
الـصـفـحــة الــرابــعــة
لقد وعدتك ـ أخي الحبيب ـ في الصفحة الثالثة على أن ألتقي معك
في هذه الصفحة بفجر جديد، فجر تشرق شمسه ـ بإذن الله ـ وتعلو راية أمتنا , ويشهد الكون نصر دعوتنا
وقياما للحق وأهله ، قال تعالى {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} نعم فإنما نراه من حولنا يوحي بأن هناك
جولة جديدة لأهل السنة يغير الله بها هذا الواقع المرير الذي يحكم الأرض ، ويستبدل به صفحة مشرقه
يعيش الناس في ظلها , ولسوف تملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما والله فعال لما يريد ، فإلى هؤلاء
وأولئك نقول: عودوا إلى جحوركم , ودعوا الخلق للخالق { ألا له الخلق والأمر } فقد كُشفت أستاركم
وهتكت عوراتكم , ولقد وعد أصدق القائلين بقوله{ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق }
فطبيعة الباطل مهما علا وارتفع كما قال سبحانه {إن الباطل كان زهوقاً} وإن الذي يمكث في الأرض ويبقى
ما ينفع الناس{ فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } إن المؤمنين الصابرين
موعودون إحدى الحسنيين ، فإما شهادة تعجل بهم إلى دار النعيم والكرامة ، وإما نصر تقر به أعينهم
يا ـ أخي الحبيب ـ إن المستقبل لهذا الدين ، والنصر لأوليائه الصادقين ، مهما كاد الكائدون ، وتأمر
المتآمرون {والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} من حقق الإيمان فالله وليه { والله ولي المؤمنين}
ومن حقق العبادة الحقه فالنصر له { ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا
لهم الغالبون } ونصر المؤمنين أعظم نصر وأشرفه لأنه نصر للحق على الباطل ، ونصر في الدنيا والآخرة
ووعد ربنا حق { إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد} وإن من النصر لدينه
وللمؤمنين أن الله يختار من عباده من يجدد دينه للناس ، جاء في سند أبي داوود عن أبي هريرة أن رسول الله
ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها "
رجل ينهض بالحق فلا يبتدع ، ولا يأتي بجديد ، ولكن يقول الحق و به يعمل ويدعو ، رجل لا ينتصر لنفسه
ولا لهواه ، ولا لمكانته ، كما هو حال شيخ الإسلام بن تيمية ، ومحمد بن عبد الوهاب ، وابن باز وغيرهم من ا
لمتقدمين والمتأخرين الذين قالوا بالحق وبه يعدلون ، تأمل في هذه الأخبار الصحيحة
عن معاوية بن أبي سفيان – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول:
" لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله ، ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك "
رواه البخاري ، وعن ثوبان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على كذلك " رواه مسلم
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال:
" لم يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة " رواه مسلم
وبشر النبي صلوات ربي وسلامه عليه ووعد هذه الطائفة بالنصر العاجل والآجل ، والمادي والمعنوي ، بل إنه
سمها المنصورة ، وما كان استحقاقها لهذا النصر إلا عن تميزها بخصائص معينة ، والمتأمل للأحاديث الصحيحة
السابقة ، يجد فيها عددا من هذه الخصائص والميزات التي أختص الله بها هذه الطائفة من بين سائر الطوائف
وفضلهم بها على العالمين ، لماذا؟ ما السبب؟ ما السر؟ سبب ذلك وسره ، أنها على الحق: بمعنى أنها التزمت
بالدين الصحيح الذي هو الحق ، وما عداه باطل ، واستقرت على الالتزام به استقرار المتمكن
أخي الحبيب: لا تخاف على الإسلام إنما يجب أن نخاف على أنفسنا ، الخوف أن لا تزل بنا الأقدام أو تضل بنا الإفهام
الخوف علينا عندما نقف بين يدي الله ، هل عملنا بدينه؟ هل نصرناه في أنفسنا وفي حياتنا وفي شئوننا كلها؟
أما الدين فله رب يحميه ويحفظه وينصره ويمكن له بأناس وعلى أيدي أناس صالحون قائمون بأمر الله
{ صدقوا ما عاهدوا الله عليه}
فهل أنا وإياك ممن صدقوا الله؟
إن إيماننا وعملنا الصالح هو شرط نصرنا وتمكيننا ، فمتى صح ذلك منا تحقق وعد ربنا لنا
{ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم و ليمكنن لهم
دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك
هم الفاسقون}
فابشروا
وأملوا
وثقوا بالنصر
واعملوا
واعلموا أن الخير لا يدرى أين يكون ، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
" مثل أمتي مثل المطر ، لا يدرى أوله خير أم آخره" والعسر وإن طال ، فإن له نهاية وأمداً ، ونهايته تكون
تفريجاً ويسراً ، وقد أخبر الله مؤكداً فقال{ فإن مع العسر يسراً إن مع العسر يسراً } ولن يغلب عسر يسرين
قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ " لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخل عليه" وإن النصر قد يتأخر
ولكنه لا يتخلف ، وقد يأتي في غير صورته المعروفة وهيئته المألوفة ، فالابتلاء والمصائب قد تحمل من الخير
الخفي الكثير ، تأمل في هذه الآية { ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد} إن قتال الحوثيين محنة
في باطنها منح وحكم ، منها:
- رفع راية الجهاد الحقيقي
- يصطفي من صدقت نيته للشهادة في سبيله { ويتخذ منكم شهداء }
ـ ما أورثته من تلاحم بين الراعي والرعية
- رأى الناس من بعض أهل العلم
– الذين ذهبوا للجبهة لتثبيت الجنود وتبشيرهم
- ما ذكرهم بسير العلماء الذين كانوا يعيشون هموم أمتهم واقعا عمليا
ـ قد تكون سبباً لنصر أعظم وأشمل
فعلينا أن لا نيأس من نيل النصر ، وأن نبحث عن أسبابه ، وأن نجتهد في أن نكون جنداً من جنده.