التزم بقواعد اللعبة من المسلمات المفروغ منها أنك لا تستطيع المشاركة أو الدخول في أي لعبة حتى تتقن أنظمتها وقواعدها التي بنيت عليها ، فمثلاً كرة القدم لها قواعد وأسس يتحرك من خلالها اللاعبون داخل الملعب وهناك حكم يضبط نظامها بل ويعاقب من يحاول أن يخترق قواعد اللعبة ، ولك أن تتصور مشاهد الرفض وصيحات الجمهور وانزعاجهم من اللاعب الذي يخلخل في نظامها ويعطل سير اللعبة بينما في المقابل اللاعب الذي يتقن قواعدها ويبدع في ممارساتها هذا يسمى فنان ومبدع ، ويحصل على إعجاب الجمهور واحترام الحضور.
لكن تعال معي لنطرق بوابة الحياة وندلف سوياً معها ونعيش الواقع ونختلط بالناس ونبحث في قواعد الأخلاق والأسس التي تنظم حياتنا.. هل نحن ملتزمون بها؟ هل نطبقها في تعاملاتنا؟
الإجابة – في تصوري – يلخصها لنا واقع الناس اليوم وهي أننا لا نتمثل قيمنا في ممارساتنا اليومية مع الناس ، فالشد والجذب والغضب والأنانية وتقطب الوجه وغياب الابتسامة والبشاشة هذه تجدها حاضرة معنا في سائر تقلباتنا اليومية ، وقد يوجد هناك نماذج رائعة على مستوى راقي من الخلق وحسن التعامل لكنهم قلة ولا يشكلون أغلبية.
لا أحد يجهل الأخلاق الحسنة وكلنا نعرف ما عليه قدوتنا – صلى الله عليه وسلم – وما أوصانا به من الأخلاق الحسنة ، بل قد ندعي بالالتزام بها وتطبيقها لكننا ننكشف لأي أول تعامل يمر علينا في بداية يومنا ، بل أحيانا قد لا نعترف بممارساتنا الخاطئة وقد نبرئ أنفسنا ونتهم الآخرين بأنهم السبب في ذلك.. إذاً ما السر وراء ذلك؟ السر – فيما يبدو لي – يكمن في القواعد التي هي في داخلنا ، فبعضنا تأسست شخصيته على قواعد صارمة ومستحيلة وصعب تطبيقها ، فمثلاً قاعدة أنا لا أحب الآخرين حتى يقبلوا كلامي ويقتنعوا بكل ما أقول هذه قاعدة مستحيلة التطبيق وستجعل صاحبها في كره دائم للآخرين ، لأن الناس لن يقبلوا ويقتنعوا بكل ما يقول.. أو قاعدة كل من يرفع صوته في وجهي هذا لا يحترمني فبهذه القاعدة نخسر علاقات وندخل في مشاكل لا تنتهي وهناك من ينطلق من قاعدة الصراحة المطلقة دون تقييد فيحدث نفسه دائماً "بخلك واضح وخلك صريح.. قُل ما عندك مباشرة وجهاً لوجه " الصراحة طبع جيد ومحمود لكن هناك مواقف لا تتناسب معها الصراحة وقد تحرج وتغضب المقابل مثل : أن يعرض عليك مديرك أو أي إنسان عمل بذل فيه جهد وكد طويل ثم تقابله بأن هذا العمل غير مناسب وغير جيد ثم تلحظ تغير في وجهه فتبرز له القاعدة " أنا صريح أنا لا أجامل..الخ" طيب الصراحة جيدة لكن الموقف غير مناسب ، لأن هذا الرجل بذل جهد وتعب وهذا العمل في نظره أنه جيد ولا تشوبه شائبة ، وهو إنما سألك ويريد أن يستفيد من رأيك لإتمام العمل والرقي به.
وهناك من الناس من يبني علاقاته مع الآخرين على قاعدة اسألوا عني وتواصوا معي باستمرار تكسبوا صداقتي إما إذا انشغلت عن التواصل معه فلن تجد أسمك مدون في قائمة الأصدقاء والأعضاء المهمين.. هذا الإنسان بهذه الطريقة يهدم علاقاته مع الآخرين وسيخسر الأصدقاء المقربين لأنه جعل الصداقة والعلاقة ترتكز حول نفسه وقيمتها وأهميتها فلا يبادر بالتواصل معهم بل هم بحاجة إلى صداقته.
إذن شخصيتنا مبنية على قواعد ، وهذه القواعد أحياناً تكون إيجابية فتزيدنا قوة ، وأحياناً تكون سلبية فتضعفنا وتسلبنا القوة ، ومعظم المشاكل والتعاملات السيئة التي تحدث في حياتنا اليومية ، ليس أحداً آخر هو السبب فيها بل السبب القواعد التي تكمن داخلنا فعندما تغضب من إنسان فليس هو مصدر الغضب بل القاعدة التي تكمن داخلك والحكم والتصور الذي انطلقت منه وفسرت فيه الحدث ، فعندما تكون سيء الظن فإنك ستفسر أي حركة تصدر من المقابل بأنك مقصود فيها ، وعندئذٍ تلتهب نفسك ويرتفع ضغطك وتحمر أوداجك.. لكن لو استحضرت قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ) ثم حدثت نفسك بأن تحسن الظن وتروض نفسك عليه حتى يصبح قاعدة تنطلق منها وتحكم من خلالها ، لأصبحت أكثر هدوءاً ونفسك أكثر اتزاناً وأكثر حلماً ولما استطاع أحد أن يستفزك أو يثير أعصابك..
أخيراً لا بد أن نراجع أنفسنا وأن نتقن قواعدنا فنزيل السلبي ونؤكد ونبقي الايجابي ، وأيضاً فكما ذكرت ابتداءاً.. بأننا لن نحقق الفوز في أي لعبة حتى نتقن قواعدها ، فكذلك الحياة لن نستطيع أن نسعد وننجح فيها حتى نتقن قواعدها ، فكذلك الحياة لن نستطيع أن نسعد وننجح فيها حتى نتقن قواعدها.
سطور أخيرة
إذا كانت القاعدة صارمة يصعب تنفيذها أو يتعلق تطبيقها بالآخرين والأحداث فهي قاعدة سلبية تضرك أكثر مما تنفعك ، فيجب عليك أن تتخلص منها وأن تبني شخصيتك وتقويها.