
رد : فهم الذات
أخي ناجي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الكريم إن إهمال الذات وتجاوز أطرها المعرفية، لا يؤدي إلى فهم الآخر فهماً دقيقاً، بل يؤدي إلى الانبهار به والتلقي الأعمى لكل ما ينتجه ويصدره.. وإن أصحاب هذا المنحى لا يدركون العلاقة الوثيقة التي تربط بين فهم الذات وفهم الآخر، وأن الطريق السوي لإدراك الآخر حضارياً وفهم حركة تطوره وسيرورته التاريخية لا تتأتى إلا بمصالحة الذات وسبر أغوارها واكتشاف معدنها الأصلي.
ووعي الذات بارك الله فيك ليس مسألة هلامية أو فضفاضة وإنما يعني:
المزيد من التعرف والكشف على الثروات المعرفية والثقافية التي تختزنها الذات الحضارية في تراثها وتاريخها. حضور الذات في عملية المثاقفة مع الثقافات الإنسانية، حتى لا تكون عملية المثاقفة طريقاً إلى هدم الأسس المعرفية التي تتكىء عليها الذات. وحضور الذات في عملية المثاقفة، يؤدي إلى خلق الإندفاعة القوية والضرورية لفهم الثقافات المغايرة، والعمل على هضم الصالح منها.
كما أن والهوية الذاتية بطبيعة الحال لا تدفعنا أو لا تعني بالنسبة لنا أن نغلق أبوابنا على ما هو ليس في أيدينا، وتتحكم به قوى أخرى خارجة عنا.. وإنما تعني أننا في البدء لابد أن نحقق هويتنا الحضارية والثقافية، ونجعلها حاضرة في حركتنا الاجتماعية والثقافية، وننطلق من هذا الحضور الثقافي والحضاري للتفاعل مع الثقافات الأخرى.. وبهذا لا تكون ثقافة المجتمع المعاصر أو تصرفاته المختلفة خارج هذا المنظور والفهم للهوية وأبعادها. بل هي منطلقة منه لا لكي تجمده في قوالب ماضوية، وإنما لكي يكون المجتمع ملتحما التحاما عضويا مع منظومته القيمية والحضارية.
فالهوية الذاتية والإطار المرجعي القائم على النتاج الإنساني المنضبط بضوابط الوحي والملتزم بقوانينه ومحدداته، واستحضار كل هذه الأمور على مستوى إعادة إنتاجها وفق ما تتطلبه الظروف واللحظة التاريخية.. في تقديرنا كلها مسائل أساسية لتكوين الوعي القادر على دفع المجتمع إلى مدارج التقدم والتطور.
أشكرك ناجي