مشروع مساكن
تركي بن منصور التركي - جريدة الرياض :
في ظل الارتفاع الكبير في سوق المقاولات الفترة الماضية، وارتفاع تكاليف مواد البناء بنسب تجاوزت 50% في بعضها عن فترة قريبة سابقة، بات الناس متعطشين لقرار يروي ضمأ بحثهم عن منزل العمر والعش الذي يرحمهم من هوان المؤجرين واستغلالهم لأي طارئ ليقوموا برفع الاسعار بتقلب متتال وارتفاعات غير مبررة..!! ساهم في ذلك بطء قروض صندوق التنمية العقاري، ويكفي ان الذين تعلن اسماؤهم بين فترة وأخرى أقرب المقدمين منهم كان قبل عشر سنوات!!.. ناهيك عن ان مبلغ ال 300ألف لم يعد يفعل شيئا في ظل ارتفاع مواد البناء ومستلزمات العمار..!!.
وفي ظل الوضعية السابقة، جاء خبر نظام (مساكن) والذي اعلن عنه قبل فترة ليمثل - اول ظهوره - فتحا كبيراً لكثير من المحرومين والمنتظرين، كيف لا يكون ذلك وهو يعلن ان صندوق معاشات التقاعد سيقوم بإقراض المواطنين لتملك (مساكن) خاصة بهم بمبلغ يصل الى مليون ريال ولا يقل عن 150ألف ريال، هذا القرار كان حديث المواطنين لفترة، وكانت رسائل الجوال تتناقله بفرح بالغ وكأنه المخلص من عذابات الانتظار..!! ورغم ان القرار اشترط في بدايته انه سيقوم بتمويل شراء المساكن الجاهزة، بمعنى انه لن يقدم قروضا مالية لبناء مساكن خاصة، ورغم انه ساهم في ارتفاع تلك المساكن، الا انه كان محل ترحيب وفرح كبير من الشارع المتعطش لقرارات تفيد المواطن وتساهم في حصوله على مكان يؤوي به أسرته وأبناءه.
هذا الفرح العارم الذي استقبل به القرار، انقلب الى احباط كبير بعدما بدأت مصلحة معاشات التقاعد تعلن بين فينة وأخرى عن تفاصيل ذلك النظام الذي (كان) مخلصا.. قبل ان يكون عنوانا لاستمرار الأسر والحرمان..!!
بداية، توقع المواطنين ان القرار سيكون بدون نسب مرابحة او فوائد للصندوق، بل إن اكثر المتشائمين توقع الحصول على فوائد لكنها لن تتعدى 1% في العام الواحد، وكانت المفاجأة ان الفوائد 5% عن العام الواحد رغم ان من البنوك الموجودة الآن من تمنح قروضا تمويلية تصل لثلاثين عاما وليس لخمس وعشرين وبنسبة لا تزيد عن 4%.. فكيف يأتي الصندوق ليحصل على نسبة اكبر، رغم ان الذي فهم من الجميع انه جاء (ليساعد) المواطن لا (ليتكسب) ويربح من خلاله..!! وبحسبة بسيطة، سنجد ان من حصل على قرض تمويل من الصندوق بمبلغ 400الف ريال بعد الرسوم التي تصل الى خمسة آلاف ريال.. وسلسلة المخاطبات والاوراق المطلوبة سيجبر على سداده 800ألف ريال بفائدة قدرها 100%..!!
هذا ناهيك عن الشروط الغريبة التي وضعت لتنظيم عمل الصندوق، بل ان نسبة 99% ممن كانوا يترقبون هذا (المخلص) اكتشفوا انهم محرومون منه، حينما نص القرار على ان من يستحق القرض يجب ان يكون راتبه اكثر من خمسة آلاف ريال، والاعجب من ذلك هو ما فهمه من راتبه اكبر من خمسة آلاف ريال بقليل.. حينما تصور ان بإمكانه الحصول على منزل بأربعمائة او خمسمائة ألف ريال، ووجد ان حد التمويل له لا يتجاوز 150ألف ريال.. ويشترط ان يسدد 10- 20% من قيمة العقار كدفعة مقدمة..!! بل ان من راتبه يتخطى 11ألف ريال - كمثال - حده التمويلي لن يتجاوز 400ألف ريال..!! والسؤال الاكبر مع هذا القرار: اي سكن سيكون مناسبا لمواطن قيمته 150ألف ريال..؟ خاصة والصندوق اشترط الا يزيد عمر العقار المطلوب للشراء عن سبع سنوات..!!.
ناهيك عن الشروط الغريبة في افتتاح الحسابات، واشتراط نسبة الثلاثين في المائة وعدم وجود مديونيات سابقة على الراغب في الشراء، وغير ذلك من شروط، جعلت كل من قرأ تلك التفاصيل ظن انه يتعامل مع بنك استثماري يبحث عن الربحية بصورة مبالغ فيها.. حتى البنوك وشركات التمويل القائمة تجاوزتها بمراحل..!!.
والسؤال الاغرب الذي ينطلق من ملايين الذين استبشروا بنظام (مساكن) يقول: أليست تلك المبالغ التي سيتم تمويلهم بها هي أموالهم في المقام الاول، جرى استقطاعها لنظام التقاعد، رغم ان كثيرين يغادرون الدنيا ولا يستفيدون من 50% مما اقتطع منهم او يستفيد منها أبناؤهم..!؟ لماذا لم يغلب النظام برنامج مصلحة المواطن، ويخفف في نسبة الفائدة التي سيجنيها من المقترض خاصة وان حق الصندوق مضمون اولا بشرط تحويل الراتب والموافقة على استقطاع القسط الشهري، ومضمون ثانيا لان المنزل سيبقى رهن الصندوق 25سنة ويمنع المواطن من التصرف فيه بيعا قبل تسديد الاقساط..!!؟ ثم ما هو الفتح والمثير الذي سيقدمه الصندوق للمواطن ولم تقدمه البنوك وشركات الاستثمار من قبل..؟
ثم والسؤال الأهم: هل درس الصندوق المشروع بطريقة علمية، وهل استطاعوا التعرف على نسبة الموظفين ممن رواتبهم اقل من خمسة آلاف ريال..؟ وكم نسبة من سيستفيد منه ممن راتبه اعلى ولم يقترض من صندوق التنمية العقاري او حتى سلم من الحصول على قروض من البنوك..!!؟ ان نسبة شبابنا ممن اعمارهم اقل من الثلاثين تصل الى اكثر من 50% حسب الاحصاء الأخير عام 1425ه ولو اضفنا لهم من هم فوق الاربعين وحصلوا على قروض من صندوق التنمية العقاري او يعمل في القطاع الخاص.. فسنجد ان من سيستفيد من المشروع هم قلة.. هذا ان لم يجد في مرونة البنوك طريقا مناسبا ومفضلا للحصول على منزل العمر..!!؟.