عرض مشاركة واحدة
قديم 26-05-2008, 09:06 AM
  #1
إبن ناشر
عضو متميز
 الصورة الرمزية إبن ناشر
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 854
إبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond reputeإبن ناشر has a reputation beyond repute
افتراضي بكاء بنت العم هم وغم

الاثنين 21 جمادى الأولى 1429هـ الموافق 26 مايو 2008م العدد (2796) السنة الثامنة

كتاب اليوم

محمد ناصر الأسمري
بكاء بنت العم هم وغم ودمع من خلائقه الكبر
كان هنالك جمع من النسوة، متحلقات حول مقعد مرتفع في بيتنا العلوي. هناك حركة وعلامات حزن وقلق بين النساء، كنت أعرف فقط جدتي لأبي رفعة غفر الله لهما. فجأة دوت صرخة جماعية من النساء وعويل ونحيب ؟ أحدث هذا ردة فعل سريعة لدي فانفجرت في البكاء خوفا وهلعا. كانت ابنة عمي فاطمة الأقرب إلي، كانت دموعها غزيرة، لكنها بلمحة برق حملتني على ظهرها وخرجت بي من المجلس إلى الطراد، ثم إلى السفل إلى خارج البيت. كان الحلى تلك الأيام التمر. لحقت بنا جدتي وأم فاطمة بجدعة من التمر.
أعطتني فاطمة التمر، لكن الخوف ما زال مسيطرا علي؟ حاولت تهدئتي، لكن لم تفلح، ولم تجد بدا من صفعي ناهرة لي: عيب "الريال" ما يبكي!
أمضت الوقت تلاعبني وتداعبني لكن هيهات ما زال في حلقي غصة وخوف.
لم تمض سوى ساعة أو أكثر حسب تقديري الآن، إلا وقد امتلأ المجلس من الرجال، أعمامي وخالي. كان الحزن شامة لهم، لكن دموع خالي كانت صامته. جدتي كلما رأتني تصنعت ابتسامة، لكنها ابتسامة دامعة.
بحث الرجال عن مساحٍ، وعتل واتجهوا إلى المقبرة، لم أكن أعي ما يصنعون.
قبل المغرب، كان البيت مزدحما بالرجال، وقلة من النساء عمات وخالات وزوجات أعمام.
ترددت الأصوات: معاوضين بخير في زلفة؟ الله يعفى عنها ويتغمدها "بالينة"؟
والإجابة، الله يستر حالكم، الحمد لله على كل حال. في اليوم الثاني عرفت أن زلفة التي يعزون فيها هي أمي؟؟؟؟ لم أكن قد تبينت ملامح وجهها غفر الله لها. كانت من أجمل نساء القرية، حظي بها أبي، وأحبها، لكنه لم يعلم بموتها إلا بعد شهر فقد كان مصابا في خان يونس، مجاهدا في سبيل الله مع الجيش السعودي في فلسطين.
ماتت أمي رحمها الله بعد ولادة شقيقي الذي أصرت جدتي على تسميته غازي، لأن أباه كان غازيا.
كبرت فاطمة بنت العم، صارت عروسا، وما زالت تحملني على ظهرها كلما حرت في المسير، تبعد الشوك من أقدامي، وتقصع القمل من ثيابي، تدللني، لكنها كلما أوجعتني شوكة وبكيت تصفعني. عيب "الريال" ما يبكي؟. ما زالت تلبس المنديل الأصفر الشعار الذي تلبسه البنات، وإذا تزوجن استبدلنه بالمقلمة، والمريشة بالألوان الزاهية من الحرير المشغول بأصابع عمي عاطف فقد كان موهوبا في تطريز البز من الستن الأسود. رحمه الله كان إمام "المسيد"، ولأن فاطمة قد خطبت لابن عمي عماش، فقد بات من الواجب أن تدرب على الأعمال المنزلية، طلبتها أمها عمتي رحمة، وأحضرت لها العجين، كي تلبق الفطير في الميفا. كانت غضة طرية، لم تقو كفها على احتمال حرارة التنور - الميفا - فسحبت يدها وسقطت الفطيرة، وبسرعة البرق، أرجعت أمها يدها وألصقتها مكان الفطيرة، صاحت فاطمة من حر النار. هذه طريقة تربوية، لترسيخ مبدأ الجودة والجدارة.
لم تكتف أم فاطمة، والتفتت إلي، قائلة: محمد أخمدها وأنا أمك، علشان ما تطيح الفطيرة. قلت لها: لمه؟ فمدت لي بشظافة من العرعر، قائلة: تخمدها وإلا أخمد رأسك. أخذت الشظافة وضربت فاطمة على رأسها، صرخت، لاعنة الفطير وأنا، متوعدة إياي قائلة: والله يا محمد؟ دواك عندي!
وصل عمي والد فاطمة رحمه الله، وجد فاطمة تبكي، كانت هي وحيدته، صاح: ما بش يا بصري؟؟ قالت أسود - الويه - محمد خمدني على رأسي. التفت إلي قائلا: ها الله يفشلك! كاد يصفعني، لكني أم فاطمة قالت: ريَع، أنا قلت له يخمدها. طحت الفطيرة، عندها، قال: هيهه: نعيد يدك. ثم التفت إلى فاطمة مقبلا لها وليدها التي اكتوت بالنار من حر الميفا.
"توزيت" بعمي من فاطمة مما توعدتني به. قال يا فاطمة: تريها ذمتي لمحمد ما تنوشينه. قالت: وزى يا أبه؟؟
تفرقنا، رحلت إلي أبي في الطائف، هي تزوجت وأنجبت حسينا وعلياً وبنات صالحات. صار لها بنون وحفدة، كان زوجها تاجا لها مثلما هو تاج لي إلى اليوم بحبه ونصحه وحنوه وخلقه الرفيع. كلما زرتهما كان يذكرني بخمدتي فاطمة، وترد بحنان علي، قد سامحتك يا محمد أليس؟
وصلني هاتف أن فاطمة ماتت! يا الله! ذرفت دمعا عليها من خلائقه الكبر، حار في المآقي والحنجرة. تقبلت العزاء مع حسين وعلي وأخي ابن عمي، وودعت مربيتي وتاج رأسي، زوجها اكتفى بحبس الدمع مرددا : يا أحلى امرأة في الكون
لك الجنة يا فاطمة وأنا أقول لك المعزة بن عماش.
إبن ناشر غير متواجد حالياً