
وصيّة المجنون
الجمعه 21 ذي الحجة 1429هـ - 19 ديسمبر2008م - العدد 14788
كلام الليل
وصيّة المجنون
أحمد أبو دهمان
"المرأة قد تغفر لمن يجرؤ. لكنها لا تغفر أبداً لمن لا يجرؤ"
عثر أهله على هذه الجملة تحت وسادته بعد أن مات. سألوا أهل العلم عن معنى هذه الوصية، لكن أحداً لم يجرؤ على تفسيرها. اكتفوا جميعاً بالقول "والشعراء يتبعهم الغاوون".
لم يكن علي إلا شاعراً. كان مشلولاً وأعمى، لم يعرف أامرأة في حياته إلا أمه التي لم تنجب سواه.
كان بيت الأسرة معبراً للحجاج. وكل حاج أو حاجة يترك هدية أو أثراً في البيت وما حوله. وكانت أم علي حريصة على تغذية وحيدها بالشعر والحكايات. ولذا كانت تتوسل ضيوفها أن يتركوا لها قصيدة أو قصة بدلاً من الهدايا الأخرى. امتلأ علي وأمه شعراً. فاض الوادي بالقصائد القادمة من كل مكان. وكل قصيدة أو قصة تزرع في علي أملاً بالشفاء. أحياناً ينهض على قدميه بعد أن تسمعه أمه قصيدة أو حكاية، ثم يعود إلى فراشه.
مرة، جاء رجل وابنته، استقرا في بيت أبي علي قليلاً. لم تكن البنت قد سمعت شعراً في حياتها. أصابها الشعر بما يشبه الشلل. وأصابها يقين بأن علي مصاب بالشعر فقط. تركها أبوها وديعة عند أم علي، وسافر للحج. في عودته من مكة وجد ابنته بخير. كانت تمشي برفقة علي في الوادي. مكث الأب قليلاً في ضيافة الأسرة. كان علي يمنحه وداً لم يمنحه لضيف غيره.
عقد الأبوابن اجتماعاً بحضور أم علي. لم يدم الاجتماع طويلاً. أقسم الحاج أن ابنته مخطوبة وأن موعد الزواج مرهون بالعودة من مكة.
عاد علي وشريفة من نزهتهما. لم يكن الشاعر في حاجة إلى معرفة تفاصيل ما حدث. لقد رأى بأذنيه ما لم تره شريفة.
دعاها على حدة. قرأ عليها قصيدته الأولى. عاد إلى المجلس. وعاد إليها ذلك الشلل.
حملها أبوها على ظهره ورحل. لا أحد يعرف ماذا حدث لشريفة. أما علي فقد مات على عجل تاركاً الوصية أعلاه "المرأة قد تغفر...."
التعديل الأخير تم بواسطة إبن ناشر ; 21-12-2008 الساعة 07:20 AM