السيد / قحطاني
تحية عطرة
مرفق كلمة الدكتور علي في ملحق زيارة سمو نائب أمير منطقة عسير لسراة عبيدة في صحيفة الوطن يوم الثلاثاء 18 شوال 1425هـ، عسى تجد فيها ماكنت تبحث عنه
هل يحتاج سمو الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز إلى أن نخوض معه تفاصيل المكان حيث هو اليوم في كل مكان في "محافظتي" التي ظنت ذات يوم سحيق أنها كل الأرض ـ حيث كان العالم كله يومها لا يتعدى حدود القبيلة؟الجواب باختصار، لا ـ وتبرير النفي لن يخرج عن معرفتي به كمسؤول يدهشك بالمبادرة إلى شرح التفاصيل. اليوم، أمتلك هذه المساحة للتعريف بما كان في خيالي ذات يوم: كل العالم القديم. ما هي سراة عبيدة؟ إنها كل تلك السحنات التي
تكتسي لوناً لم أجد مثله أينما سافرت في كل الأرض. لون من العالم القديم لم يستطعه أي من القرون الطويلة أن يضيف إليه مسحة ناهيك أن يعبث بالتفاصيل. الذهب بكل بساطة لا يتبدل. أذكر أنني لمحت "أحدهم" غريباً ذات يوم في قصى شمال غرب إنجلترا فهرعت إليه لأنه كان لون "السراة" التي أعرفها فلم يخطئ الحدس. يقول " حمد الجاسر" إن أصل الخيل العربي ابتدأ من أودية هذه المحافظة السحيقة وحين أعطى وصفاً دقيقاً لملامح ذلك الخيل تخيلته يتحدث عن ذات الألوان التي أعرفها في جبهات "العتقا"" الأحرار ولا ريب فأهلها ينشطرون إلى سبيكتين من ذهب: إما أنهم أحفاد المهلهل سالم الزير أو أولاد جنب بن سعد وكثيرهم مثلي أخذ من "الأصفرين" إما بدم مباشر أو نسب معتق. أين هي سراة عبيدة؟ إنها معكم في كل مكان لأنها من الخلايا القليلة المانحة التي تستطيع العيش في كل مكان من هذا الجسد الكبير. من هذه المساحة بالتحديد أقف متحدياً أن يثبت لي أحدكم خلو محافظة سعودية واحدة من لون سحنتها الذهبية المائلة إلى السمرة: اسألوا عن أهلها في المكتب الذي تعملون به وفي الحي الذي تقطنونه وسيأتيكم من أهلها حولكم
من يستطيع الخوض في تفاصيل التفاصيل. لأهلها ميزتان ينفردون بهما بالرهان على الجميع: عصاميون، ولأنهم في الأصل أعراب أصلاء يلتحفون السماء ولهذا لا يوجد فوقهم سقف محدد للطموح. الأخرى أنهم أول من ينام وأول من من يستيقظ. تغيب عنهم الدنيا بين العشاء والفجر فيشعلونها بين الفجر والمغرب. وكما لا يوجد لديهم سقف للطموح فلا يعرفون أيضاً سقفاً للهمة. بمجرد المسافة بين الفجر والمغرب يستطيعون لو كلفوا أن يستضيفوا قمة عربية. لسراة عبيدة ثلاث جهات تبدأ منها ملامح النهاية وهي على عكس بقية محافظات الجسد الكبير لا تعرف حدوداً من الشمال لأنها تمتد في هذا الاتجاه حتى تصل لرفحا وحالة عمار: بعض أهلها هم من يختم لك الجواز في منافذ السلوى والحديثة. تبدأ
هذه السراة غرباً من جبل "عين اللوبي" الذي كان في الأساطير مساحة مخيفة لبعض قطاع الطرق. كانوا عصابة رسمية منظمة تتبع لشيخ العصابة الشهير وما زالت أسرته تتوارث الفخر بالانتماء إليه وإن كانت تدعو له اليوم بالغفران والعفو والرحمة. اليوم يحتضن هذا الجبل أكبر مركز للنمو على مستوى المملكة بمئات الفلل الحديثة التي أطلقها خالد الفيصل استجابة فورية لمكافحة الفقر. تنتهي سراة عبيدة جنوباً في "جلة الموت" التي كانت مستودعاً هائلاً لما شئت أن تسمي من الأوبئة: كانت مختبراً متحركاً للجدري والطاعون والملاريا وكانت عاصمة "الموت" الرسمية ليمر عليها من أراد أن يودع الشمس. كانت هاجس ابن الفيصل الذي حولها رسمياً إلى "وادي الحياة" وبنى فيها آخر إصدارات مركز النمو على أنقاض مستودع الطاعون. تنتهي "السراة" شرقاً في وادي "الخنقة" فلا إضافة كتابية قد تزيد من تبسيط
الوصف: يكفي أن تعيد الاسم إلى جذره اللغوي لتكتمل تفاصيل المكان. اليوم أكتب للجيل الجديد من أهلي هناك الذي لم يسمع بتفاصيل الجغرافيا والتاريخ لأنه فتح عيونه على النسخة المعدلة من "العالم القديم": على هذه السراة
"المودرن" التي غيرت جلدها في أقل من ربع قرن وهي التي اعتادت فيما قبله أن تلبس جلداً واحداً يمتد إلى طريق أبرهة القديم. هذا الجيل الجديد الذي لم يشم رائحة التاكسي الأصفر القديم الذي كان "وصلة" أهلها الوحيدة في بدايات موسم الهجرة إلى الشمال ولم يسمعوا صوته الجهوري وهو ينادي على الراحلين: إلى السراة التي سرى منها النبي. اليوم أكتب لأهلي هناك ولأنهم عاشوا جل حياتهم على "نسخة واحدة" فلم يحتمل بعضهم اختلافي حين جئت مختلفاً في "إصدار جديد" ولهذا كانت السراة وأهلها أكثر قرائي عتباً واختلافاً لسبب بسيط: لأنهم لا يودون إضافة
مزيد من الأساطير لقاموسهم القديم. "أولئك آبائي"، وكم تذكرت هذا البيت الشعري القديم مع أستاذنا الراحل رياض خليفة، في ثانوية السراة، حتى خلت أن الفرزدق وجرير من "بني بشر" و"عبيدة": من هذه القبائل التي سكنت كتاب التاريخ واستوطنت جلة الموت وجبل "ظلم" الشهير