
رد : م ر س و م
ابو ياسر موضوع العيسى ذكرني بمقال لخلف الحربي عنوانه - ولا زالت الساعة واقفة !
خلف الحربي
. قبل ربع قرن من الزمان دخلت مكتب هذا المسؤول, كنت موظفا شابا في الوزارة ذاتها، استقبلني مدير المكتب بترحاب
كبير لأنني سبق وأن أسديت له خدمة صغيرة، حضر القهوجي
وقدم لي فنجان قهوة لا يمكن أن تجد مثيلا له في الوزارة، دخلت مكتب المسؤول وأنهيت المعاملة التي جئت من أجلها
وكانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف صباحا. مرت السنوات بسرعة البرق بعد خروجي من ذلك المكتب، وحدثت
الكثير من الأحداث المهمة والتافهة: اشتريت سيارة جديدة، غزا صدام حسين الكويت وقصف الرياض بصواريخ سكود،
عملت متعاونا في إحدى الصحف اليومية، أنهار الاتحاد السوفيتي، وصل المنتخب السعودي لكأس العالم لأول مرة في
تاريخه، بعت سيارتي واشتريت سيارة أخرى، انتشرت (الدشوش) في كل مكان وأصبح بإمكان المشاهد أن ينتقل في
فضاء تتزاحم فيه القنوات الفضائية، تعرفت على أصدقاء جدد وانقطعت صلاتي بآخرين، كثر الحديث عن ظاهرة الإنترنت
وأصبح الناس يتبادلون الرسائل بالبريد الإلكتروني، سافرت إلى بلدان كثيرة ورأيت وجوها لا حصر لها، ظهر البيجر
وأصبح الناس يتفاخرون بإظهاره بمناسبة أو دون مناسبة ثم انتفت الحاجة له ليثبت أنه واحد من أكثر الاختراعات فشلا
في التاريخ الحديث، اشتريت أول جوال في حياتي، أنشغل العالم من أقصاه إلى أقصاه بظهور حبة الفياغرا، افتتح
مشروع السوليدير في وسط بيروت، تزوجت ورزقني الله بأول مولود، ظهرت مخاوف عالمية من تعرض أجهزة الكمبيوتر
للعطب بمجرد حلول العام ألفين، اصطدمت طائرتان مدنيتان ببرجي التجارة في نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر
عام 2001, غزت أمريكا أفغانستان وأسقطت نظام طالبان ولكنها فشلت في القبض على أسامة بن لادن، كبر الأولاد
وأصبحت رب أسرة، تعرض المنتخب السعودي لهزيمة تاريخية من نظيره الألماني في كأس العالم، أصر جورج بوش على
غزو العراق رغم معارضة العالم أجمع فدمر العراق وأسقط نظام حكم صدام حسين، استقلت من العمل الحكومي وتفرغت
للعمل الصحفي، أصبحت الإبل تباع وتشترى بملايين الريالات، انفصلت المياه عن وزارة الزارعة وأصبحت وزارة مستقلة
ثم انضمت إلى وزارة الكهرباء، أنشغل الناس شيبا وشبابا رجالا ونساءً بسوق الأسهم وكثر المحللون الاقتصاديون،
انتقلت إلى بيت جديد، أنهار سوق الأسهم وأصيب بعض المتعاملين بلوثة عقلية، قصفت إسرائيل قطاع غزة بوحشية.
وبعد كل هذه الأحداث شاءت الصدف أن تكون لي معاملة في المكتب ذاته الذي زرته قبل ربع قرن، لم يتغير المسؤول
بالطبع وكذلك مدير المكتب الذي أصبح عجوزا طاعنا في السن، حضر القهوجي ذاته الذي رأيته في الزيارة الأولى وقد
غزا الشيب كل ملامحه ولكن ذلك لم يمنعه من أن يقول لي وهو يقدم فنجان القهوة: (كبرت يا أستاذ خلف) فقلت له: (بس
أنت ما شاء الله عليك لسه شباب)، دخلت مكتب المسؤول وأنهيت معاملتي ونظرت إلى ساعة الحائط، لا أتذكر ما إذا
كانت هي الساعة ذاتها التي رأيتها قبل ربع قرن أم غيرها ولكنها كانت تشير إلى التاسعة والنصف، فهل كانت
واقفة؟!.