
رد : الزنادقة
جزاك الله خيراً وبارك الله فيك وأسمح لي بطول المدخل الخاص بي وأذكر قبل أن ألج في المداخلة قصة وهي : يذكر أن رجلا جاء إلى أحد الخلفاء ، وقد جمع زلات العلماء ، وجاء بها إلى ذلك الخليفة، فقال: هذه فتاوى ؛ أفتى فلان بإباحة نكاح المتعة ، وأفتى فلان بشرب الخمر إذا لم تسكر ، وأفتى فلان بسماع الأغاني ، وأفتى فلان بجواز سفر النساء بغير محرم ، وأفتى فلان بإباحة سفور النساء وإبدائهن زينتهن ، وأفتى فلان بإباحة ترك صلاة الجماعة والصلاة في البيوت ، وأشباه ذلك.
فتعجب ذلك الذي سمع تلك الفتوى ، وقال : هذه رخص ؛ فعند ذلك جاءه أحد العلماء وقال : إن من تتبع الرخص تزندق ؛ وذلك لأنها لم يقلها عالم واحد. إذا قالها عالم فإنه لم يقل بها كلها. إنما قال بواحدة ، والثاني قال بواحدة ، فإذا اجتمعت فيك أنت فقد اجتمع فيك الشر كله ؛ أخذت زلة فلان ، وزلة فلان ، وزلة فلان ؛ فتكون بذلك قد جمعت الشرور ، وجمعت الأخطاء.
أخي الفاضل : لم تظهر الزندقة في المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، لأن الخلافة الأموية كانت في أوج عزتها وعنفوان قوتها، وكانت واقفة بالمرصاد لكل أصحاب الملل المناقضة للروح الإسلامية..
وأما نشأة الزنادقة فكانت في القرن الثاني الهجري، وكان عددهم محدوداً ونشاطهم في غاية السرية. بالإضافة إلى أن قيام الدولة العباسية كان بسواعد الموالي الفرس الذين قاتلوا مع العباسيين ضد الأمويين وكانوا سبب في القضاء على الدولة الأموية.. ومن ثم اعتمد عليهم الخلفاء العباسيون ووثقوا بهم وكافأوهم واستوزروهم واتخذوا منهم بطانة وقادة لجيوش المسلمين.. إلا أن فئة من مفكريهم لم يلامس الإسلام شغاف قلوبهم..
وكانوا يحنقون على المسلمين بسبب ضياع ملك الأكاسرة على أيدي المسلمين فأسلموا ظاهراً وأبطنوا الكفر بغية تدمير دولة الخلافة من خلال نشر تعاليم ديانة الفرس القديمة مع نشرالشبهات حول القرآن وفضل العرب ونشرالفساد والعبث والمجون وإشاعة الإنحلال في المجتمع الإسلامي المتماسك بالعقيدة الإسلامية.. هكذا كان الزنادقة في كمون أيام الأمويين ثم ظهروا إلى العلن أيام العباسيين واشتد أوار الزندقة في القرن الثالث الهجري..
ونظرا لخطورة الزندقة على العالم الإسلامي نجد الخليفة المهدي رحمه الله (ت169هـ) يوصي ولده موسى الهادي (ت170هـ) بتتبع الزنادقة وجهادهم وكشفهم والفتك بهم.. حيث يقول الخليفة المهدي في وصيته:
وصية الخليفة المهدي : يا بني إذا صار الأمر إليك فتجرد لهذه العصابة ، يعني أصحاب ماني ، فإنها تدعوا الناس إلى ظاهر حسن كاجتناب الفواحش ، والزهد في الدنيا ، والعمل للآخرة ، ثم تخرجها من هذا إلى تحريم اللحوم ، ومسّ الماء الطهور ، وترك قتل الهوام تحرجاً ، ثم تخرجها إلى عبادة: اثنين أحدهما النور والآخر الظلمة..! ، ثم تبيح بعد هذا نكاح الأخوات..! ، وسرقة الأطفال من الطرق..! ، لتنقذهم من ضلال الظلمة إلى هداية النور..!، فارفع فيها الخشب ، وجرّد السيف فيها ، وتقرّب بأمرها إلى الله. فإني رأيت جدي العباس رضي الله عنه في المنام قد قلدني سيفين لقتل أصحاب الاثنين.. فرحم الله خليفة المسلمين المهدي بن المنصور لغيرته على الإسلام ..
إن ما عناه المهدي لابنه الهادي في وصيته: ثم تخرجها من هذا الى تحريم اللحوم ومس الماء الطهور وترك قتل الهوام تحرجا...
يعنى أن أهل الكفر ومن شابههم من الزنادقة والشيوعيين والوجوديين.. ينطلقون من مباديء كاذبة خادعة ، ويتشدقون بكلمات زائفة يراوغون بها الجهلاء وضعاف النفوس ، فهم لا يدعون صراحة إلى ضلالاتهم وإنما يبدأون من أشياء لا ينكرها الناس ، ثم إذا تقدم المدعو وشرب أفكارهم ، ينتقلون به إلى مرحلة جديدة من دعوتهم الكاذبة الفاسدة.. وهكذا حتى يصلوا به إلى أن يدخل معسكرهم ويكون من حزب الشيطان..!