإن الذكر
يزيل النسيان ، ويذكر العبد ما سها عنه ، ويؤخذ منه: أن تذكر الساهي وغيره بذكر الله ، ومهما وصل إليه العبد
فهو مفتقر إلى الله ـ عز وجل ـ في توفيقه للإصابة ما يريد ، وعدم الخطأ في أقواله وأفعاله ، لذا أمره الله سبحانه
أن يقول { عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا } أمره الله أن يدعوه ويرجوه ويثق به ليهديه لأقرب الطرق
الموصلة إلى الرشد ، وحري بعبد هذا حاله أن يوفق إذا بذل جهده ووسعه في طلب الهدى والرشد ، وأن تأتيه
المعونة من ربه ، وأن يسدده في جميع أموره
أخي المسلم: قد تقول ما سبب نزول قوله تعالى
{ ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا }؟
قيل إن قريشا أرسلت إلى اليهود في المدينة وقالوا:
إن رجلا بعث فينا يقول: أنه نبي ، فقالوا: اسألوه عن ثلاثة أشياء:
1) عن فتية خرجوا من مدينتهم ولجأوا إلى غار .. ما شأنهم ؟
2) وعن رجل ملك مشارق الأرض ومغاربها .
3) وعن الروح .
فسألوا النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ عن أصحاب الكهف فقال أخبركم غدا ، فتوقف الوحي
نحو ـ خمسة عشر يوما ـ لم ينزل عليه الوحي ، والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لا يعلم عن قصص السابقين
كما قال تعالى { وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون } يعني: ما كنت تقرأ
من قبل هذا القرآن من كتاب ولا تخطه بيمينك ، فلو كنت تحسنها لارتاب المبطلون الجهلة من الناس وقالوا:
إنما تعلمها من كتب من قبله مأثورة من الأنبياء ، وجاء يقولها لنا { وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي
تملى عليه بكرة وأصيلاً } والنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لما قال أخبركم غدا اختبره الله ـ عز وجل ـ فأمسك عنه
الوحي كما ابتلى سليمان ـ عليه الصلاة والسلام ـ
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" قال سليمان: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلهن يأتين بفارس يجاهد في سبيل الله ، فقال:
له صاحبه قل ـ إن شاء الله ـ فلم يقل ـ إن شاء الله ـ فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة
واحدة جاءت بشق رجل ، لذا قال نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ والذي نفس محمد بيده لو
قال ـ إن شاء الله ـ لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعين " متفق عليه ، أنظر ـ أخي المسلم ـ كيف
أن الله يري عباده أن الأمر أمره وبيده سبحانه ، وأن الإنسان مهما بلغ في المنزلة عند الله والوجاهة
فإنه لا مفر له من أمر الله ، ولا يحصل ولا يقع إلا ما يريده عز وجل ، وبعد هذا مكث
نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ خمسة عشر يوما , ولم يوحي إليه ربه شيئا ، وقد وعد القوم بالإجابة
فكيف يكون حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟
وللحديث ـ إن شاء الله ـ تتمة في اللقاء القادم.
__________________
عــــش مـــع الـــقــرآن .... تــعــش الــــحــيــاة