
رد : كلمات عذبة عن بلوشستان
هذه بعض المعلومات (مواقف واحداث مر بها مؤلف الكتاب"، و قد ترجمها صديقي الشاعر " يوسف الحمود" وهي عبارة عن بعض المعلومات التي قد تم ذكرها في كتاب:
Travels, Tales and Encounters in Sindh and Balochistan 1840-1843
للمؤلف:
Marianne Postans
Oxford University Press, Karachi 2003 Reprint version
ملاحظة: أغلب المواقف كانت في بلوشستان الشرقية .
يتمتع البلوش بحسن الضيافة، وذلك واضح في كل جزء من البلاد التي زرتها. وفي هذه البلاد رأيت أن السرقة تعتبر العمل الأجدر بالازدراء، وعندما يعرضون أو يعدون بتقديم الحماية لشخص قد يطلبها، فإنهم مستعدون للموت قبل أن يخونوا ثقة من ائتمنهم على نفسه. ولديهم طاعة كبيرة لزعمائهم برضا وقناعة واستعداد، لكن هذه الطاعة بدت لي ناجمة عن الثقة في آداب المجتمع التي ينبغي عليهم الالتزام بها، وعن رغبة لتأكيد احترام القبائل الخاصة بهم، وهذا يعتمد كثيراً على السردارات أو الزعماء، وليس على أي مشاعر إذعان واحترام تجاه هؤلاء.
وقد لاحظت في العديد من الحالات حتى في أثناء وجود هؤلاء الزعماء، أنهم يتصرفون بما يفيد أنهم نادراً ما يسهل قيادهم لأصحاب هذه السلطة. في عاداتهم المنزلية تجد البلوش في معظم أوقاتهم رعويين، حيث يقيمون عادة في "الجيدان" أو الخيام التي تصنع من اللباد الأسود أو حرام خشن ممدود على هيكل مجدول من أغضان الجوز (التمريسك). مجموعة من الجيدان تشكل التومون أو القرية، والذين يسكنونها يسمون "خييل" أو المجتمع، ومن الواضح من طبيعة تشكيل القبيلة أن عددها لن يكون محدوداً، وأعرف عدداً من الحالات تجاوزوا فيها عدد العشرين أو الثلاثين، ويتم تمييزهم عادة بسابقة تعريفية مثل أوميري، داوودي، سورداري إلى آخره إلى كلمة خييل مثل اوميري خييل، المجتمع النبيل، داوودي خييل، مجتمع ديفيد، وهكذا. وهذا التقسيم المعقد للقبائل إلى مجتمعات من الممكن أن يربك الملاحظ العادي، كما يمكن أن يخلط هذا الملاحظ بين الألقاب المميزة لهم وأماكن الإقامة. على سبيل المثال عندما كنت في نوشكي على حدود الصحراء، كان هناك خيل مينجل براشويس (وهم أناس تقع بلادهم إلى جنوب كيلات) على بعد ميلين، وعندما سألت أحدهم عن قبيلته أجاب المينجل، وعن مجتمعه أجاب النوشكي أو مجتمع نوشكي.
من المناسب أن نضيف أن بعض البلوش بخاصة قبائل الناروئي يفضلون البيوت الطينية على الخيام، ويعيشون حتى في قلاع، وليس من غير المعتاد في الأجزاء الغربية من بلوشستان أن تد نصف مجتمع يقيم في جيدانس، والآخرون في الأكواخ، وأعتقد أن تفضيل الخيار الثاني لأنه بارد.
يتم استقبالهم للضيوف بشكل بسيط لكنه مؤثر. عندما يصل زائر إلى تومون، يتم بسط سجادة أمام باب ميهمان كهانو، وهو منزل الضيوف، يوجد منه منزل واحد في كل مدينة أو قرية في بلوشستان، ثم يظهر السردار أو رئيس الخييل مباشرة، ويتعانق مع الغريب، ثم يبدأ تقبيل الأيادي، يأتي أتباع الثاني على التتالي ويتقدمون ويعطيهم السردار يده ويقومون بضغطها إلى جبهاتهم وشفاههم. وبذلك يتم الاستقبال في صمت عميق ويجلس الطرفان إلى بعضهما البعضن حيث يتوجه الزعيم بالخطاب إلى الغريب ويسأله عدة مرات عن أحواله، وتكون الإجابات حسب المصطلحات المعتادة، ثم يسأله بنفس الطريقة عن عائلته وأصدقائه، وعن صحة أتباعه الحضور معه في المجلس والذين يلتفت إليهم الزائر كأنه يطلب معلومات، جميعهم يومئون بالموافقة على أنهم في صحة جيدة، ويختتم الاحتفال بقيام الوافد الجديد بطرح عدد من الاستفسارات عن صحة العائلة والمجتمع والأتباع وأصدقاء السردار.
يحتفظ البلوش بعدد كبير من العبيد من كلا الجنسين، ويعاملونهم بلطف وليبرالية ومما يسر مشاهدة هذه المعاملة. عندما يؤسر هؤلاء العبيد في البداية يكونون أقل كائنات الوجود حظاً، وللحقيقة فإن المعاملة التي يلقونها هي من أقسى أنواع المعاملة حيث يتم عصب أعينهم وربطهم على الجمال، ويتم نقلهم بهذه الطريقة لمنع إمكانية التعرف على طريق العودة من قبلهم، كما يتم حلاقة شعر المرأة ولحية الرجل، بالإضافة إلى فصلهم عن جذورهم لمنعهم من الرغبة في العودة لزيارة تربة الوطن، لكنهم سرعان ما يعتادون على مصيرهم، ويصبحون خدماً أمناء. ويجب علي أن أسرد حادثة توضح الاساس الذي يعيشون بناء عليه مع أسيادهم. لقد تحدث القبطان كريستي حول هذا الموضوع وأعرب عن دهشته لايديل خان روخشاني، سردار نوشكي، عن أن العدد الكبير من العبيد عمل بدأب دون أن يراقبهم أي شخص. وتابع قائلاً "لم لا"، "فهم يحصلون على اللباس والطعام والمعاملة الجيدة من أفراد العائلة الآخرين، وإذا لم يعملوا بجد فهم يعرفون أن الخبز سيكون نادراً، ويجب عليهم عند ذلك أن يعانوا كما سنعاني نحن أيضاً، لذلك من مصلحتهم الحصول على الكثير لأنهم يعرفون أن كل ما أحصل عليه يحصلون على حصة منه".
وقد وافق القبطان كريستي على عدالة هذه الملاحظات، لكنه أضاف أنه اعتقد أنه من الممكن أن يهربوا. وأجاب السردار القديم "لا شيء من هذا القبيل، فهم أكثر حكمة من هذا كله، في المقام الأول فهم لا يعرفون الطريق إلى بلدهم، لكن حتى لو كانوا يعرفون فما الذي سوف يدفعهم للعودة؟ إنهم أسعد هنا ولديهم هموم أقل، كأنهم في منزلهم، وينبغي عليهم العمل قدر ما يستطيعون، كما يجب عليهم أن يفكروا في ملابسهم، منازلهم وأطعمتهم، وهم يطلبون مني كل احتياجاتهم، وباختصار، فإنني أعرف مشاعرهم، ويجب علي أن أبلغك أن أقصى عقوبة يمكن أن تقع على الواحد منهم هو منعه من ممارسة عمله".
اللباس الشائع للبلوش هو قميص خشن أبيض أو أزرق من نوع كاليكو، مفتوح حوالي أربعة عشر إنشاً من الأمام، مزرر عند العنق، ويصل إلى أسفل الركبة، وتصنع لابناطيل من نفس القماش، أو نوع مخطط من قماش يدعى السوسي، وتشد حول الكاحلين، على رؤؤسهم نادراً ما يرتدون أي شيء باستثناء قلنسوة حرير أو قطن صغيرة بشكل يستقر على الجمجمة. وفوق هذا، وعندما يرتدون اللباس الكامل، يضعون التربان سواء المخطط أو الأزرق وكومور بوند أو ساش من نفس اللون حول الخصر. ويظهر الزعماء وأقاربهم بالمثل في الشتاء في الخاليق أنوالتونيك من شينز مخطط ومصنوع من القطن، والفئات الأفقر عندما تكون في الخارج تلف نفسها في معطف ضيق مصنوع من نوع فريد من القماش، ومصنع من مزيج من صوف الغنم وشعر الماعز.
إن لباس المرأة مماثل جداً للباس الرجل، وتكون قمصانهن عادة من القطن المصبوغ بالأحمر أو البني، ويكون طويلاً جداً ويصل حتى الكعبين ومفتوحاص من الأمام أسفل الصدر، وحيث أنهم لا يرتدون شيئاً تحتها، فإن أعضاءهم تكون مكشوفة، فيما تكون البناطيل فضفاضة إلى حد كبير، ومصنوعة من الحرير أو بالجمع بين الحرير والقطن. إن الشابات من النساء سواء المتزوجات أو غير المتزوجات لديهن طريقة ذكية جداً في تجميل شعرهن من لخال تقسيمه إلى خصلات وعقصه حول الرأس، وإدخال جميع الأطراف في عقدة في الأعلى، وتبدو هذه التسريحة شديدة الترتيب والأناقة، ولطالما لم أستطع تمييزها من على مسافة قريبة فظننتها قلنسوة. بالنسبة للنساء المسنات فإنهن يعقدون مناشف على رؤوسهن، منسوجة بالورود أو مغزولة أو من مصنوعة من الحرير. عندما يخرجن من المنزل، فإن الشابات والمسنات على حد سواء يغطين وجوههن بحيث لا تظهر، لكن لا يفعلن ذلك وهن في المنازل، كما ذكرت ذلك سابقاً، وعندما كنت في قرية نوشكي، كنت في جيدان السردار في غالب الأحيان وكانت كل عائلته حاضرة هناك.
إن الجندي البلوشي عندما يكون مسلحاً كمايجب يقدم عرضاً مخيفاً. إذ أنه يحمل بندقية فتيل، سيفاً، رمحاً، خنجراً، ترساً، بالإضافة إلى العديد من قوارير البودرة، أدوات التحذير والتنفير والأكياس، وتكون هذه الأخيرة مليئة بالكرات، الأقراص، أحجار الصوان، صناديق مواد ريعة الالتهاب، وأدوات الحرب الأخرى والتي تشكل عبئاً كبيراً له في حالة الحرب إلى درجة لا تصور، ولا يبدو أنها تعوقه عن مهمته، فضلاً عن أن قوة المحارب تقاس بوزن هذه التجهيزات. وجميع هؤلاء المحاربين رماة بارعون، وبسبب ذلك فإنهم يتفادون قدر الإمكان القتال عن قرب، لكن عندما لا يكون أمامهم بديل عن ذلك، فإنهم إما يقومون بإلقاء هذه الأسلحة عن كاهلهم أو يضعونها على الجمل أو الحصان الذي يمتطونه.
إن أفضل ومعظم الأسلحة الحربية التي لديهم هي من صناعة أجنبية، ومنها البنادق ذات الفتيل، السيوف والخناجر التي يحصلون عليها من فارس، خراسان وهندوستان، الدروع من هندوستان، وبالنسبة للرماح فإنهم يحصلون عليها من جيرانهم في السند. في كيلات هناك ذخائر من البنادق، السيوف ولارماح التي تعود حصرياً للخان، لكن المصنعية التي رأيتها كانت سيئة ولا تدل على براعة.
بالنسبة لنشاطات الترفيه والتسلية عند البلوش فهي كما تتوقع من أناس غير متحضرين، فهم يعشقون كافة أنواع الرياضات الميدانية، ويقضون الكثير من وقتهم في الرماية، الصيد ومطاردة الطرائد من الحيوانات والطيور، لذلك يحرصون على تقديم التدريب الكافي لكلاب الصيد والطرائد، بحيث أن الكلب الجيد من هذه الكلاب قد تساوي قيمته جملين أو ثلاثة أو أكثر، وقد أخبرت أن خان كيلات كان يدفع ما قيمته أربعمائة روبية للكلب الواحد. وتشمل رياضاتهم أيضاً إطلاق النار على الأهداف، استخدام النبابيت والهراوات، المصارعة، التمرن على السيوف، ورمي الرمح، وما شابه، إلى جانب كافة التسليات الأخرى المقترنة بها، وتجد أن الأحياء المتجاورة تتعاون مع بعضها البعض في هذه التدريبات والتمارين، حيث أنهم يفهمون جيداً هذه التمارين، بل إن بعضهم لديه خبرة كبيرة فيها، وأنا أؤكد أنه يمكن للواحد منهم أن يصيب هدفاً لا يزيد على ستة إنشات مربعة على حصان يعدو بأقصى سرعته، ويمكنني أن أؤكد بثقة أن الدليل الذي كان يرافقني خلال الرحلة استطاع أن يقتل على مسافة خمسين إلى ستين ياردة كل طائر صغير مثل القبرة، العصفور والخ.. بعد إطلاق النار عليه، بطلقة واحدة. ولم يكن يبدو أنهم يعتبرون ذلك دليلاً على براعتهم في الرماية. وقبل أن أنتهي من تعداد هذه التسليات، لعلني أقدم وصفاً تسلية خطرة جداً رغم أنها شائعة بين جميع الفئات والتي يقومون بها على ظهر الحصان ويدعونها "نيزوه بازي" أو اللعب بالرمح.
حيث يتم غرز وتد خشبي بسماكة متوسطة في الارض، ويقوم فارس بالانطلاق بأقصى سرعة ثم يغرز رمحه فيه بحيث يخرجه من الأرض ويحمله معه، وتزداد صعوبة وخطورة هذا العمل حسب عمق الوتد في الأرض، لكنها في الشكل الأكثر سهولة، تحتاج إلى جهد كبير وبراعة في الذراعين والمصعمين بالإضافة إلى قدرة عالية على التحكم بالحصان والرمح في الوقت نفسه.
إن المناسبات الجنائزية وحفلات الزفاف عند البلوش تتم وفق ما نص عليه القرآن، وبغض النظر عن بعض الاختلاف الطفيف فإنها تشابه تلك الطقوس الموجودة عند مسلمين آخرين لذلك لن أعيرها الكثير من الاهتمام. عندما يكون أحد المرضى في حالة خطرة، يتم دعوة الملا أو الشيخ ليتلو عليه القرآن ويقوم بذلك على فترات ويتابع ذلك حتى يتحسن الرجل المريض أو يتوفى، وفي الحالة الأخيرة يتم إرسال البواكي للنواح عليه، ويتم تحضير الطعام في منزل المتوفى لفترة ثلاثة أيام وليال متتالية، حيث يتواجد من يريد من الأصدقاء، أو يتم قراءة بعض الدعوات للمتوفى. ويكون لاملا هو المسؤول عن تلك المهمة، وتتحدد طبيعة هذه المناسبة بمدى ثراء أو فقر المتوفى وعلاقاته بحيث قد يحضر المأتم عدد ممن يدعون لمثل هذه الغاية وهؤلاء يقومون بالنواح على المتوفى.
تقبلوا مني فائق التقدير والاحترام