اندلس الضياع..(بعد السقوط)
--------------------------------------------------------------------------------
بعد ضياع غرناطه...
بدأ التعسف والاضطهاد مباشرة بعد سقوط غرناطة وبدأت حملات التنصير الاجباري للمسلمين. ولكن الاسبان لاحظوا ان هؤلاء غالباً ما كانوا يظهرون المسيحية ويبطنون الاسلام وبدأت محاكم التفتيش بمحاكمة وحرق من يشتبه فيه التنصير الظاهري
فراح الكثير ضحايا هذه المحاكم التي أمرت بأنشائها الملكة ايزابيلا لتلتهم اليهود والمسلمين وفيما بعد حتى النصارى الذين يشك في ولائهم المطلق للكنيسة الكاثوليكية فاقترنت ايزابيلا بمحاكم التفتيش هذه في التاريخ فكانت سنّة سيئة عليها وزرها ووزر من عمل بها..
في سنة 1502م صدر مرسوم ملكي يقضي بأن يُمنح المسلمون شهرين فقط لا غير لاعتناق المسيحية أو الطرد النهائي فشهدت ساحات غرناطة احراق 000/80 من الكتب العربية والتنصير الاجباري للمسلمين من نزلاء حي البيازين المقابل لقصر الحمراء.
وفي سنة 1566م صدر مرسوم ملكي آخر يقضي بمصادرة الكتب العربية ومنع التكلم بالعربية ومنع الحجاب بالنسبة للمسلمات وغلق الحمامات العامة ومنع الزي الاسلامي والاستعاضة عنه بالزي الاسباني وتغيير الاسماء العربية إلى الاسبانية.
كان هذا فوق طاقة تحمل المسلمين فاندلعت ثورة عارمة في غرناطة وفي منطقة جبال إلبشارات التي التجأ اليها الالوف من المسلمين استمرت هذه الثورة لثلاث سنوات متتالية..
ارتكب فيها الاسبان ابشع الجرائم فاحرقت الكهوف على ساكنيها في جبال إلبشارات وقتل فيها الاطفال والشيوخ والنساء.. كان مدبر هذه الحملة على هؤلاء المقهورين البائسين هو (الامير دون جون) الابن اللقيط للامبراطور كارلوس الخامس، فلم تهز قلب هذا اللقيط انات الاطفال والنساء وهم يقتلون ويحرقون امام ناظريه بالالوف، فنال هذا اللقيط مكانة بجدارة في التاريخ بين سفاحي ومجرمي البشرية الجديرين بلعنة الله ولعنة اللاعنين!
تبكي الحنيفية البيضاء من اسف***كما بكى لفراق الالف هيمانُ
على ديار من الاسلام خالية***قد اقفرت ولها بالكفر عمرانُ
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة***حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهر موعظة***ان كنت في سنة فالدهر يقظانُ
تلك المصيبة انست ما تقدمها***ومالها من طوال الدهر نسيانُ
يا راكبين عتاق الخيل ضامرةً***كأنها في مجال السبق عُقبانُ
وحاملين سيوف الهند مرهقةً***كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعة***لهم بأوطانهم عزٌ وسلطانُ
(ابو البقاء الرندي)
بالغ المسلمون في كتمان دينهم عن الاسبان، وقد اطلق عليهم الاسبان (المورسيكيون) في النصارى الذين ابطنوا الاسلام فكانت الوفود السرية تتوالى على المسلمين من شمال افريقيا ناقلة الفتاوى والتشريعات التي تعلمهم كيف يحافظون على دينهم في ظل هذا الكبت والكتمان..
إلاّ ان ذلك لم يكن ليستمر طويلاً.. ففي سنة 1612م كانت خاتمة الاسلام في الاندلس حيث اجبر المسلمون على الرحيل ومغادرة البلاد فغادر الكثير منهم ومات الكثير منهم في الطريق إلى شمال افريقيا وحمل بعضهم مفاتيح بيوتهم في غرناطة على امل العودة يوماً ما واستقر الكثير منهم في فاس والرباط وغيرها من مدن الشمال الافريقي.. كانت هذه الهجرة هي الاخيرة وقد قدر عدد النازحين بين نصف مليون والمليون وبعضهم يصل بالعدد إلى 3 ملايين وهكذا اسدل الستار على شعب مسلم عظيم عمّر ارض اسبانيا وارسى فيها حضارة عظيمة كان محط انظار العالم في القرون الوسطى.
(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير).
اسباب السقوط
لابد واننا نستطلع تاريخ الاندلس ان ندرس عوامل سقوط هذه الدولة.. لانني اعتقد جازماً ان دراسة التاريخ ليست قصصاً مجرداً أو لترويج الفكر بقراءة دول الاقدمين وكأن حاضرنا مقطوع الجذور فان الدول تتشابه في نشوءها وهرمها وسقوطها فلو عرفنا العلل التي تصيب الدول فلعلنا نستطيع ان نصحح في حاضرنا ما اخطأ فيه الاقدمون في ماضيهم.
فاي دولة تقوم في التاريخ ولابد لها من عقيدة يؤمن بها افرادها لكي تخلق في نفوسهم حبها والاستماتة في الدفاع عنها ومن ثم قهر اعدائها وتوسعها.. هذا ما عبر عنه ابن خلدون في مقدمته بعنوان العصبية التي قد تكون ناشئة عن القبلية أو الدين وههذا ما نعبر عنه في الوقت الحاضر بالايدلوجية..
فلو اخذنا تاريخ العرب قبل الاسلام لرأينا مثلاً انهم كانوا قبائل مشتتة متحاربة يأكل قويها ضعيفها تفشت فيه العصبية ولكنها على مستوى القبيلة فكان الفكر القبلي قادراً ان يجمع القبيلة الواحدة أو حليفاتها ولكنه لم يستطع ان يخلق منها امة إلى ان جاء الاسلام وجمع العرب تحت راية التوحيد واستطاع ان يبعث في قلوبهم حب هذا الدين والذب عنه والجهاد في سبيله فخلق منهم امة متآلفة يجمعها هذا الدين..