بسم الله الرحمن الرحيم
أخواني الأفاضل ....... حفظكم الله من كل مكروه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... وبعد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
فبعد قراءة هذه الشبهه الخامسة التي أوردها أخي الحبيب أبوفارس وبعد قراءت بعض الردود من الأخوة الأفاضل حول الشبهه (طعنهم الحكام بحجة انهم دخلوا المشركين إلي جزيرة العرب ) .
بسم الله نبداء :
الحديث « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ».. حديث صحيح .
دعوة للتأمّل في النصوص وتفقّهها، ودعوة للوقوف مع الأنفس ومراجعاتها، دعوة تتجاوز الاستنكار إلى الحوار، دعوة إلى الذين تشبّعوا بفكرة الأعمال القتالية في هذه البلاد، ورأوها أقصر طريق إلى الجنة، وأزكى عمل يتقربون به إلى الله.. وإن زهقت فيه أرواحهم، وخالفهم كل من سواهم .. علماً أني لا أسوق هذه مناضرة ولارد ولكنها دعوة إلى وقفة مع النفس، وتفقّه في النص، وتطلّب للحق، ثم نواصينا بعد بيد الله؛ فهو الموفّق والهادي إلى سواء السبيل، نلوذ به ونبرأ إليه من حولنا وقوتنا فلا حول ولا قوة إلا به.
إن أكثر الأدلّة النصية تداولاً في هذه القضية حديث « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب » وهو حديث صحيح غير ضعيف، محكم غير منسوخ قاله صلى الله عليه وسلم وهو على فراش الموت قبل وفاته بخمس. وإن أولى الأمة أن يتبع في معرفة فقه هذا الحديث صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهم الذين سمعوا هذا الحديث وأدوه إلينا وفقهوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيهم وفقههم هو الأعلم والأحكم لأنهم أعلم بملابسات الأمر النبوي، وأفقه الأمة بمراده صلى الله عليه وسلم ؛ وأوْلى الصحابة أن يراعى فقهه هم الخلفاء الراشدون لقوله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي » ، وقوله عليه الصلاة والسلام: « اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر » ، ولأنهم كانت لهم الولاية على المسلمين فهم أوْلى الناس بإنفاذ هذا العهد المحمدي.
فإذا نظرنا إلى فقه الصحابة لهذا الحديث رأينا ما يلي:
1 ) ) تولى أبو بكر الصديق الخلافة واليهود في خيبر على مسافة 180 كم من المدينة، ونصارى نجران في نجران ويهود اليمن في اليمن ومجوس الأحساء في الأحساء. وهو رضي الله عنه أعلم الناس بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وأعظم الأمة تعظيماً له؛ فنجد أنه:
أ- سيّر جيش أسامة إلى الشام.
ب- قاتل المرتدّين في أنحاء الجزيرة النائية عن المدينة.
ت- ثم لما فرغ من قتال المرتدّين، وجّه الجيوش إلى العراق والشام، ثم توفي رضي الله عنه وجيوشه تقارع الفرس والروم وهؤلاء موجودون ولم يخرجهم.
2 ) تولى عمر الخلافة فترك يهود خيبر في خيبر ونصارى نجران في نجران ومجوس هجر في هجر، واشتغل بقتال الكفار في خارج جزيرة العرب فاستكمل فتح فارس وفتح الشام، ثم سيّر الجيوش إلى مصر وفتح قبرص. فكانت جيوش الخلافة تقاتل في القارات الثلاث آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهؤلاء على أماكنهم في جزيرة العرب، ولم يخرج عمر منهم إلا يهود خيبر لمّا نقضوا العهد وتعدّوا على ابنه عبد الله فزحزحهم إلى تيماء، ونصارى نجران لما أخلفوا شرط الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم -الذي شرط عليهم عدم التعامل بالربا- فأجلاهم عمر لما خالفوا ذلك، وأبقى يهود اليمن فهم باقون إلى يومنا هذا، ومجوس الأحساء حتى أسلموا واندمجوا مع المسلمين ولم تعد لهم باقية (أحكام أهل الذمة لابن القيم 1/175-191).
إن هذا يجعلنا نتساءل عن فقه الخلفاء الراشدين لهذه القضية ولماذا لم يجعلوها قضية ملحة ناجزة. ألا يدل ذلك أنهم فقهوا أن المنهي عنه ليس مجرد وجود اليهود والنصارى في جزيرة العرب، ولكن أن يكون لهم كيان استيطاني دائم، وأما وجودهم الطارئ كأجراء ومعاهدين ومستأمنين فليس هو مراد النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا لما تركهم الخلفاء الراشدون وذهبوا يفتحون آسيا وأوربا وأفريقيا، وأبقوهم طوال تلك المدة على تخوم المدينة النبوية أجراء في خيبر، وسمحوا بالرقيق من الكفار أن يسكنوا المدينة لأنهم تبع لأسيادهم، حتى إن عمر رضي الله عنه قُتل على يد علج مجوسي ومع ذلك لم يأمر بإخراجهم ولا أخرجهم من بعده.
ثم إن الصحابة الذين فقهوا هذا الأمر النبوي لم يفقهوا منه استحلال دم أحد من اليهود أو النصارى لكونه في جزيرة العرب، فلا نعلم أثراً صحيحاً أو ضعيفاً يروى في قتل يهودي أو نصراني لأنه دخل جزيرة العرب، فأين أخرجوهم من إهدار دماءهم وقتلهم؟
أيضاً نلاحظ أن هذا الأمر قد ألقاه الصحابة إلى الخلفاء ولم ينقل أن أحداً من آحاد المسلمين تجرأ على يهودي أو نصراني بحجة أن يجب إخراجه من جزيرة العرب ولا كانت تلك القضية مثارة بينهم، وإنما تركوا هذا الأمر لمن توجه إليه في قوله صلى الله عليه وسلم: « أخرجوا » وهم ولاة الأمر الذين تناط بهم القضايا العامة.
ألا يدل ذلك على أننا بحاجة إلى التفقّه في النص النبوي على وفق فهم الصحابة رضوان الله عليهم، لا على وفق انفعالاتنا ومشاعرنا؟ وأنه ينبغي أن نعلم أن النصوص النبوية تؤخذ مضمومة إلى بعضها وتفهم على وفق فهم الصحابة الذين سمعوها وأدوها وفقهوها ورعوها حق رعايتها.
وألا نسمح لمشاعر الغضب والقهر وما يدمى في قلوبنا من مآسي المسلمين أن تدفعنا إلى الشطط والبغي في فهم نصوص الهداية النبوية.
فإلى كل من يؤمن بالله ويعظمه، ويحب الرسول ويوقره، ويغضب لله ويغار على حرماته، ويخشى الله فهو أحق أن يخشاه:
- تذكّروا أن نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي قال: « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب » هو الذي قال: « اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر »، وهو الذي قال: « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ».
وقد علمت هديهم رضوان الله عليهم وأين منه ما يجري بين ظهرانينا.
- تذكّروا - أن نبيكم صلى الله عليه وسلم الذي قال: « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب »
هو الذي قال:
« من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً » ؛ ومن أحبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعظّمه، عظّم أمره كله ووقّره واتبعه.
تذكروا - أن هذا الأمر وما يترتّب عليه من سفك الدماء وزهوق الأنفس وأنت تعمله وترى أنه يقربك من الله زلفى، وأنه أقصر طريق إلى الجنة، وتغامر فيه بروحك التي لا عوض لها، أن من يبذل هذا كله عليه قبل ذلك أن يدعوا ربه الذي إليه منقلبه أن يهديه للحق، ويلحّ على الله أن يهديه فيمن هدى، وأن يستعيذ بالله من مضلات الفتن، فأعذر إلى الله بكثرة سؤاله والانطراح بين يديه أن يريك الحق حقاً ويرزقك اتباعه، وأن يكون ذلك وأنت في حال من التجرّد وقد نزعت قناعاتك المسبقة، ولم يبقَّ أمام عينيك عظيم تعظمه إلا الله عز وجل، فإن الإنسان إذا سأل ربه متجرداً عن قناعاته وليس مقرراً لله برأيه فإن الله يهديه ولا يضله، ويأخذ بيده ولا يخذله.
تذكروا- إذا أردت أن تحدث حدثاً أو تفعل فعلاً أنك تستطيع الآن أن تتحكم في نفسك أن تفعل أو لا تفعل، لكن إذا فعلت فإنك لا تستطيع أن تتحكم في تداعياته، ولا تستطيع أن تسيطر على نتائجه، وقد يكون هذا الفعل سبباً لتداعيات وأحداث هي شر مستطير على المسلمين، وتكون أنت السبب في كل ما حدث، ويكون فعلك ذريعة مسوغة لعدوان على المسلمين لا يستطيعون صدّه ولا ردّه، وذريعة لأهل الكفر يتسلّطون بها على أهل الإسلام ويستبيحون بها ما لم يستبيحوه بعد من حرماتهم.
تذكّروا- أن الشيطان لا يأتي الإنسان فيدعوه للشر باسم الشر ولكن يلبس عليه الشر بلبوس الخير، فمنذ قال لأبينا آدم: { هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَى }، وهو يخاتل الناس ويلبس عليهم دينهم، ولذا فإن كثيراً من أهل البدع والأهواء قد تقحموها وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً، وكم سفكت دماء وانتهكت حرمات ممن كانوا يرون أنهم بذلك يصلحون ولا يفسدون، فليست النوايا ولا الدعاوى دليلاً على صواب العمل فكم من وجوه في النار خاشعة كانت في الدنيا عاملة ناصبة.
تذكّروا أن وجود هؤلاء الأجانب ليس شيئاً طارئاً علينا، فقد عاصرهم قبلنا علماء أعلام ولم يقولوا بمثل ما قلت، ولا دعوا إلى مثل ما دعوت، وجدوا وكان الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الله بن حميد، والشيخ عبد الرحمن الدوسري، والشيخ عبد الرزاق عفيفي، والشيخ محمد بن عثيمين -رحمهم الله- وغيرهم، ألا يثير هذا في نفسك تساؤلاً حقيقياً هل هؤلاء الذين أعمارهم مع العلم أكثر من أعمارنا منذ ولدتنا أمهاتنا لم يفطنوا إلى ما فطنا إليه ولم يعلموا ما علمناه.
ألا يثير ذلك تساؤلاً أنهم ربما كانوا هم على الحق وأنك قد ضللت الطريق وأصبت غير الهدف.
تذكروا- أن الإقدام على أمر خطير كهذا يوجب عليك بذل الجهد في تطلّب الحق وسماع كلام العلماء مهما كان رأيك فيهم، وملاحظاتك عليهم، فرُبَّ كلمة تفتح أمامك باباً أو تكشف حجاباً، وإن النزوى والبصيرة في هذه الأمور العظام وتطلّب الحق من مظانه، وبذل الجهد في تحرّيه خير من أن يظل الإنسان أسير فكرةٍ ورأي واحد، مع إغلاق منافذ فكره عن وجهات النظر الأخرى التي ربما كان الحق المتمحض فيها.
تذكروا أن هذه القضية كلها، وهي إخراج المشركين من جزيرة العرب هي محل اختلاف في الفقه بين العلماء الراسخين والأئمة المتبوعين ؛ فإليك أقوال السلف الصالح في حدود جزيرة العرب :
إن الإمام أحمد رواية أن جزيرة العرب المدينة وما والاها (أحكـام أهـل الـذمة 1/177) وقال الشافعي: "يُمنعون من الحجاز وغير الحرم منه يمنع الكتابي وغيره من الاستيطان والإقامة به، وله الدخول بإذن الإمام لمصلحة... (أحكام أهل الذمة 1/184). وأما أبو حنيفة فعنده لهم دخول الحرم كله حتى الكعبة نفسها لكنهم لا يستوطنون به، وأما الحجاز فلهم الدخول إليه والتصرف فيه والإقامة بقدر قضاء حوائجهم (أحكام أهـل الذمة 1/188).
فإذا كان أئمة الهدى المتبوعين قد اختلفوا هذا الاختلاف وهم أفقه الأمة وأعلمها بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظمها اتباعاً، له فهل يحق لأحد بعد ذلك أن يختصر الأقوال كلها في رأي ترجح له دون غيره ويسلك في حمل الناس عليه سفك الدماء وإخلال الأمن وما يتداعى بعد من مفاسد. وإن كان في مقابل قوله هذه الأقوال ومقابل علمه علم هؤلاء الأعلام.
أُذكِّر الذين ربما يهمون بمثل الأعمال السابقة من قتل أو اختطاف، أو قتل للرهائن أذكرهم ذمة إخوانهم المسلمين فإن المسلمين يجير عليهم أدناهم، وقد أجار النبي صلى الله عليه وسلم من أجارته امرأة، فكيف بمن أجارته جماعة المسلمين.
أذكِّر بما قرره أهل العلم من إن الكافر الحربي إذا فهم من إشارة مسلم أنها أمان فاستأمن فهي أمان، وإن لم يقصد المسلم بها ذلك كما قرر ذلك شيخ الإسلام بن تيمية وغيره. فإذا كانت الإشارة غير المقصودة تصبح أماناً إذا فهمها الحربي أماناً، فكيف بالمعاهد الذي دخل في ذمة حكومة المسلمين وجماعتهم وفهم أنه صار آمناً بأمان المسلمين له.
ولذا فإن المراجعة واتهام الرأي في هذه القضايا العامة والخطيرة ضرورة ما بعدها من ضرورة، فوالله لأن ترجع إلى حق اعتقدته فتوصف بين أصحابك بأنك متخاذل وجبان ومتراجع خير لك عند الله وأبقى من أن تلقاه بكف من دم حرام سفكته في غير حلّه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
أخي الحبيب في الله هاني رعاك الله .
ماهكذا تورد الأبل أيها الغالي ... أن ما قلته عن والدنا وشيخنا عبدالعزيز ابن باز رحمه الله وجعل الفردوس منزلته إن شاء الله في تغير رأيه فهذا لاينقص من منزلته لأنه راي الصواب في هذا .
ولن أزيد عن كلام مشرفنا الحبيب البشري وفقه الله فيما هو صالح للأسلام والمسلمين .
واخيرا وختاماً للخاتمة فإن القول في هذه المسائل خطير، والخطأ فيها قد يكون باب هلكة؛ ولذا فإن علينا بذل الجهد في البحث، وجمع النصوص والأقوال مكتملة غير منقوصة، ومراجعة العلماء ومباحثتهم، وقبل ذلك وبعده اللياذ بالله -عز وجل- وصدق اللجأ إليه، ودعائه والضراعة إليه أن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يهدينا فيمن هدى، وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وأن يهدينا للتي هي أقوم، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن نتذكَّر وصاية النبي -صلى الله عليه وسلم- لحبيبه وقريبه وصهره علي -رضي الله عنه- أن يكثر من قول (اللهم اهدني وسددني)، وأن نتذكَّر بالهداية هداية الطريق وبالسداد سداد السهم، فنكثر من هذا الدعاء النبوي العظيم اللهم اهدنا وسددنا.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أخوكم في الله أبومصعب
__________________
فداك نفسي وابي وامي وقبيلتي والناس اجمعين يارسول الله
" ولو طوى بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وُأهمل علمه وعمله لتعطلت الشريعة وإضمحلت الديانة وعمت الغفلة وفشت الضلالة وشاعت الجهالة وإستشرى الفساد ، وإتسع الخرق وخربت البلاد وهلك العباد ، وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد ." (الشيخ صالح بن حميد)
"أضع رأسي في آخر اليوم على الوسادة دون أن يكون في قلبي حقد أوغل أو حسد أو ضغينة ضد أحد من المسلمين مهما فعل بي وأدعوا الله لمن أخطأ في حقي بأن يغفر الله له ويسامحه "